فيتو حزب الله يُفشل مساعي تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي

يتعامل حزب الله مع ملف الشغور المرتقب في حاكمية مصرف لبنان بنفس طريقة التعاطي مع ملف الشغور الرئاسي. ويرى مراقبون أن المزيد من تأزيم الوضع بفراغ في أعلى سلطة نقدية في البلاد قد يمثل ورقة لفرض الخيارات في أزمة الرئاسة.
بيروت - اقتربت ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من نهايتها، ما يقود إلى مشكلة دستورية وقانونية متّصلة بملء الشغور في هذا المنصب، في ظلّ فراغ رئاسي وصراع حول ميثاقيّة اجتماعات الحكومة التي يفترض أن تعيّن حاكماً جديداً. وتضاف إلى ذلك مواصفات المرشّح المقبل وأيّ دور يُراد له؛ فهل المطلوب حاكمٌ يحقّق استقلالية المصرف المركزي، أم آخر مطواعٌ للقوى السياسيّة الحاكمة؟
وأخفق مجلس الوزراء اللبناني الخميس خلال الاجتماع في الاتفاق على اختيار خليفة لحاكم المصرف المركزي رياض سلامة، مما يعني أن البنك قد يصبح بلا قيادة اعتبارا من الاثنين المقبل مع دخول البلاد العام الخامس من الاضطرابات المالية.
وتنتهي ولاية سلامة (72 عاما) الاثنين المقبل بعد 30 عاما قضاها في المنصب، في ظل اقتصاد منهار وفي وقت يواجه فيه تهمة اختلاس أموال عامة، وهو ما ينفيه. ويثير احتمال حدوث فراغ في رئاسة مصرف لبنان المخاوف من تعرض الدولة للمزيد من الانهيار، ويعكس انقسامات أوسع تركت منصب الرئيس شاغرا والبلد دون حكومة كاملة الصلاحيات لأكثر من عام.
◙ فراغ في رئاسة مصرف لبنان يعكس انقسامات أوسع تركت منصب الرئيس شاغرا والبلد دون حكومة كاملة الصلاحيات
وقاد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري جهودا لتعيين حاكم جديد، غير أن جماعة حزب الله وحليفها المسيحي التيار الوطني الحر رفضا هذه الخطوات وقالا إن حكومة تصريف الأعمال ليس لها الحق في اتخاذ هذه الخطوة. وألغيت جلسة مجلس الوزراء الخميس بعد دقائق من الموعد المحدد لبدئها نتيجة عدم اكتمال النصاب القانوني بحضور عدد كاف من الوزراء.
وكان مجلس الوزراء عقد 10 جلسات حكومية سابقة بعد الشغور الرئاسي، كان آخرها في 24 يوليو الحالي، بغياب عدد من الوزراء أغلبهم ينتمون إلى التيار الوطني الحرّ الذي يرأسه النائب جبران باسيل، لاعتراضهم على انعقاد جلسات مجلس الوزراء في ظل الشغور الرئاسي، من منطلق "دستوري وميثاقي".
وقال ميقاتي في بيان "كانت أمامنا فرصة لمعالجة مؤقتة لملف مرتبط بالوضعين المالي والنقدي، وآسف أن الحسابات السياسية للأطراف المعنية داخل الحكومة لها الأولوية على ما عداها، فليتحمل كل طرف المسؤولية عن قراره. سأستمر في القيام بواجبي الدستوري والوطني والعمل الجاد لسير عمل المؤسسات العامة وخاصة مصرف لبنان، من دون كلل".
وأضاف "الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان ودقة الوضعين المالي والنقدي تتطلبان من السادة الوزراء ومختلف القيادات السياسية المعنية أداءً استثنائياً لتلافي المزيد من التوترات وتبديد القلق العارم عند جميع اللبنانيين ومعالجة الأوضاع الملحة، والأهم الترفع عن المزايدات والتباهي بالتعطيل الذي لا يخدم أحداً من اللبنانيين إلى أي فئة انتموا، ويزيد من الشلل والتعطيل في المؤسسات".
وبموجب قانون النقد والتسليف اللبناني، يتولى أول نائب من بين أربعة نواب لحاكم المصرف المنصب حال شغوره. لكن الأربعة هددوا بالاستقالة إذا لم يُعين خليفة لسلامة، قائلين إن الأزمة تتطلب حاكما يتولى القيادة.
وقالت مصادر لبنانية إن حزب الله طلب من نائب حاكم مصرف لبنان الأول وسيم منصوري الاستقالة فوراً ما لم يتم تعيين حاكم جديد لاعتبارَين اثنين: إبعاد كرة النار التي يحملها رياض سلامة عنه، وتفادي مشكلة طائفية مع الأحزاب المسيحية والبطريركية المارونية، ولاسيما أن الموقع محسوب على الطائفة المارونية.
◙ حزب الله ينتهج نفس المقاربة في الملف الرئاسي مع أزمة فراغ حاكمية مصرف لبنان ولن يقبل أي تعيينات حكومية خارج اختياراته
وبحسب معلومات المصادر استدعى ميقاتي منصوري وسأله عمّا يمكن فعله في حال استقالة الحاكم أو انتهاء ولايته فأجاب منصوري باستحالة تغيير أيّ إجراء في السياسة النقدية لأسباب تتعلّق بشحّ الدولارات. وبالتالي فإن المسار الانحداري سيستمر ويصعب إيقافه من دون “تسوية” شاملة تعيد ضخّ الدولارات إلى البلد.
ويرى متابعون أن حزب الله ينتهج نفس المقاربة في الملف الرئاسي مع أزمة فراغ حاكمية مصرف لبنان وبالتالي لن يقبل أي تعيينات حكومية خارج اختياراته وإرادة حلفائه كالتيار الوطني الحر بقيادة جبران باسيل.
ويشير هؤلاء إلى أن مهمة تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي تصطدم بأصوات مسيحية ترفض أي تعيين قبل انتخاب رئيس للجمهورية؛ فتقليديّا الحاكم من حصّة رئاسة الجمهورية أو يأتي برضاها، وتكون للرئيس الحصّة الأكبر في تسميته. ومن المرجح أن يُستخدم هذا الشغور للمضي قدماً في انتخاب رئيس.
وأثّر اتهام سلامة في الداخل والخارج باختلاس أموال عامة على فترة ولايته الممتدة منذ 30 عاما. وينفي سلامة التهمة الموجهة إليه. وفقدت الليرة اللبنانية 98 في المئة من قيمتها في السوق الموازية منذ أن بدأ الاقتصاد رحلة انهياره في 2019، كما لم يعد باستطاعة معظم السكان الوصول إلى مدخراتهم في البنوك.
وجاء الانهيار بعد عقود من الفساد والإنفاق غير المحسوب من جانب النخب الحاكمة، وهو أمر يقول الكثير من اللبنانيين إن سلامة ساعد على تسهيل حدوثه. واعتبر بعض المحللين سياسته لإقراض الحكومة بمثابة “مخطط بونزي”.