فوضى عارمة تجتاح الأحزاب السنية العراقية في الوقت الخطأ

بغداد - تجتاح المعسكر السياسي السنّي العراقي بأحزابه وكتله حالة من الفوضى في وقت تستعد فيه لخوض الانتخابات المحلّية التي لم يبق سوى أسبوع واحد على موعد إجرائها في الثامن عشر من الشهر الحالي.
وبالتوازي مع تنافس انتخابي خارج في أغلبه عن الضوابط ومتجاوز على أخلاقيات العمل السياسي، جاءت عملية استبعاد محمّد الحلبوسي الذي يعتبر أحد أبرز الوجوه السياسية السنية العراقية من رئاسة البرلمان، لتشعل صراعا سنيا – سنيا على المنصب بالإضافة إلى محاولات لاستبعاد حزب “تقدم” الذي يترأسه من السباق الانتخابي بما له من نفوذ وثقل جماهيري في عدد من المحافظات السنية على رأسها محافظة الأنبار.
ورغم قصر المدّة الزمنية المتبقية عن موعد الانتخابات لا تزال الكتل والأحزاب السنية المرشّحة للمشاركة فيها تشهد موجة من الانسحابات، في ظل فوضى في إدارة الحملات الانتخابية تجلّت في تخريب اللافتات الدعائية وإفساد التجمعات باستخدام العنف، على غرار ما حدث في تجمّع لتحالف انتخابي لخميس الخنجر زعيم حزب المشروع الوطني.
وأظهرت مقاطع مصوّرة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي تبادلا للعنف واشتباكات بالأيدي وتراشقا بالكراسي وقناني المياه بين مرشحين والجمهور الحاضر للتجمّع الذي انتظم في بغداد.
وبقدر ما تساهم الصراعات في إضعاف السياسيين السنّة وتقليل تأثيرهم في السياسة العراقية، فإنّها تخدم منافسيهم الشيعة المتحكّمين أصلا في أهم مفاصل الحكم في البلاد.
وتتيح الانتخابات المحلية فرصة سانحة للقوى والشخصيات السنية للتحكّم في المشهد السياسي والاقتصادي والأمني في محافظاتها من خلال فوزها بتشكيل الحكومات المحلية التي يمنحها الدستور العراقي صلاحيات واسعة.
إلاّ أنّ الصراعات البينية داخل العائلة السياسية السنية الموسّعة تهدّد بإهدار تلك الفرصة وتفتح الباب لقوى شيعية من خارج المحافظات السنية لاختراق حكومات تلك المحافظات عبر مرشحين سنّة موالين لها ويفتقدون للقوة اللازمة بفعل خلافاتهم مع أبناء جلدتهم، ما يجعلهم طيعين أمام ما يمارس عليهم من ضغوط وما يطلب منهم من خدمات على غرار الحفاظ على المكاتب الاقتصادية التي فتحتها عدّة ميليشيات شيعية داخل محافظات سنية وتستخدمها في التحكّم بجزء من الحركة الاقتصادية والتجارية هناك.
وأدى تصاعد تلك الخلافات، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى سلسلة من الانسحابات طالت العديد من القوى السنية المرشّحة للانتخابات، حيث أعلن المرشح محمد خليل الجميلي انسحابه من تحالف الأنبار المتحد، قائلا في منشور في فيسبوك “لا يخفى على الجميع ما مرت به محافظة الأنبار من ظروف صعبة في السنوات السابقة جعلتنا نعيد حساباتنا مع من نقف ومع من نصطف”.
وأضاف “في هذه الأيام الحرجة التي تشهدها المحافظة لتحديد مصيرها ومستقبل أبنائها في اختيار من يمثلهم ويوصلهم إلى بر الأمان، أعلن انسحابي من خوض انتخابات مجالس المحافظات ومن تحالف الأنبار المتحد.. تاركا لهم اختيار من يرونه مناسبا ليحفظ للأنبار هيبتها وكرامتها ومن يرونه أقرب إلى الفوز”.
رغم قصر المدّة الزمنية المتبقية عن موعد الانتخابات لا تزال الكتل والأحزاب السنية المرشّحة للمشاركة فيها تشهد موجة من الانسحابات
كذلك أعلنت المرشحة سحر المرعاوي انسحابها من نفس التحالف قائلة عبر منصة إكس “أعلن انسحابي من تحالف الأنبار المتحد ومن سباق الانتخابات وذلك لمصلحة محافظتنا”.
ولا تقتصر فوضى الكتل السنية فقط على انسحاب أعضائها بل تمتد أيضا إلى انضمامهم إلى كتل وأحزاب منافسة. وهي ظاهرة برزت قبل أشهر على موعد الانتخابات المحلية، إذ سبق لكل من سعد منسي الفهداوي وياسر الذيابي وعبدالله الجغيفي أن أعلنوا انسحابهم من تحالف الأنبار الموحد والترشح ضمن قائمة الأنبار هويتنا المقربة من الحلبوسي عندما كان لا يزال في أوج قوّته السياسية.
وتعتبر محافظة الأنبار الأكثر تأثرا بالصراعات السياسية إذ إنّها تمثّل معقل الحلبوسي وحزبه الذي كان يعتبر أبرز المرشّحين للفوز في الانتخابات المحلية بما له من نفوذ وتأثير في المحافظة.
وبعد إزاحته من مجلس النواب لا يزال الحلبوسي يصرّ على مشاركة حزبه في الانتخابات. وقال خلال تنشيطه تجمّعا انتخابيا في مدينة الفلّوجة إنّ حزب تقدّم سيتخطّى التحديات التي يواجهها ليثبت أنّه مشروع في خدمة المحافظات السنية.
ويعتبر استبعاد الحلبوسي من رئاسة البرلمان بما للمنصب من أهمية سياسية من أبرز الأسباب التي زرعت المزيد من الخلافات في صفوف السياسيين العراقيين السنّة.
اقرأ أيضا:
وقال النائب بالبرلمان العراقي ماجد شنكالي إنّ منصب رئيس مجلس النواب هو استحقاق للسنة، لكنّ هناك خلافا بين السنة أنفسهم حول تسمية من سيخلف الحلبوسي في رئاسة المجلس.
وأضاف متحدّثا لموقع كردستان “أربع وعشرون” الإخباري “توجد خلافات بين مكونات العراق السياسية إلا أن الخلافات بين السنة هي الأسوأ”، موضحا أن “مسألة اختيار رئيس جديد لمجلس النواب العراقي عززت تلك الخلافات وسلطت الضوء عليها أكثر”. كما وصف شنكالي وضع السنة في العراق بـ”السيء جدا”.
وإزاء حالة الارتباك غير المسبوقة التي يعرفها المشهد السياسي السنّي في العراق، دعا رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي السياسيين السنة إلى الاتصاف بالحكمة وتقديم مصلحة المكوّن وقضاياه الأساسية.
وقال في تجمّع انتخابي بالفلّوجة إنّه لن يدخل بأي سجال ولن ينجّر “إلى أي نوع من أنواع المناكفات السياسية”.
ويعتبر هذا الخطاب جزءا من الدعاية الانتخابية للسامرائي الذي يعتبر أحد أكبر الفاعلين في الصراعات السياسية السنية – السنية، حيث سبق له أن عمل على إزاحة خميس الخنجر من رئاسة تحالف العزم وفقا لما أعلنه السياسي السنّي مشعان الجبوري، كما أنّه على رأس المتهمين بالمشاركة في إزاحة الحلبوسي ليصبح بذلك أبرز المرشّحين للحلول محلّه في رئاسة مجلس النواب.