فيلم "رجل عنيف" شخصية تحاصرها جرائم الماضي والمستقبل

ليست هنالك إضاءات ذات ثقل يعتد بها في هذه الدراما الفيلمية.
الأحد 2022/03/27
العنف له خفاياه المؤلمة

في سينما السجون والمعتقلات اعتدنا على صورة نمطية تتعلق بالسلوك الفردي من جهة والماضي الشخصي للسجين وما يتبع ذلك من أصداء تتعلق بردود الأفعال والصراعات التي تشهدها أماكن السجن، فضلا عن كثير من الصلات بالماضي والتي من الممكن أن تتجسد في أشكال شتى أبسطها مشاهد الاستذكار.

وفيلم “رجل عنيف” الأحدث للمخرج روس ماكال يقدم لنا الكثير من ذلك من خلال الشخصية الرئيسية ستيف (الممثل كريف فيربراس) الذي نشاهده في وسط صورة مشوشة ومقلوبة وهو يجهز على أحد الضحايا، ثم نشاهده بعد ذلك وهو في زنزانة مشددة يخضع فيها لحكم صارم بسبب جريمتين كان قد اقترفهما.

في المقابل ولكي تتضح دوافعه وطباعه الشخصية يتم الزج بسجين آخر هو ماركوس (الممثل ستيفن أودوبولا) وهو ضحية عصابات ما تزال تلاحقه حتى وهو في السجن مما يدفع ستيفن إلى الدفاع عنه في سلسلة من الصراعات الدامية تتم في غرف السجن ويتحمل ستيفن بسببها العقاب لمرات عدة.

ولنعد إلى تلك الشخصية الإشكالية، فقد انشغل المخرج فضلا عن الجانب المكشوف من شخصية ستيف ببناء بصري وسمعي ملفت للنظر، فقد ترك للشخصية الرئيسية أن تبوح بمكنوناتها من خلال الصوت الخارجي (VOICE OVER) ومن خلال الحوارات العميقة مع الذات والانطباع حول الآخرين.

الصورة تفوقت في الفيلم إلى حد كبير فضلا عن استخدام الحوار الذاتي والتعليق الخارجي تعزيزا لتلك الجماليات

وهنا نجد أن هذا الجانب التعبيري الذي تم استخدامه ببراعة قد أضفى على الفيلم جمالية عمقتها إدارة التصوير المتميزة لمدير التصوير ستيفان سيوبيك الذي برع في التعامل مع الأماكن الضيقة والإضاءة القليلة لتسليط الضوء على الجوانب النفسية والسلوكية لستيفن.

في موازاة ذلك هنالك الجانب الخفي وغير المرئي وهو الحياة السابقة لستيف التي سوف تتجلى في الاستعداد لمقابلة ابنته الوحيدة للمرة الأولى بعد عشرين عاما قضاها في السجن، وهي إشكالية معقدة بالنسبة إليه سواء لتبرير أفعاله أو الكشف عن شخصيته لاسيما وأن الأحداث وما يرويه ستيفن عن نفسه أنه هو قاتل زوجته وآخر أفعاله أنه جدع أنف سجين وكاد يقتلع عين سجين آخر وذلك دفاعا عن ماركوس وهو يجد نفسه ضعيفا ومعزولا بينما العصابات تلاحقه وتريد الاقتصاص منه.

هذا الرجل العنيف الذي جسد عنوان الفيلم يقدمه الفيلم أيضا في صورة موازية في إطار السرد الفيلمي، فهو ليس عدوانيا ولا شريرا بالمطلق بل هو في بعض الأحيان وغالبا مدافع شرس عما يؤمن به ولو كان في ذلك تحد وجودي بالنسبة إليه وذلك ما سوف يختبره من خلال علاقته بماركوس والدفاع عنه بشتى الطرق.

في المقابل هنالك الصداقة البسيطة التي تجمعه مع آخرين وبمعنى آخر أن الرجل العنيف هنا ثمة نقاط أخرى غير ظاهرة في شخصيته وهو ما سوف يتضح أيضا في حواراته مع المحامية ومع من يسعون لمنحه الإفراج الشرطي بينما هو يخوض في كل مرة صراعا مع شخصيات شريرة تريد فرض إرادتها في داخل السجن وكأنهم امتداد لما هم عليه في الحياة.

ولنعد إلى الشكل الفيلمي، فمن الملاحظ أن قصة سجين وهو يمضي محكوميته في داخل زنزانته لا تحمل الكثير ما لم يتم تأسيس تحولات درامية وبث حبكات ثانوية أو فرعية ذات جدوى من الممكن أن توجه الدراما الفيلمية في مسارات أخرى مختلفة، ولنعد هنا إلى الموازنة ما بين الشكل الفيلمي والعناصر التعبيرية على صعيد الصورة وحركة الكاميرا والإضاءة وهي على درجة من الإتقان بينما كانت مواجهات ستيف تبدو معتادة في إطار الصورة النمطية للسجين في منافساته مع سجناء آخرين.

وعلى هذا فقد تفوقت الصورة إلى حد كبير فضلا عن استخدام الحوار الذاتي والتعليق الخارجي الذي عزز تلك الجماليات الملفتة على صعيد الصورة بينما بقيت القصة السينمائية في حاجة إلى مزيد من التحولات التي يفترض أنها سوف تفاجئنا وتجعلنا مشدودين إلى ما سوف يحدث لاحقا وهو المعتاد في الدراما الفيلمية.

لكن المخرج أراد لنا أن نكرس مساحة وجدانية فيها كثير من التفاعل والتعاطف في ما يتعلق بابنة ستيفن المجهولة التي سوف تظهر في القسم الأخير من الفيلم لتكمل تلك المساحة التي كنا ننتظر أن تملأها الابنة وليس أكثر من مساحة الحوار بين الأب والابنة وعلى هذا صار السؤال ما بعد ذلك اللقاء يتعلق بالرجل العنيف وما هي مشكلته الحقيقية سواء مع ذاته أو مع المجتمع المحيط به.

ليست هنالك إضاءات ذات ثقل يعتد بها في هذه الدراما الفيلمية إذ غالبا ما تستخدم دراما الجريمة للكشف عن تفاصيل مفاجئة تحقق تحولات درامية مهمة كنا ننتظرها لكننا لن نلمسها في هذه المساحة من الأزمنة التي كان ستيفن يعيشها في السجن وبينما كانت الحياة مجهولة كليا في خارج السجن ولم نشهد لتلك الشخصية الرئيسية أي مشهد استرجاع بواسطة الصورة وهو أمر معتاد في مثل هذه الأفلام أو أن يجد المخرج أي حل آخر ينقلنا إلى الحياة الموازية حتى ولو كان ذلك جانبا معززا لحياة الابنة وهو ما افتقدناه في هذا الفيلم.

14