فيتش تحذر من مخاطر إمعان تونس في الاقتراض من بنوكها

يبدو أن الأزمة المالية في تونس تحاصر القطاع المصرفي بشكل أكبر، إذ عكست التقييمات الحديثة الصادرة عن وكالة فيتش بشأن البنوك المحلية حجم المتاهة التي دخلت فيها بسبب إمعان الدولة في الاقتراض منها، بالتزامن مع ترجيح تعرضها لمشاكل قد تمس من أصولها.
تونس - حملت تحذيرات وكالة فيتش للتصنيف الائتماني لتونس من أن الاستمرار في الاعتماد الكبير على البنوك لتلبية احتياجات التمويل يمكن أن يشكل مخاطر على الاقتصاد، إشارة إلى أن السلطات عليها ضبط التزاماتها لتفادي خروج الوضع عن السيطرة.
ورأى خبراء الوكالة في تقرير نشر مؤخرا أن هذه الوضعية قد تزيد الضغط على السيولة لدى القطاع المصرفي، وتزيد المخاطر على الملاءة المالية للبنوك في حالة التخلف عن سداد الديون السيادية.
والديون السيادية التي تحتفظ بها البنوك التونسية كلها بالعملة المحلية، وفي سيناريو افتراضي للتخلف عن السداد يمكن أن تؤدي إعادة هيكلة القروض إلى إضعاف رسملة البنوك بشكل كبير.
وتقول أوساط اقتصادية تونسية إن اعتماد الحكومة بشدة على القروض الداخلية لسداد ديونها الخارجية أدى إلى خفض السيولة إلى حد بعيد وساهم في تقليص تمويل البنوك للاقتصاد.
وتأتي التحذيرات رغم أن فيتش تعتقد أن البنوك التونسية تبدو قادرة على الاستمرار في المساعدة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للبلاد في العام الحالي.
وأشارت الوكالة إلى أن القطاع المصرفي التونسي يتمتع بالسيولة الكافية في ظل نمو الودائع وانخفاض الطلب على الائتمان، لكنها أكدت أن الاعتماد عليه سيزيد احتمالات تعرضه للديون السيادية بعد تراجعها في العام الماضي.
وتشهد تونس أزمة اقتصادية ناجمة عن ارتفاع كلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، وأدت في فترة من الفترات إلى نقص في بعض المنتجات مثل السكر والحليب والأرز وغيرها.
وفتحت تونس باب الاقتراض من السوق المحلية قبل أربع سنوات في ظل الصعوبات التي تواجهها فيما يخص الموارد الخارجية بعد خفض التصنيف الائتماني السيادي للدولة.
واتبعت الدولة نهجا موازيا لسندات وأذون الخزانة، للاقتراض من السوق الداخلية بهدف تمويل الميزانية، وبما يسهل على الأطراف التي لا تستطيع الوصول إلى سندات الخزانة فرصا للاكتتاب، ومن بينها الأفراد.
وجاء اعتماد الحكومة بشكل متزايد على القطاع المالي المحلي، لاسيما البنوك، لتمويل عجز الميزانية نظرا لتعثر الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على مبلغ بقيمة 1.9 مليار دولار، وندرة مصادر التمويلات الخارجية الأخرى.
وتتوقع ميزانية العام الجاري زيادة احتياجات التمويل الإجمالية 20 في المئة بمقارنة سنوية، لتصل إلى 28.7 مليار دينار (9.3 مليار دولار)، سيجري اقتراض 40 في المئة منها من مصادر محلية والباقي من الخارج.
واقترضت الحكومة خلال فبراير الماضي مليار دينار (قرابة 330 مليون دولار) من السوق المالية الداخلية متجاوزة القيمة المستهدفة والبالغة 241.9 مليون دولار في علاقة بالشريحة الأولى من برنامج للاكتتاب في قروض لسنة 2024.
وفي تحرك نادر لجأت الحكومة إلى البنك المركزي لاقتراض مبلغ 2.25 مليار دولار سيتم سداده على مدة تصل إلى عشر سنوات بفائدة صفرية، حيث قامت الحكومة بسداد سندات بقيمة 274 مليون دولار.
وتتوقع فيتش أن تصل احتياجات تونس التمويلية إلى نحو 16 في المئة أو أكثر من الناتج المحلي الإجمالي سنويا في 2024 و2025، مسجلة واحدة من أعلى النسب بين الدول ذات التصنيف سي.سي.سي+ أو أقل.
وشكك خبراء الوكالة في قدرة الحكومة على جمع أكثر من 2.5 مليار دولار من المصادر الخارجية في 2024 وهو ما يعادل نصف التمويلات الخارجية المخطط لها.
واستنادا إلى هذا السيناريو لا تضع فيتش في اعتبارها أي صفقة مع صندوق النقد قبل الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية هذا العام.
وينشط في البلاد حوالي 43 بنكا، تنقسم بين 23 بنكا مقيما، تتضمن مؤسسات حكومية وخاصة، وسبعة بنوك غير مقيمة و8 مؤسسات للإيجار المالي وبنكي أعمال وشركتين للدفع ومؤسستين لإدارة الديون.
وتشير التقديرات إلى أن إجمالي أصول هذه المؤسسات البنكية يبلغ قرابة 50 مليار دولار، حيث تستحوذ البنوك المقيمة على 92.7 في المئة من هذه الأصول.
◙ 50 مليار دولار حجم أصول 43 بنكا وتستحوذ البنوك المقيمة على 92.7 في المئة منها
وتعادل حصة البنوك الحكومية من إجمالي الديون المصنفة للقطاع 46.5 في المئة، بينما لا تتجاوز نسبة تغطيتها من الودائع 69.2 في المئة، في حين تصل نسبة تغطية الديون المصنفة للبنوك الخاصة إلى 72.5 في المئة.
وبحسب بيانات البنك المركزي فإن مديونية الحكومة والمؤسسات العمومية للبنوك المحلية بلغت 10.77 مليار دولار مع نهاية الربع الثالث من عام 2023، أي ما يعادل 21 في المئة من أصول القطاع المصرفي.
وحذر البنك في نوفمبر الماضي من ثلاثة مخاطر تهدد القطاع المالي، وهي تقلص السيولة بالدينار وبالعملة الأجنبية مع الضغط الحاد على البنوك الحكومية.
ويتمثل الخطر الثاني في انتقال الضغوط إلى مكونات أخرى مثل التأمين، إضافة إلى خطر تدهور الثقة في القطاع المالي وخطر انتقال مشاكل القطاع الحقيقي إليه.
وسيتعين على تونس جمع ما يقرب من 70 في المئة من إجمالي احتياجات التمويل للعام الجاري من خلال مصادر محلية بما يشمل البنوك التجارية والبنك المركزي.
ومن المتوقع أن يصل الدين العام المتراكم عام 2024 إلى نحو 140 مليار دينار (45.17 مليار دولار)، أي حوالي 79.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 40.96 مليار دولار قبل عام.
وتهدف الحكومة إلى خفض العجز المالي من خلال فرض ضرائب إضافية على القطاع المصرفي والفنادق والمطاعم والمقاهي السياحية وشركات المشروبات الكحولية.
وتسعى تونس إلى تقليص العجز خلال ثلاث سنوات من نحو 7.7 في المئة العام الماضي إلى 6.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ثم 3.9 في المئة بحلول نهاية عام 2025.
وتشير الإحصائيات إلى ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي للبلاد إلى 9.1 مليار دولار في نهاية 2023 من نحو 7.8 مليار دولار قبل عام بفضل عائدات السياحة وزيادة تحويلات المغتربين وارتفاع صادرات زيت الزيتون.