فيلم 2035 أنا خالد: البشر العابرون للأزمنة سيعيشون بلا ذاكرة

الخلود لا ينهي المآسي الإنسانية ولا يوقف الحروب والصراعات.
الاثنين 2022/01/24
حتى الخلود له سلبياته

أحيانا تنبش السينما المخاوفَ الإنسانية وتطرح لها حلولا “خيالية” تصحبها مؤثرات وتعقيدات تفتح الباب على تساؤلات وأفكار ربما غابت عن الناس. ولأن فكرة الخلود تلاحق البشرية منذ بدء الخلق، يحلم الجميع بحياة لا تنتهي ولا تشوبها الحروب والأوبئة. وتطرح الأفلام معالجات سينمائية متنوعة لهذا الحلم.

لا شك أن الأزمة التي مرّت بها البشرية -ولا تزال تمر بها- من خلال جائحة كورونا ومتحوراتها المتلاحقة قد ألهمت صناع سينما الخيال العلمي لإيجاد قصص وموضوعات تتحدث عن مصير البشرية في ظل استمرار الكارثة والتساؤل عما إذا كان يتوجب على البشرية أن تستسلم لواقع الحال أم هي مطالة بالبحث لنفسها عن بدائل وحلول؟

هذه الإشكالية يطرحها كاتب السيناريو والمخرج توني ألوبيس، الذي بنى قصة فيلم «2035 أنا خالد» على سلسلة من التساؤلات خلاصتها كيف يمكن للبشرية الخلاص من أزماتها، فالأوبئة سوف تتبعها أوبئة أخرى والحروب سوف تليها حروب أخرى ولن يهنأ البشر في حياتهم.

من هنا تُبنى قصة الفيلم على فرض وجود شخص ما سوف يظهر الحل على يديه وهو الذي يعرف بالطيار (الممثل شين غون) الذي يعد البشرية بمستقبل جديد، فهو من خلال عمله في مجال علوم الجينات يكتشف مادة تجعل المرء خالدا من دون أن تعني له الأوبئة والحروب شيئا وعلى فرض أن الحياة سوف تصبح مثالية والناس سيعيشون حياة متطورة وقد تخلصوا من كوابيس الماضي.

☚ الفيلم يتبع مسارا دراميا خاصا به يظهر من خلال لمسات المخرج في التصوير والمونتاج والمؤثرات والموسيقى والحوارات

وها نحن مع الشخصية الرئيسية الشاب لوغوس (الممثل أبراهام لويس) في العام 2035 وهو ذاهب لكي يلتحق بما سبقه إليه الآخرون، الدخول في طور التجمّد وبدْء حياة جديدة، حياة الخالدين.

وتعيدنا المنظومة الضخمة التي يقودها الطيار إلى ذلك الشكل الفيلمي الذي يجسّد وجودا جماعيا لمجتمع يقوده ويسيطر عليه الأخ الأكبر، حيث أن شخصية الطيار الذي يسيطر على ذلك المجتمع الجديد تبنى على فرضية الطاعة التامة في مقابل حياة نظيفة بلا أوبئة ولا أمراض ولا حروب.

أما إذا انتقلنا إلى التفاصيل المرتبطة بالشخصيات فسوف نكتشف مجتمعا كاملا خاضعا بشكل تام لسيطرة الطيار الذي يتولى مساعدوه القيام بما يعرف بعمليات الصيانة للأشخاص الذين تحولوا إلى كائنات شبه روبوتية. وفي واقع الحال فإن عملية الصيانة ما هي إلا عملية إلغاء وطمس للذاكرة بالكامل وتحويل الكائن إلى مجرد آلة يسيطر عليها الطيار وفريقه.

يذكرنا هذا الفيلم بفيلم سبق أن شاهدناه وكتبنا عنه وهو فيلم “ارتقاء” للمخرج لي وانيل، الذي شاهدنا فيه الكثير من التنوع المدهش في الإدماج ما بين الروبوتي والبشري، كل ذلك في إطار تجارب تسود فيها الشركات التي تعمل في هذا المجال وتمسخ الكائن البشري لتحوّله إلى كائن آخر مختلف.

وكذلك الحال في فيلم “مساواة” للمخرج دراك دوريموس الذي أنتج في العام 2016 ويظهر مجتمعا شموليا في مكان مجهول وفي زمن مستقبلي، ووصلت فيه تقنيات التواصل إلى مرحلة متقدمة فالجميع يؤدّون أعمالا يومية روتينية، مثل كائنات روبوتية؛ هم قليلو الكلام، منجذبون إلى الشاشات، وحتى الشخصيات الشابة المتجاورة أثناء العمل نادرا ما تتبادل الكلام أو الاهتمام وكلٌّ غارقٌ في عالمه الخاص، ومنصرفٌ تماما عن الآخرين.

لكنّ ثمّة تحوّلين دراميين يغيران مسار الأحداث في هذا الفيلم؛ الأول هو وجود فريق متمرّد يعمل سرّا ويرفض الدخول إلى مستعمرة الطيار كما يرفض أن يكون مجرد كائن روبوتي، بل إن الأمر يتسع إلى نوع من الجدل الوجودي عن إشكالية الموت والحياة والخلود ولهذا يذكرك المخرج من خلال شخصية لوغوس بتلك الاهتمامات النظرية الوجودية، وها هو لوغوس لا يكاد يفارق كتاب جان بول سارتر “الوجود والعدم”.

كيف يمكن للبشرية الخلاص من أزماتها، فالأوبئة والحروب تتبعها أوبئة وحروب أخرى ولن يهنأ البشر في حياتهم

التحوّل الآخر هو تلك العلاقة التي سوف تربط بين لوغوس وأكاي (الممثلة إيلويس سمايث)، وهي علاقة مؤثرة للغاية وسوف تؤثر بشكل حاد وفاعل على مسار الأحداث وذلك من خلال سلسلة التحولات التي تطرأ على لوغوس نفسه وصولا إلى احتجازه ومحو ذاكرته ثم تهريبه من المختبرات المحصنة بشدة لشحذ ذاكرته وإعادته إلى واقع الحياة.

هنا سوف تنشأ علاقة حب رومانسية بين لوغوس وأكاي التي تكون قد ورطت لوغوس في الدخول إلى تجربة محو الذاكرة، وهو ما تدفع ثمنه بمرارة عندما يمر لوغوس من أمامها دون أن يستطيع التعرف عليها بسبب محو ذاكرته.

هنالك خيط رفيع ملحوظ بين وقوع الفيلم في نمطية الأفلام التي سبق أن عالجت موضوعا مشابها أو مقاربا وبين أن يجد مساره الدرامي الخاص، وهو ما نجح فيه المخرج بمساعدة الكثير من اللمسات المرتبطة بالتصوير والمونتاج والمؤثرات والموسيقى والحوارات.

إلا أن الأمر الملفت للنظر هو الوصول إلى خلاصة مفادها أن الكائن البشري مهما تمرد على كينونته وأوغل في عالم الذكاء الاصطناعي لا بد أن يصل في المحصلة إلى تساؤلات تتعلق بالذات والآخر والمستقبل وصولا إلى العاطفة ومن ثم الوصول إلى سؤال الموت، وهي تساؤلات مجتمعة يتم صوغها وجوديا في هذا الفيلم ضمن معالجة متميزة لاسيما مع إبراز علاقة الحب التي تربط لوغوس بأكاي، فهي بالذات تقدم أداء خارجا عن النمطية المعتادة؛ فعلى الرغم من حزنها الشديد وندمها على فقدان لوغوس وتركه خاضعا لتجربة محو الذاكرة ثم عودته إلا أنها كانت تواصل بصلابة إكمال المهمة التي تنتهي بها إلى أن تقدم نفسها ضحية لكي يتمرد الآخرون ويتحرروا من محمية الطيار الذي يسيطر على المستعمرة ويجري التجارب على البشر المحتجزين فيها.

14