فيتنام مقاول من الباطن لتجارة الصين مع الولايات المتحدة

حرب الرسوم الجمركية وتوسيع الحظر يفاقمان الاختلالات في الواردات والصادرات ويزيدان التكاليف.
الجمعة 2024/05/17
كل الأعمال على المكشوف

يكشف تحليل البيانات التجارية بين واشنطن وبكين اللتين تخوضان معركة رسوم جمركية منذ سنوات أن فيتنام تعمل بشكل غير مباشر لتحريك الصادرات الصينية نحو أسواق أكبر اقتصاد في العالم، الأمر الذي قد يفقدها مزايا في حال تم فرض عقوبات عليها.

هانوي- تظهر المؤشرات أنه في الوقت الذي كثفت فيه الولايات المتحدة جهودها لتقليص التجارة مع الصين من خلال زيادة الرسوم الجمركية، عززت بشكل كبير الواردات من فيتنام التي تعتمد على المدخلات الصينية في معظم صادراتها.

وتسببت التجارة في توسيع الاختلالات بشكل كبير، حيث سجلت الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا العام الماضي فائضا مع واشنطن يقترب من 105 مليارات دولار.

ويشكل هذا الرقم زيادة بـ2.5 مرة عما كان عليه في عام 2018 عندما فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لأول مرة تعريفات جمركية ثقيلة على البضائع الصينية.

وتمتلك فيتنام الآن رابع أعلى فائض تجاري مع الولايات المتحدة، وهو أقل فقط من الصين والمكسيك والاتحاد الأوروبي.

وتنبثق هذه العلاقة المتزايدة من بيانات التجارة والجمارك والاستثمار التي حصلت عليها رويترز من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفيتنام والصين، وتؤكدها التقديرات الأولية من البنك الدولي وستة من الاقتصاديين وخبراء سلاسل التوريد.

دارين تاي: واشنطن ترى أنها محاولة صينية لتجنب الرسوم الإضافية
دارين تاي: واشنطن ترى أنها محاولة صينية لتجنب الرسوم الإضافية

وتؤكد الإحصائيات أن ازدهار الصادرات في فيتنام كان يتغذى على الواردات من الصين، حيث كانت التدفقات تكاد تتطابق مع قيمة وتقلبات الصادرات إلى الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.

وفي تقديرات أولية تمت مشاركتها مع رويترز، يعتقد البنك الدولي أن هناك ارتباطًا بنسبة 96 في المئة بين التدفقين، ارتفاعًا من 84 في المئة قبل رئاسة ترامب.

وقال دارين تاي، كبير الاقتصاديين في شركة الأبحاث بي.أم.آي، إن “الزيادة في الواردات الصينية التي تزامنت مع زيادة الصادرات الفيتنامية إلى الولايات المتحدة قد تنظر إليها واشنطن على أنها محاولة من بكين لتجنب الرسوم الجمركية الإضافية على بضائعها”.

وأشار إلى أن ذلك قد يؤدي إلى فرض رسوم جمركية على فيتنام بعد الانتخابات الأميركية المقررة في وقت لاحق هذا العام.

ويأتي الخلل التجاري المتزايد في الوقت الذي تسعى فيه فيتنام للحصول على وضع اقتصاد السوق في الولايات المتحدة بعد أن دفع الرئيس جو بايدن إلى رفع العلاقات الدبلوماسية مع خصمها السابق.

وتخطت الواردات الأميركية من فيتنام 114 مليار دولار العام الماضي، أي أكثر من ضعف ما كانت عليه في 2018 عندما بدأت الحرب التجارية بين أقوى قوتين اقتصاديتين في العالم.

وعزز هذا الوضع جاذبية فيتنام بين المصنعين والتجار الذين سعوا إلى تقليل المخاطر المرتبطة بالصين.

وتظهر بيانات التجارة الأميركية أن هذه الزيادة تمثل أكثر من نصف الانخفاض البالغ 110 مليارات دولار منذ 2018 في الواردات من الصين.

وقال نجوين هونغ، المتخصص في سلاسل التوريد بجامعة آر.أم.آي.تي في فيتنام، إنه في الصناعات الرئيسية مثل المنسوجات والمعدات الكهربائية “استحوذت فيتنام على أكثر من 60 في المئة من خسائر الصين”.

لكن المدخلات الصينية تظل حاسمة، لأن معظم ما تصدره فيتنام إلى واشنطن مصنوع من أجزاء ومكونات منتجة في الصين، كما تظهر البيانات.

وشكلت المكونات المستوردة في عام 2022 حوالي 80 في المئة من قيمة صادرات فيتنام من الإلكترونيات، الاستيراد الرئيسي للولايات المتحدة من هانوي، وفقًا لبيانات بنك التنمية الآسيوي.

ويأتي ثلث واردات فيتنام من الصين، ومعظمها من الإلكترونيات والمكونات، وفقا لبيانات فيتنام التي لم تقدم المزيد من التفاصيل.

وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير إن حوالي 90 في المئة من السلع الوسيطة التي استوردتها صناعات الإلكترونيات والنسيج في فيتنام في عام 2020 “تجسدت في الصادرات”.

وأشارت المنظمة إلى أن هذا أعلى مما كان عليه قبل عقد من الزمن وأعلى بكثير من المتوسط في الدول الصناعية.

وتنعكس العلاقة التكافلية على أحدث البيانات؛ ففي الربع الأول من هذا العام بلغت واردات الولايات المتحدة من فيتنام 29 مليار دولار، في حين بلغ إجمالي واردات فيتنام من الصين 30.5 مليار دولار، وهو ما يعكس تدفقات مماثلة في الأرباع والسنوات الماضية.

ومع بقاء التضخم مرتفعا ظل البيت الأبيض هادئا بشأن الفائض التجاري الكبير لفيتنام، لكن هذا قد يتغير بعد انتخابات نوفمبر، كما يقول المحللون.

وقال نغوين با هونغ، كبير الاقتصاديين في بعثة بنك التنمية الآسيوي في فيتنام، إن “السيناريو المحتمل هو أنه بعد الانتخابات، أيّا كان الفائز قد يغير السياسة تجاه فيتنام”، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه أن يرفع تكاليف الواردات الأميركية.

نجوين هونغ: فرض حظر على فيتنام سيرفع تكاليف الواردات الأميركية
نجوين هونغ: فرض حظر على فيتنام سيرفع تكاليف الواردات الأميركية

ويعكس تنامي التجارة ارتفاع الاستثمارات في مركز التصنيع بجنوب شرق آسيا، حيث تنقل الشركات بعض أنشطتها من الصين.

والكثير من هذه الشركات المصنعة هي شركات صينية تضيف قيمة إلى مصانعها الجديدة في شمال فيتنام، ولكنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على سلاسل التوريد من وطنها.

ومع ذلك فإن في بعض الحالات تتضمن التجارة منتجات تامة الصنع تحمل علامة “صنع في فيتنام” رغم عدم إضافة أي قيمة إليها في البلاد، بحسب ما خلصت إليه وزارة التجارة الأميركية في تحقيق بشأن الألواح الشمسية العام الماضي.

ويجري الآن تحقيق منفصل بشأن كابلات الألمنيوم وتحقيق ثان بشأن الألواح الشمسية المدعومة بشكل غير عادل.

وثمة سبب آخر وراء خضوع فيتنام للتدقيق الأميركي، هو تعرضها لمنطقة شينجيانغ الصينية التي تحظر الولايات المتحدة الواردات منها بسبب اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان ضد أقلية الأويغور.

وتعد شينجيانغ مصدر الصين الرئيسي للقطن والبولي سيليكون المستخدم في الألواح الشمسية. وكلاهما أساسيان للصناعة الفيتنامية، التي شكلت صادراتها من الملابس القطنية والألواح الشمسية حوالي 9 في المئة من صادراتها إلى الولايات المتحدة العام الماضي.

وفيتنام هي الدولة التي لديها أكبر حجم من الشحنات من حيث القيمة، التي تم رفض دخولها إلى الولايات المتحدة بسبب مخاطر العمل القسري للأويغور، وفقًا لبيانات الجمارك الأميركية.

وانخفضت واردات فيتنام من القطن الخام من الصين بنسبة 11 في المئة العام الماضي إلى 214 ألف طن، لكنها كانت ضعف ما كانت عليه في عام 2018 تقريبا.

كما صدرت الصين إلى فيتنام ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار من الملابس القطنية، ارتفاعًا من 1.3 مليار دولار في عام 2022.

وفي الوقت نفسه انخفضت واردات الولايات المتحدة من الملابس القطنية من فيتنام بنسبة 25 في المئة إلى 5.3 مليار دولار في العام الماضي، وفقا للبيانات.

ويعتقد نجوين أن الانخفاض في الواردات الأميركية جاء مع تجاوز فيتنام العام الماضي للصين باعتبارها المصدر الرئيسي للمنتجات التي يغطيها حظر شينجيانغ.

11