فيلم "الكلمات الأخيرة".. تبقى السينما خالدة رغم فناء الأرض

تنشغل الأفلام السينمائية بالبحث في فرضيات فناء الحياة البشرية والاحتمالات الخيالية الممكنة التي تضيف الكثير من الإثارة والتشويق إلى المستقبل الغامض، لكن المخرج جوناثان نوستير اختار في فيلمه “الكلمات الأخيرة” أن يجعل السينما هي الناجي الذي يذكرنا أرشيفه بحياة عشناها يوما على كوكب الأرض.
في المستقبليات التي انشغلت بها سينما الخيال العلمي تحضر الديستوبيا الأرضية بقوة وتتكرر ظاهرة فناء الأرض وإبادة القسم الأكبر من البشرية إلا قليلا من الناجين، وخلال ذلك تتعدد أسباب ذلك الفناء البشري لكنها غالبا ما تلتقي في بضعة أسباب هي الحروب النووية الطاحنة والصراعات والحروب الأهلية، ثم تأتي الأوبئة والأمراض الفتاكة ثم عوامل الطبيعة والكوارث الناجمة عنها كالزلازل والبراكين وموجات التسونامي وأخيرا الغزو الفضائي الخارجي.
وفي فيلم “الكلمات الأخيرة” للمخرج جوناثان نوسيتر سوف يبدأ مباشرة مع الناجي الأخير كال (الممثل خليفة توراري)، فها هو يجوس في خراب وحطام كاملين، معلنا أنه إنما يتنقل ما بين لندن وباريس باحثا عما يسد جوعه وخائفا من أن يلحق به أذى.
والحال أن المخرج وكأنه أراد لنا في تلك الصورة لمستقبلية أن نعيش مع كال يومياته وهو يعيش وحيدا في هذا العالم من دون أن نعلم تحديدا ماذا جرى للبشرية خاصة أن الخراب والحطام الذي يتجول فيه لا أثر فيه للحرائق وقصف القاصفات وما شابه. وعلى فرض أننا سوف نمضي مع كال وحيدا، إلا أننا ما نلبث أن ننتقل إلى معاناته هو وشقيقته الحامل وبحثهما عن ملاذ آمن.

¸ فيلم "الكلمات الأخيرة" للمخرج جوناثان نوسيتر يبدأ مباشرة مع الناجي الأخير الذي يجوس في خراب وحطام كاملين
ومع موت الشقيقة يقرر كال المضي في مساره من دون هدف وحيث يصبح التنقل في وسط القارة الأوروبية وبين مدنها عملية متاحة مشيا على الأقدام.
خلال هذه الرحلة التراجيدية يستخدم المخرج التعليق الصوتي الذاتي لكي يخبرنا كال في أي عام نحن.
وها نحن في العام 2086 وخلال هذه المساحة الزمنية سوف تظهر علامات الطرقات المحطمة خلال مسيرة كال، فهنا الطريق إلى غرينوبل وإلى باريس ثم بعدها إلى روما وهكذا للإيحاء بأن الفناء قد عم في كل مكان.
ويتمثل التحول الأهم في هذه الرحلة في لقاء كال مع الرجل العجوز الذي يسمّي نفسه شكسبير (الممثل نك نولتي) الذي سرعان ما يخبر كال بأن الوحوش في انتظاره لينقله إلى عالم آخر هو ليس إلا حطاما وبقايا من أرشيف السينما، حيث يصدم كال بتلك الصور المتحركة على الشاشة التي يحركها شكسبير بشكل يدوي أو بالقدمين على غرار الدراجة الهوائية.
سوف نكتشف أن كال لا يعرف للطعام شكلا كما أنه لا يعرف شيئا عن العلاقة بين الرجل والمرأة، وهذه فرضية تبدو مبالغا فيها ومسرفة في تسطيح شخصية كال إلا إذا افترضنا أنه ولد في وسط الحطام والخراب.
ها نحن مع سلسلة عروض مشوّقة للقطات بالأبيض والأسود لبدايات السينما، ومن فرط تفاعل كال مع تلك الشخصيات فإنها تباغته حتى في نومه ويتكون عنده ولع بينما يحاول شكسبير طرده إلا أنهما في النهاية يقرران البقاء معا لغرض بلوغ غايتهما وهي الوصول إلى أثينا على أمل أن الحياة فيها سوف تكون أفضل مما يعيشانه.
وأما عن شخصية الكهل شكسبير فسوف نكتشف من تذكره لأحداث الماضي أنه كان يعمل يوما ما في هوليوود في مجال السينما وأنه خسر بناته الثلاث الصغيرات بسبب ظروف الفناء الكامل والجوع والتشرد ليضطر للبقاء وحيدا وأن يمضي عمره متخفيا.
في القسم الثاني من الفيلم يعمد المخرج إلى شكل آخر من المعالجة السينمائية من خلال اكتشاف كال وصاحبه وجود العشرات من الأشخاص المختلين وغير المتوازنين وهم يرتدون قطعا بلاستكية ولا يتكلمون بل يبادلون الآخرين النظرات الغامضة ولنكتشف أننا على تخوم أثينا وأطلال الأولمبي بعدما قطع كال وصاحبه رحلة صحراوية شاقة.
ها هي اليونان وقد غمرتها المياه وكذلك الحال مع قارات أخرى يخبرنا كال أنها اختفت ومنها القارة الأفريقية، فإما زحف للرمال والصحاري أو غمر للمياه.

¸ مشاهد وصور خالدة
في وسط هذه الجموع تحضر باتلك (الممثلة الكبيرة شارلوت رامبلينغ، مواليد 1946) فما هو مغزى ظهور هذه الممثلة الكبيرة التي قدمت العشرات من الأفلام على مرّ تاريخها السينمائي ونالت العديد من الجوائز؟
لن ننتظر الكثير سوى أنها وهي المرأة العجوز تقرر إنجاب طفل من كال، هكذا بكل بساطة، وفعلا تحمل منه لكنها سوف تموت. ويعد دور رامبلينغ هامشيا وسطحيا تماما وكان مستغربا إسناده إلى هذه الممثلة الكبيرة وقبولها به.
ولكي يكمل المخرج الوصفة كاملة فإنه سوف يعرج على الزومبي، حيث تروي إحدى الناجيات بأعجوبة من الزومبي كيف التهموا شقيقها للتبرك به للأرض وحيث يقدم المخرج بشرا عراة يتجولون في الغابات ويصطادون ضحاياهم.
وللمرة الأولى سوف يلتقي شكسبير شخصا يصافحه وهو طبيب أو جراح لكن الغريب أنه سوف يجهز على الجميع وهم نيام وحتى نفسه لكي يبقى ثلاثة أشخاص ولربما سوف ننتهي إلى كال مجددا وهو يتجول وحيدا في وسط الخراب.
لا شك أن هذه التراجيديا في خوضها للخراب الأرضي تنضمّ إلى العشرات من الأفلام من هذا النوع، لكن السؤال هو مدى إضافة هذا الفيلم نوعيا إلى الأفلام الأخرى لكننا نجد أن الفيلم بدا
نمطيا في أحداثه والمخرج لا يستند إلى سيناريو متماسك ما عدا إمتاعنا ببقايا السينما التي ظلت خالدة رغم فناء البشرية.