فيلم "أوبنهايمر" يسلط الأضواء من جديد على قصة "ثمانية مانهاتن"

فيلم يفتح نوافذ مشرعة لإعادة قراءة التاريخ بطرق جديدة.
الخميس 2023/08/24
السينما أداة لإعادة كتابة التاريخ

سياتل (الولايات المتحدة) - مع عرض فيلم “أوبنهايمر” في دور السينما، والذي يصور مهمة العالم الشهير روبرت أوبنهايمر في تصنيع القنبلة الذرية، أصبح “مشروع مانهاتن” الأميركي تحت الأضواء الآن، بحسب وسائل إعلام أميركية.

ويؤكد الفيلم، الذي يلقى نجاحا كبيرا في قاعات العرض، على دَوْر السينما في مساءلة الواقع والتاريخ، بل وقوتها الكبيرة في كشف الخفايا وإعادة حقوق المهمشين والضحايا، وهو ما فعله العمل مع من نسيوا من التاريخ الأميركي.

ففي عام 1943 بدأ الآلاف من العاملين في الوصول إلى مواقع نائية، في واشنطن ونيومكسيكو وتينيسي، للانخراط في مشروع تعمل فيه العبقرية الأميركية بأقصى ما تستطيع، لإنتاج أول قنبلة ذرية في العالم.

الفيلم يفتح الطريق أمام إعادة قراءة التاريخ والشخصيات التي ساهمت فيه بطرق جديدة تكشف الحقائق

ومن بين أولئك العاملين في المشروع الذي أطلق عليه اسم “مانهاتن” مجموعة معينة من ثماني نساء، ما كان ليكون لهن أي ذكر لولا الحملة المحمومة التي شنها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، بحثا عن التفاصيل الخفية في حياتهن، مما دفع الحكومة التي جندتهن للعمل في ذلك المشروع النخبوي إلى السعي لإلغاء التصاريح الأمنية الخاصة بهن، عن طريق إثبات أنهن مثليات الجنس.

وتحتوي سجلات مكتب التحقيقات الفيدرالي التي رفعت عنها السرية، وكذلك بيانات لجنة الطاقة الذرية، والتي اطلعت عليها صحيفة ذي سياتل تايمز، على التجارب التي خاضتها النساء الثماني في سعيهن لعيش حياتهن الحقيقية، بينما يحاولن سبق مكتب التحقيقات الفيدرالي، في مطاردة امتدت على مدى عقد من الزمان، من منطقة لوس ألموس إلى موقع هانفورد الذي كانت تجرى فيه التجارب، وتم بدء المذكرات الداخلية تنفيذا لأمر رئاسي صدر عام 1953، يحظر تشغيل المثليين في وظائف بالجهات الفيدرالية، مما كانت له تداعيات فورية.

وقصة هذه المجموعة النسائية، التي أطلقت عليها صحيفة ذي سياتل تايمز وصف “ثمانية مانهاتن”، لم تكن معروفة من قبل لبعض أبرز الباحثين المعنيين بمشروع مانهاتن، وأيضا الدراسين لما يعرف باسم “رعب اللافندر”، وهو الاسم الذي أطلقه المؤرخون على “الحملة الصليبية”، التي شنتها الحكومة الأميركية ضد المثليين، واستمرت خلال فترة الخمسينات من القرن العشرين، وذلك وفقا للمقابلات التي أجرتها الصحيفة.

وتلقي هذه القصة الضوء على فصل مظلم من التاريخ الأميركي، حينما تعرض الموظفون في الجهات الفيدرالية إلى مراقبة شديدة لأنشطتهم الشخصية وأيضا لمعارفهم واتصالاتهم، وتقوم هذه المراقبة على أتفه المعلومات، أو تصورات الآخرين عنهم.

رؤية جديدة
رؤية جديدة

وداخل موقعي هانفورد ولوس ألموس، اللذين يعدان قلب مشروع مانهاتن، كان هناك اعتقاد في أنه يتم التنصت على مقار إقامة الجميع، وتعقب عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي العاملين في المشروع خارج ساعات العمل، ونقبوا في ماضيهم واستجوبوا معارفهم أثناء فترة الطفولة، بحثا عن معلومات عنهم أو أية إشارة تفيد بأن أيا منهم يشكل خطرا أمنيا، أو أن هناك ضعفا ما في شخصيتهم يعرضهم للابتزاز من جانب أعداء الولايات المتحدة.

ويشير ملخص لملف عن المجموعة لوكالة الطاقة الذرية، تم رفع السرية عنه، إلى أن “كل شخص تقريبا اعتبر النساء الثماني من المثليات، واستخدم الملف لغة معادية للمثليين ومتحيزة ضد النساء كانت شائعة في تلك الفترة”.

وفي أوائل الخمسينات من القرن الماضي تم احتجاز الرجال المثليين الذين يعملون في جهات الحكومة الفيدرالية، وفي ذلك الوقت برزت روسيا كمنافس للولايات المتحدة في سباق التسلح النووي، ثم جرى انتخاب دوايت إيزنهاور ليدخل البيت الأبيض محمولا على منصة جمهورية، حيث تعهد بإزالة من وصفهم بـ”المخربين” الذين تسللوا إلى الحكومة الفيدرالية.

وهذه العوامل مجتمعة دفعت إيزنهاور إلى إصدار أمر تنفيذي في أبريل 1953 يقضي باتخاذ سياسات أكثر صرامة، تستهدف الموظفين المثليين، وينفذها مكتب التحقيقات الفيدرالي.

ويلعب النجم العالمى كيليان ميرفي دور البطولة في فيلم المخرج كريستوفر نولان، الذي نال استحسان النقاد باسم روبرت جيه أوبنهايمر، الفيزيائي الأميركي الذي لعب دورًا محوريًا في صنع القنبلة الذرية. وأشاد النقاد بدور ميرفي الذي لم يسع إلى تنزيه العالم أو إظهاره بصورة ملائكية أو شيطانية كما هو معتاد في استعادة شخصيات تاريخية، بل قدمه شخصا متناقضا، إنسانا حقيقيا بكل تناقضاته، وهذا ما جعل الفيلم قريبا أكثر من الحقائق التاريخية رغم مزجه التاريخ بالخيال.

ويفتح الفيلم النوافذ مشرعة على إعادة قراءة التاريخ والشخصيات التي ساهمت فيه بطرق جديدة، ما يسهم في صناعة سردية تاريخية أكثر تماسكا وصدقا.

13