فيصل الأحمر: القراء صاروا أوسع اطلاعا وتدقيقا من المؤلفين

عمر الخروصي
الجزائر- منذ قرابة ثلاثين عاما، يشتغل الروائي والباحث الجزائري فيصل الأحمر حول موضوع الخيال العلمي، وقد ألف في هذا المجال العديد من الدراسات والروايات، وكان آخر ما أصدره رواية بعنوان “مدينة القديس أوغسطين” ( عن دار المدى العراق/ 2024)، وهي رواية من الخيال العلمي تكتسي طابعا فلسفيا من خلال تصوير مرح وثري لعالم مستقبلي يتحكم فيه الذكاء الاصطناعي، وتُصور مستقبلا يكون تخلص من جميع العلل الجسدية المعروفة، ولكنه بالمقابل يكون ورث كل أمراض اليوم وعلله المعنوية والعقلية والروحية.
الرواية تأمل كبير في الحب والعاطفة، وقراءة دقيقة وموسعة في معطيات الحاضر التي من شأنها أن تجعلنا نتصور المستقبل ببساطة، وربما بغرابة وبطرافة أيضا.
بطلا الرواية الأساسيان جزائريان ينامان في عام 2028 ليستيقظا بعد ثمانين عاما في عالم مختلف يحاول جذبهما صوب قيمه الجديدة المتفق عليها، ويحاولان جعله يرى نفسه في مرآة ذكرياتهما. عالم صار لا يعرف معنى الحب، فيبحث عنه في آثار القدامى، وربما يكون الفيلسوف الجزائري القديس أوغسطين هو خير من كتب عنه، وربما يكون الحل في بناء مدينة لهذا المفكر الآتي من أقدم الأزمنة: مدينة القديس أوغسطين.
◄ فيصل الأحمر له في ميدان الخيال العلمي كتب ودراسات أكاديمية عديدة، ومشاركات في أنشطة منها ما هو عالمي
في حديث معه بمناسبة صدور عمله الروائي الأخير، يؤكد فيصل الأحمر أن إدراج هذا النوع من الأدب تحت مسمى “أدب الخيال العلمي” يُوحي خطأ بأن العلم ركيزة للكتابة فيه، وهذا غير صحيح، إذ يقول “أعتقد شخصيا بأن شروط الكتابة في الخيال العلمي هي نفسها شروط الكتابة في أنواع أخرى. لماذا؟ لأن المادة العلمية في هذا النوع ليست ركيزة أساسية، بل هي عنصر سردي أو تخيلي لاحق، وربما يكون الأقل أهمية وسط كل العناصر الأخرى”.
ويضيف “لن نغفل الحضور المكثف للمادة العلمية الصارمة في بعض الأعمال المنتمية إلى الخيال العلمي، كما هي الحال في رواية ‘إشكالية الأجسام الثلاثة’ للصيني ليو تشيجين، التي تعالج بشكل تخيلي بارع ومبتكر تلك الإشكالية الموروثة من زمن نيوتن، ولا تزال موضوعا للتطوير كلما تطورت فيزياء الأجرام السماوية (إشكالية الأجسام الثلاثة المرتبطة رغم وجودها في ثلاثة أبعاد مختلفة، وطريقة حساب علاقات التأثير والتجاذب فيما بينها)، أو كما هي الحال في السيناريو البارع لفيلم ‘intersteller’ وكتبه بطريقة مبتكرة وأنتجه وأخرجه كريستوفر نولان، الذي فيه الكثير من المادة العلمية الدقيقة في ما يتعلق بالبحث النظري لتمدد الزمن حسب التطورات الحديثة لنظرية النسبية العتيقة لدى ألبرت إنشتاين (time dilation)، وكذلك الكثير من المباحث المتعلقة بفيزياء الثقوب السوداء”.
ويضيف صاحب “مدينة القديس أوغسطين”، “الخيال العلمي يحتاج أولا إلى ثقافة فلسفية مع إلمام معقول إلى حد ما بتطور المعارف في الزمن الذي يكون فيه المؤلف. ومن جهة أخرى، فقد حضرنا الكثير من الندوات التي ينشب فيها حوار غريب بين المؤلف والقراء، لكي نكتشف، بعد وقت معين، أن القراء أكثر ضبطا لمعارفهم، وأوسع اطلاعا وتدقيقا من المؤلف نفسه، وهذا أمر يطرح مشكلة حقيقية في الواقع”.
ويتابع الأحمر “إننا نعيش مرحلة زمنية غير مسبوقة تسمح لأبسط قارئة مقيمة في البيت أن تراكم كما كبيرا من المعارف متعلقا بأي حقل من حقول الحياة والمعرفة. لذا؛ فمن غير المعقول أن يأتي المؤلف وزاده لا يتجاوز عدة مشاهدات لقصص سينمائية أو حكايات مسلسلات جماهيرية رائجة يشترك فيها الجميع، أو يأتي مزودا ببعض المطالعات لجبران وغادة السمان والمنفلوطي ثم يدعي أنه كاتب. وشخصيا أعتقد أنه لا بد من زاد معرفي في ميادين ثلاثة من أجل النجاح في كتابة الخيال العلمي: الفلسفة، والسياسة والإستراتيجيات، والتكنولوجيا الدقيقة”.
أما عن مستوى الكتابة في مجال الخيال العلمي في الوطن العربي، فيرى فيصل الأحمر أن هنالك قناعة كبيرة بأن الرعب على صلة مهتزة مع الخيال العلمي جعلت الكثيرين يخافون الخوض فيه، أو لا يشعرون بالراحة في كنفه، إذ يقول معللا “هنالك قناعة كبيرة لدى كثيرين بأن الرعب على صلة مهتزة مع الخيال العلمي، جعلتهم يخافونه، أو لا يشعرون بالراحة في كنفه”.
ويضيف “هذه المسألة تتطلب نقاشات واسعة في الحقيقة. ما يقف خلف الظاهرة، إن صحت، هو أمر يتعلق بما يُسمى بالتخطيط المجتمعي، والأطر الثقافية الموسعة، أي الأطر الحضارية وليست مسألة ذوق فني أو ميل أدبي”.
ويتابع الأحمر “سبق لي القول إنه بالنسبة إلى الخيال العلمي، هنالك كم لا يستهان به من الأعمال التي يمكننا أن نستشف منها ملمحا معينا. أقول هذا الكلام على بينة لأنها الفكرة التي لا مهرب منها بالنسبة إلى من يقرأ بتمعن كتابي الأخير في هذا الميدان ‘خرائط العوالم الممكنة’ دار فضاءات الأردن (2018)، وفيه نصوص ودراسات وشهادات لحوالي عشرين كاتبا من مختلف البلدان العربية”.
ويؤكد أن “إحدى الأفكار التي تنبعث بقوة من الكتاب هي الطريقة الجميلة في دخول الكتّاب العرب إلى ميدان الخيال العلمي الغربي (أو العالمي) دخولا مشبعا بالولع والحماس والتبني الحماسي للأشكال والأفكار، ثم انتقاؤهم لمجموعة من الثيمات والأشكال الكتابية دون غيرها، وفكرة أن الكاتب العربي طوع جنون الخيال العلمي لمتطلبات الذوق العربي، والثقافة العربية، والبعد الجمالي المتماشي مع مخرجات الثقافة والتاريخ العربيين الإسلاميين، وفي كل هذا تصرف حميد يدل على عبقرية معينة لا على عقدة طورها من يشعرون بالنقص إزاء أمر دخيل عليهم لا يرتاحون إليه”.
يُشار إلى أن فيصل الأحمر له في ميدان الخيال العلمي كتب ودراسات أكاديمية عديدة، ومشاركات في أنشطة منها ما هو عالمي (أستاذ زائر محاضر حول الخيال العلمي العربي بجامعة فيرجينيا /2015، تكريم خاص من اتحاد كتاب مصر لمشواره في الخيال العلمي/ 2017، ومشارك عربي حصري في المؤتمر العالمي يوروكون 2018 بفرنسا، ثم ضيف شرف في المؤتمر العالمي للخيال العلمي بشانغدو – الصين – 2023).
ومن أبرز إصداراته في هذا المجال “وقائع من العالم الآخر” (قصص منشورات إبداع الجزائر 2002)، و”مدارج التدبير ومعارج التفكير، دراسات في قضايا الخيال العلمي وفلسفته” عن دار سحر تونس (2017)، و”خرائط العوالم الممكنة” كتاب جماعي عن دار فضاءات الأردن (2018).