فيتو أمني يعرقل الإفراج عن قيادات إخوانية في مصر

القاهرة - أعلنت لجنة العفو الرئاسية المسؤولة عن إعداد قوائم بالإفراج عن محبوسين في مصر، إخلاء سبيل قائمة ثانية من المعتقلين تضم ستة من الشباب، وسيتم الخميس صدور قائمة أخرى من إجمالي نحو ألف اسم قامت اللجنة بفحصهم وانطبقت عليهم شروط الإفراج عنهم من خلال قوائم متتابعة بعد استطلاع رأي جهات أمنية.
وأكد عضو لجنة العفو الرئاسي كمال أبوعيطة في تصريحات إعلامية الأحد أن القيادي الإخواني والمرشح الرئاسي السابق عبدالمنعم أبوالفتوح أدرج اسمه ضمن القوائم، لافتا إلى أن اللجنة تتلقى أسماء العفو كافة، بغض النظر عن آراء البعض فيها، في إشارة ضمنية إلى نفي وجود شبهة سياسية لوجود اسمه وآخرين من المحسوبين على جماعة الإخوان.
وقضت محكمة جنايات القاهرة المختصة بقضايا الإرهاب الأحد بحبس أبوالفتوح بالسجن المشدد خمسة عشر عاما ووضع اسمه على لائحة الإرهاب المصرية، وحكمت بالسجن بمدد طويلة أيضا على عدد من الأعضاء القياديين في جماعة الإخوان عقب اتهامهم بنشر أخبار كاذبة والتآمر لتغيير نظام الحكم بالقوة.
ووضعت لجنة العفو جملة من الضوابط للإفراج عن المحبوسين من تيارات سياسية متباينة وشرائح اجتماعية مختلفة، في مقدمتها عدم المشاركة في أعمال عنف وإرهاب، وعدم وجود تهديدات يمثلها أيا منهم على الأمن القومي للبلاد.
على الرغم من تآكل الهيكل الرئيسي للجماعة وعدم وجود تهديدات حقيقية يمثلها الإخوان على الدولة المصرية، غير أن فكرة الحوار معها غير مطروحة حاليا
وعلمت “العرب” أن الأجهزة الأمنية ترفض الإفراج عن أي من قيادات الإخوان المعروف أنها تحتل الصفوف الأولى داخل الجماعة، لأن المسألة تخضع لضوابط صارمة وكي لا يفهم خطأ أن خروج قيادة مثل أبوالفتوح ينطوي على مصالحة.
ويقطع حكم محكمة الجنايات بمعاقبة أبوالفتوح خمسة عشر عاما الطريق على إمكانية الإفراج عنه قريبا، فوضعُ اسمه على قوائم لجنة العفو لا يعني الإفراج عنه، فالقرار النهائي في يد جهات رسمية تحدد من يحق له الاستفادة من العفو الرئاسي من عدمه وفقا لحسابات سياسية وأمنية وإنسانية.
ويبدو أن الحزم المتوقعة من الإفراجات على الشباب والنشطاء والسياسيين ومن اتهموا في قضايا لها علاقة بإبداء الرأي والحريات لن تكون بها مشكلة كبيرة، حيث تبدي الأجهزة الأمنية مرونة معها، لأنها تعزز دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للحوار الوطني الشامل وتمنح الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان مصداقية.
وقال مراقبون إن العقبة سوف تظل في وضع أسماء إخوانية ضمن القوائم المطلوب الإفراج عنها، باعتبار أن النظام المصري غير مهيأ للإقدام على خطوة كهذه في الوقت الراهن، ومهما بلغت الجدية في الحوار وحسن النية والحديث عن عدم استثناء أي من القوى السياسية للمشاركة فيه ستبقى عقدة الإخوان في الوجدان العام.
وأضاف المراقبون أن إدراج أسماء إخوانية من الصف الأول يحتاج إلى إرادة سياسية وتهيئة الأجواء العامة، فبعد نحو تسع سنوات من المواجهات الأمنية يصعب محو تأثيراتها السياسية والاجتماعية بسهولة، وتحويل صقور الجماعة إلى حمائم.
ومن المتوقع اختيار مجموعة من الأسماء القريبة من جماعة الإخوان تنتسب إلى الصف الثاني والثالث ممن لم تتورط مباشرة في أعمال عنف أو تحرض على الإرهاب كنوع من جس النبض لتبني خطوة تشمل قيادات من الصف الأول في مرحلة لاحقة.
وكذبت تصرفات النظام المصري الكثير من الأحاديث المتناثرة من قبل قيادات إخوانية بشأن إجراء مصالحة سياسية في المدى المنظور، وكشف عدم التجاوب الرسمي مع تصريحات متعددة للقيادي الإخوان يوسف ندا ألمح فيها إلى مصالحة مع القاهرة وأن الحوار مفتوح مع أعلى هرم في السلطة، أن هذه الخطوة مؤجلة حتى إشعار آخر.
من المتوقع اختيار مجموعة تنتسب إلى الصف الثاني والثالث كجس النبض لتبني خطوة تشمل قيادات الصف الأول بعد
وقد يحتاج الأمر إلى وقت طويل لالتئام الجروح وتجاوز المطبات التي وضعها الصدام الممتد بين الجماعة والنظام وشريحة كبيرة من الشعب المصري.
وعلى الرغم من تآكل الهيكل الرئيسي للجماعة وعدم وجود تهديدات حقيقية يمثلها الإخوان على الدولة المصرية، غير أن فكرة الحوار معها غير مطروحة حاليا، خاصة مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية، حيث يمكن فهم المصالحة على أنها تعدّ رضوخا لما تمثله المشكلات الراهنة من ضغوط سياسية واجتماعية على القاهرة، وحاجتها إلى وقف التصعيد السياسي والإعلامي لأبواق الجماعة تماما.
ويمكن أن تكون فكرة الحوار الوطني، إذا نجحت فعالياتها، قاطرة تمهد لتضييق حلقات التضييق على جماعة الإخوان في المرحلة المقبلة، وربما تتخذ لجنة العفو وسيلة لتمرير قوائم تسمح بخروج بعض المنتمين للإخوان ممن لم يتورطوا في أعمال عنف أو لهم علاقة مباشرة بالجناح العسكري للجماعة، وقد لا يكون من بينهم أبوالفتوح.
وتكمن أزمة أبوالفتوح في طموحه السياسي الكبير، وأن الإعفاء عنه في هذه الظروف التي حكم فيها القضاء عليه بالسجن 15 عاما يعزز شعبيته خارج صفوف الجماعة، لأنه غير موثوق فيه سياسيا من قياداتها، وهو ما يمنحه انتشارا خارجها.
ويواجه النظام المصري موقفا حرجا حول مصير الأحكام المشددة التي صدرت بحق قيادات إخوان، ناهيك عن إعدامات لم تنفذ في عدد كبير منهم، وهي إشارة يتخذها البعض ذريعة للحديث عن ليونة قد تظهر في مرحلة لاحقة وتصبح لجنة العفو رأس الحربة فيها وتلعب دورا محوريا لحل إشكالية صدور أحكام بالإعدام منزوعة الدسم.
ولذلك سوف يظل الفيتو بشأن الإفراج عن قيادات إخوانية مستمرا لحين تقطع لجنة العفو شوطا في الإفراج عن شخصيات مدنية ، ويتم قياس النتيجة التي تمخضت عنها وما إذا كان الفضاء العام مهيأ للانفتاح على الجماعة أم لا، وهي النتيجة التي تترقبها جهات خارجية كمقياس على مدى التغير الحاصل في مصر بعد ثورة يونيو 2013.
وإذا كانت مصر تقاربت سياسيا مع كل من تركيا وقطر لن تكون هناك معضلة كبيرة في التقارب مع من كانوا سببا في أزمتهما مع القاهرة بعد تفكيك الكثير من الأسباب التي قادت إليها وأفضت إلى حالة صراع ظهرت عليها العلاقة بين الدول الثلاث.