فيتو أميركي يقصي رمطان العمامرة من ترؤس البعثة الأممية إلى ليبيا

أجهض الفيتو الأميركي على تعيين رمطان العمامرة مبعوثا أمميا إلى ليبيا رهانات الإسلاميين الموالين لحكومة الوفاق في طرابلس، بعد أن سارعت إلى مباركة ترشيحه علّها تستفيد من علاقته القديمة معهم. وبالرغم من عدم إفصاح واشنطن عن أسباب رفضها للعمامرة إلا أن مصادر دبلوماسية أشارت إلى أن تعيين الأخير يتعارض مع مبدأ الحياد.
نيويورك – بدأ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رحلة بحث جديدة عن مبعوث إلى ليبيا يخلف المبعوث الأممي المستقيل غسان سلامة بعد أن اصطدم ترشيح وزير الخارجية الجزائري الأسبق رمطان العمامرة بفيتو أميركي، فيما عاد وزير الخارجية التونسي السابق خميس الجهيناوي إلى الواجهة كمرشح محتمل لتولي المنصب.
وفيما لم تعلق البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة عن الأسباب التي دفعتها إلى الاعتراض على تعيين الدبلوماسي الجزائري، رجحت مصادر دبلوماسية أن فيتو الأميركي يأتي على خلفية قرب الأخير من موسكو وصلاته السابقة بالجماعات الإسلامية الموالية لحكومة الوفاق في طرابلس، ما يتعارض مع مبدأ الحياد.
وقبل شهر بدا تولّي وزير الخارجية الجزائري الأسبق (2013 – 2017) منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا أمرا شبه محسوم، غير أنّ الولايات المتّحدة طرحت مذاك “أسئلة” كثيرة بشأنه في وقت كان فيه “الجميع” راضين عن هذا الخيار.
ويرى مراقبون للشأن الليبي أن طموح العمامرة في تولي منصب المبعوث الأممي إلى ليبيا اصطدم بعدة عراقيل أهمها الاتهامات بانحيازه للإسلاميين ودعمه للميليشيات في ليبيا على حساب الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
ويشير هؤلاء إلى أن علاقة الأخير بتيار الإسلام السياسي التي وصلت إلى درجة استدعاء الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة ورئيس حزب الوطن حاليا عبدالحكيم بلحاج لحضور جولة من الحوار نظمتها الجزائر سنة 2014 بين الفرقاء الليبيين كانت من أهم العراقيل.
وكان بلحاج في سنوات التسعينات، عنصرا نشيطا في تنظيم الجماعة الليبية المقاتلة، التي كان بعض عناصرها في خندق واحد مع الإرهابيين الجزائريين.
واتسم الموقف الجزائري بشأن الأزمة الليبية وقتها بالمنحاز للميليشيات في طرابلس والداعم بشكل غير مباشر للانقلاب الذي نفذه الإسلاميون على نتائج الانتخابات التشريعية التي أزاحتهم من السلطة والذي عرف بـ”انقلاب فجر ليبيا”.
ولقي خبر ترشيح العمامرة ردود أفعال ليبية متضاربة في حين سارعت وسائل الإعلام المحسوبة على الإسلاميين بنشر الخبر حتى قبل تأكيده، فيما أعلنت شخصيات موالية للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر رفضها له.
وأعلن غسان سلامة الذي شغل منصب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا منذ يونيو 2017، استقالته “لأسباب صحية” في 2 مارس، في الوقت الذي وصلت فيه العملية السياسية في هذا البلد الجار للجزائر إلى طريق مسدود. وخلال نحو ثلاث سنوات حاول سلامة، دون تحقيق أي تقدم، إقناع الأطراف الليبية بتوحيد مؤسسات الدولة وتنظيم انتخابات لإنهاء الاقتتال في البلاد.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي في 2011 تشهد ليبيا حالة من الفوضى. ومنذ 2015 تتنازع سلطتان الحكم: حكومة الوفاق ومقرّها طرابلس (غرب) وحكومة مؤقتة يدعمها الجيش الوطني الليبي في الشرق.
ومع استبعاد العمامرة، عاد وزير الخارجية التونسي السابق خميس الجهيناوي للواجهة كمرشح محتمل لخلافة غسان سلامة، فيما يشير متابعون إلى أن ترشيح الجهيناوي يصب لصالح إشارات أطلقها الرئيس التونسي قيس سعيّد لمساعي بلاده في التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية.
وكان ممثلون عن المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، فوضوا الرئيس التونسي بعد لقاء جمعهم به، بالتدخل العاجل لحقن الدماء وحل الأزمة الليبية، وأصدروا إعلان تونس للسلام الذي يضم أربعة مبادئ أساسية تمثل منطلقا لمبادرة حل الأزمة الليبية.
والجهيناوي دبلوماسي مخضرم عمل سفيرا في عدد من العواصم المهمة قبل أن يصبح مستشارا سياسيا للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي ثم وزيرا للخارجية.
واستفاد من عمله كوزير للخارجية طيلة سنوات للتعمق في الملف الليبي، حيث شهدت تونس في تلك الفترة حراكا ليبيا مكثفا باستضافة الفرقاء الليبيين لجولات من الحوار الداعمة والمكملة لحوار الصخيرات في المغرب. كما شهد الجهيناوي على مبادرة الرئيس قايد السبسي لحل الأزمة الليبية.
والتقى الجهيناوي في إطار السعي لإنجاح المبادرة العديد من الشخصيات والأطراف الليبية الفاعلة، ما ساعده على بناء علاقات مع طرفي النزاع ومكّنه من الاطّلاع على تفاصيل الأزمة كما هي بعيدا عن سياسة الانحياز والاصطفاف.
واتخذت الدبلوماسية التونسية خلال عهد الجهيناوي موقفا براغماتيا محايدا مما يجري في ليبيا واختارت الانفتاح على كل الأطراف في خطوة تهدف للحفاظ على مصالح تونس التي تتركز أغلبها مع المنطقة الغربية (إقليم طرابلس) التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة الموالية لتيار الإسلام السياسي.
وزار الجهيناوي كلاّ من طرابلس وبنغازي وأجرى لقاءات مع القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج.