فيلم نبيل عيوش يصطدم بالرقابة وأشياء أخرى

أعتقد أن أفظع ما يمكن أن يقوم به ناقد أو محلل هو أن يتحدث عن عمل فني أو أدبي أو فكري لم يطلع عليه، ولكن الجدل الذي يروج حول فيلم المخرج نبيل عيوش الجديد “الزين اللي فيك”، وبعد استعراض المشاهد واللقطات المنشورة من الفيلم، وكذلك رصد جزء مما كتبه نقاد وصحفيون، يجعلنا نضع ذلك ضمن السياق العام الذي صدر فيه الفيلم.
الجمعة 2015/05/29
بطلة الفيلم لبنى أبيدار تواجه نقدا لاذعا من المجتمع بدعوى الإساءة للمرأة المغربية

الرباط - المغرب لم يخلص بعد من قضايا ذات حساسية بالغة كقضية الإجهاض، ومدونة القانون الجنائي، واستقالة أو إعفاء وزير ووزيرة بسبب ما راج حول علاقتهما الشخصية، وانخراط المغرب في محاربة الإرهاب والتطرف، والاستعداد لانتخابات عامة وشيكة، وضحالة الخطاب السياسي في السنوات الأخيرة، فلا نعتقد أن الحديث عن مثل هذه المواضيع مفصول عن تناول فيلم نبيل عيوش الجديد “الزين اللي فيك”.

يقول سلامة موسى في كتابه “تاريخ الفنون وأشهر الصور”: إن الانحطاط يعتري الفنون الجميلة من جملة نواح، أولها المنع من الناحية الدينية، والحاصل أن ما قاله ساري المفعول إلى اليوم ما دامت أغلبية ردود الفعل المطالبة بالمنع والمحاكمة والشجب والاحتجاج، تنم عن أيديولوجيا محافظة يغلفها الخطاب الأخلاقي ولا تبتعد عن الاستثمار السياسي الذي يخاطب الجماهير الانتخابية ذات الحس المجروح والمخدوش.

اللقطات التي تم نشرها لا تخلو من عنف لفظي واضح وصادم لذوي الأحاسيس المنقادة والعواطف المنساقة وغير المتريثة، وهي تأخذ من السينما مباشريتها لتمرير أيديولوجيا معينة.

إذن، نحن أمام أيديولوجيات متصارعة ومتصادمة، لكن المسألة الهامة في الأمر هي قدرة السينما كفن حديث وحداثي على كشف المستور، المهمش، واستدعاء الناس للنقاش حوله في أفق التأسيس الفعلي لأدبيات الحوار التي من شأنها أن ترقى بالنقاش نحو أفق ديمقراطي أرحب، قد يسمح للعقل بالاشتغال العمومي دون حجر أو ادّعاء بامتلاك الصلاحية.

أعتقد أن من يدافع عن صورة معينة للمغرب يقف به عند حافة الثبات، فهو مجتمع إنساني متعدد ومفتوح، له رهاناته الاقتصادية التي يصعب عزلها عن ملحقاتها، فليس هناك سياحة دون متعة، ولا يوجد اقتصاد نظيف بالمعنى الأخلاقي، ولا يمكن فهم الجنس بمعزل عما هو اجتماعي وأيديولوجي وديني وتربوي وسياسي لأنه مكوّن طبيعي لدى الإنسان، ولا تستقيم الحياة دونه.

وما السكوت عنه إلاّ علامة من علامات الجرح الذاتي والجمعي الغائر، خاصة إذا ابتعدت مقارباته عن الموضوعية، لذلك فصورة المغرب وهويته وثوابته متحولة ومتغيرة ومتفاعلة مع محيطها ومع الأجيال المتعاقبة لأبنائه التي تستدمج الطرائق التربوية الجديدة بأشـكال واعية أو غير واعية.

أما من الناحية السوسيولوجية، فالمجتمع المغربي ليس طهرانيا، فيه الصالح والطالح، الخير والشر، الطبيعي والشاذ، الظاهر والخفي، فحين يعري فيلم “الزين اللي فيك” سوأته، ويسلط الضوء على مافيا الدعارة المنظمة، والسياحة الجنسية، ويستثمر الحقل اللغوي الملتصق بالمجال السوسيو- ثقافي الذي تتحرك فيه الشخوص، فلا يعدو الأمر إلّا أن يكون محاكاة فنية للواقع مهما بالغ المخرج في نقلها، وكل محاكمة من شأنها أن تعــــود بــنا إلى زمــــن محــاكم التــــفتيــش.

مع العلم أن صاحب الفيلم قد لا ينتبه إلى خطورة جرأته الناتجة عن دهائه أو قلة تقديره للأمور أو قصور حساباته الأيديولوجية، التي تحمل من الخطورة ما يدفع البعض إلى ارتكاب عنف مادي مضاد للعنف الرمزي الصادر عن الصور الفيلمية التي يصرح البعض بأنها جارحة لشعوره، ومستفزة لقيمه، فنشر الوعي يجب أن يراعي التدرج والتوظيف المدروس لآليات السينما.

وهنا لا تمكن الإشارة إلى أن المشاهد واللقطات المنشورة ممطّطة ومكرّرة، ويمكن أن نسجل أن السينما توظف الأسلوبين معا، فقد تعبر لقطة تلميحية وحيدة أو حوار مختصر عن الموضوع، وقد تطنب فيه، ولكل توظيف تأويل وقراءة. وها نحن اليوم أمام فورة من القراءات التي لا تخجل من استعمال قاموس مشابه لما ورد في الفيلم، رغم اختلاف درجات الخطاب، واستمرار لنهج المخرج الذي عهدناه في أفلامه السابقة.

لا يحلّ المنع مشكلة ولا يطور مجتمعا، وإنما يزيد من تأزيم الوضع، فالخطوة التي أقدمت عليها وزارة الاتصال غير محسوبة، ولم تأخذ بعين الاعتبار القواعد الشكلية الجاري بها العمل في مثل هذه القضايا، مع العلم أن هذا لا يحمل في طياته أي قيمة ما دام الفيلم سيعرض على شبكة الإنترنت، وسيشكل مادة تجارية دسمة للقرصنة.

ونعتقد أن ذلك العصف بالمنتج الفني في مثل هذه الصراعات يؤشر على إثارة ما لا يمكن تصوره، خصوصا وأن المغرب تتربص به كافة أشكال العنف الظاهرة والخفية، اللينة والسمجة، فالإدارة الحكيمة للأزمة لا يمكنها أن تسير نحو هذا الأفق.

هكذا يكون تسريب هذه اللقطات الفيلمية التي تتوفر شبكات الفيديو العالمية على مقاطع وصور أكثر جرأة منها حول المغرب، وهي تصور أشخاصا واقعيين، وليس ممثلين يقصفهم المجتمع بشتى أنواع الإهانات والأذى ودون التفرقة بين العري الطبيعي والعري الجمالي، انخرط، عن قصد أو دونه، في خدمة أجندة داخلية وخارجية لم تفوت الفرصة لاستثماره خارج دوائر النقاش الفني والجمالي. يدّعي بعضها حماية المجتمع من الأخطار المحدقة به، ويتستر بعضها الآخر خلف يافطة الحداثة، وكلا الخطابين يسقطان في التعميم والتبسيط والمغالطة لخدمة مصالح سياسية واضحة للمحلل اليقظ، وغائبة عن عامة الناس.

والحال أن الفئة الثانية هي المستهدفة، لأنها وقود الأيديولوجيا التي تحمل فتيل النار في يدها، فالدور التربوي أساسي هنا، لأن الشباب دون سن الثامنة عشرة شاهدوا اللقطات وهبّوا للاستفسار حولها، فما الفائدة من المنع؟ أليس حريّا بنا أن نسارع الزمن كي نرقى بمنظومتنا التربوية والعلمية لتساير روح حضارة الصورة؟

إقرأ أيضاً:

"الزين اللي فيك" إخراج جيد يسقط في الاستعراض المكرر

16