فوضى الضيوف غير المتخصصين تغزو الفضائيات المصرية

محاولات لتعميم مبادئ انتقاء الضيوف في القنوات تواجَه بممانعات.
الخميس 2024/08/22
بانتظار الخبير

يتزايد اعتماد القنوات الفضائية المصرية على أشخاص مغمورين وتقديمهم إلى الجمهور على أنهم خبراء، وبعضهم يخوض في كل الملفات دون أن يتمتع بالحد الأدنى من العمق في القضية محل النقاش، وهي ظاهرة باتت تستحق الوقوف عندها.

القاهرة - عكس اتجاه مجلس تنظيم الإعلام في مصر إلى إصدار كود خاص بظهور الضيوف في البرامج التلفزيونية حجم الفوضى، واعتماد الكثير من المنابر على شخصيات ليست متخصصة في مجالات محددة، ما يحمل تضليلا للمشاهدين، وربما يقود إلى أزمات في قضايا حيوية ترتبط بصميم اهتمامات الجمهور.

وأعلن رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام كرم جبر الثلاثاء عن الاتجاه نحو إصدار كود لضبط ظهور غير المتخصصين في الإعلام، وملاحقة كل من يخالف ذلك قانونا، من أجل ضبط المشهد الإعلامي، شريطة موافقة أصحاب القنوات الفضائية على هذه المبادئ والعمل على تنفيذها لضبط الأداء بشكل مهني.

جاء ذلك ضمن اجتماعات مكثفة عقدها مجلس الإعلام للبحث عن آليات توقف ما يوصف بـ”فوضى البرامج التلفزيونية”، وتطرقت الاجتماعات إلى خطورة نشر آراء تسهم في تضليل المشاهد بالسماح لبعض القنوات باستضافة شخصيات دون التأكد من مؤهلاتها للخوض في قضايا شائكة وإبداء آرائها بشكل يؤثر سلبا في الرأي العام.

ويرى متابعون لملف الإعلام المصري أنه من الصعب تطبيق معايير تخص هوية ضيوف القنوات، بحكم الطريقة التي يُدار بها الإعلام، فالكثير من البرامج الحوارية تبدو موجهة من دوائر قريبة من جهات رسمية، ويتم اختيار مقدمي البرامج بعناية، وتحديد نقاط الحديث فيها للضيوف قبل العرض على الشاشة.

حسن علي: نشر تحليلات عن طريق غير المتخصصين تضليل للرأي العام
حسن علي: نشر تحليلات عن طريق غير المتخصصين تضليل للرأي العام

ويرتبط توقيت الإعلان عن خطوة وضع ضوابط حاكمة لظهور الضيوف في البرامج الحوارية بالتغييرات المرتقبة في تشكيل الهيئات المسؤولة عن المشهد الإعلامي عموما، ويريد الأعضاء في المجالس الحالية وضع بصماتهم الإيجابية، والإيحاء بقدرتهم على إدارة المشهد وتصويبه والدخول في ملف شائك مثل الضيوف، تسبب في زيادة حالات الفوضى في بعض وسائل الإعلام.

ولم تعد تسميات بعض الضيوف في مصر، مثل المحلل والخبير والباحث وأستاذ العلاقات الدولية، حالات فردية على فضائيات بعينها، حيث تحولت إلى ظاهرة تستحق الوقوف عندها، في ظل الاستعانة بهذه الشخصيات بشكل لافت، وبعضها يخوض في كل الملفات دون أن يتمتع بالحد الأدنى من العمق في القضية محل النقاش.

وأصبح الاعتماد على أشخاص مغمورين وتقديمهم إلى الجمهور على أنهم خبراء أحد تجليات السيولة الإعلامية، مع عدم وجود رقابة صارمة أو خطة للتعامل مع بعض الأحداث الجماهيرية بشكل معمق، بعيدًا عن التسطيح، والاعتماد على ما يمكن وصفهم بضيوف الضرورة.

وهناك من يبرر اعتماد بعض البرامج على ضيوف ليسوا أكفاء بأن الكثير من الشخصيات المتزنة والعقلانية والمهنية تعتذر عن الظهور بسبب الشك في توجهات بعض المذيعين، فشريحة منها ترغب في أن ينطق الضيف بخطاب معين ويقدم وجهة نظر محددة، بعيدة عن التركيز على حقائق قد تزعج المذيع والحكومة.

ويرى البعض من العاملين في مجال الإعلام أن الكثير من المخضرمين في ملفات بعينها يتحملون جزءًا من فوضى الضيوف، لأن بعضهم يعزف عن الظهور بحجة أن القضية محل النقاش قد تكون معقدة ويصعب حصرها من كل جوانبها في عدة دقائق عبر مداخلة هاتفية، ما يظهره أمام الجمهور كأنه عديم الموهبة.

انتشار ظاهرة الضيف المحلل الذي يفتقد التخصص يرجع إلى استسهال الكثير من البرامج الحوارية مناقشة قضايا حيوية بمبدأ الكم وليس الكيف

ويتحفظ خبراء الإعلام على حجج بعض القنوات في الاعتماد على ضيوف غير متخصصين بالقدر الكافي، ولو كان ذلك بغرض التعدد الفكري والتحليلي، لأن ذلك يرقى إلى مرتبة التضليل، ولا بد أن تكون هناك خطة مهنية تطبق على الجميع بلا استثناء، شريطة توافر الإرادة الكاملة لتحول الإعلام إلى منبر للوعي.

ويقول هؤلاء الخبراء إن انتشار ظاهرة الضيف المحلل الذي يفتقد التخصص والرؤية الصائبة والخطاب المنطقي، يرجع إلى استسهال الكثير من البرامج الحوارية مناقشة قضايا حيوية بمبدأ الكم وليس الكيف، وبعضها يتباهى بزيادة عدد الضيوف من المحللين، بغض النظر عن خلفياتهم وخبراتهم ومؤهلاتهم.

وتغفل بعض المنابر الإعلامية في مصر أنها عندما تستعين بضيوف غير متخصصين لمجرد مناقشة أي قضية، قد تتورط في نشر وإذاعة معلومات مغلوطة ترتقي إلى الشائعات، وليس من المهنية أن يتم الاكتفاء بنسبها إلى الضيف، لأن مهمة المذيع الحفاظ على مصداقية المنبر الذي يخاطب منه الناس بانتقاء ضيوفه.

وتزداد مسؤولية مقدم أي برنامج عن أخطاء ضيوفه كلما كانت القضية محل النقاش تحمل قدرا من الحساسية، ما يفرض عليه التحقق من أي تحليل أو معلومة تُبث من خلال منبره، وأن يستعين بضيف يحمل صفة رسمية وليس مجرد خبير قبل أن يورّط القناة في ترويج أكاذيب طالما أنها الوسيط الذي خرجت منه المعلومة.

بعض المحللين وغير المتخصصين على علاقة بأجهزة حكومية تتيح لهم معلومات بعينها لتوصيلها إلى الرأي العام دون المرور ضمن الخطاب الرسمي

وأكد حسن علي، أستاذ الإذاعة والتلفزيون بجامعة قناة السويس شرق القاهرة، أن نشر تحليلات ومعلومات عن طريق غير المتخصصين ينطوي على تضليل خطير للرأي العام، وهناك حالة واضحة من استسهال بعض البرامج في الاستعانة بشخصيات سطحية تقدم رؤى ترتقي إلى تغييب الوعي، وهذا تتحمل مسؤوليته إدارات القنوات نفسها.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “العبرة ليست في وضع معايير لانتقاء الضيوف، لأن هناك العشرات من الأكواد الإعلامية التي تصدر ولا تطبق، بالتالي الإشكالية ليست في استحداث آليات بل في توافر الإرادة الحقيقية لإصلاح المنظومة الإعلامية برمتها، طالما أنها تعاني من بعض العشوائية التي لا يجب بأي حال أن تستمر”.

ولفت إلى أن مسؤولية اختيار الضيف مشتركة بين المذيع وفريق الإعداد، لكن الاستعانة بغير المتخصصين تسيء إلى القناة، خاصة إذا أدلى هؤلاء بتصريحات أو تبنوا تحليلات غير منطقية، ومن هنا يكون دور المذيع التأكد من صحتها، وفي كل الأحوال يجب الاستعانة بأهل الخبرة والكفاءة لوقف الفوضى والتسطيح.

وثمة معضلة ترتبط بأن الكثير من وسائل الإعلام المصرية تعتمد على من يطلقون على أنفسهم صفة خبراء ومحللين في الحصول على المعلومات، طالما أن هذه الوسائل الإعلامية لا تستطيع الحصول عليها من مصادرها الرسمية، وهذا الخطأ جعل الكثير من الهواة والشغوفين بالشهرة يطلقون تصريحات صارخة بلا رقيب.

كما أن جزءا من أزمة الضيوف الهواة يعود إلى وجود مذيعين غير مؤهلين للمهنة، ولا يدركون طبيعة العمل الإعلامي، ومن الطبيعي أن تكون النتيجة تقديم الضيف على أنه خبير، ولن يتم حل تلك المشكلة قبل قصر العمل الإعلامي على المتخصصين.

وبعيدا عن صلاحيات مجلس تنظيم الإعلام في وضع مبادئ حاكمة لانتقاء ضيوف البرامج، تظل المشكلة كامنة في أن بعض المحللين وغير المتخصصين على علاقة بأجهزة حكومية تتيح لهم معلومات بعينها لتوصيلها إلى الرأي العام دون المرور ضمن الخطاب الرسمي، ما يجعل بعض الجهات مسؤولة بشكل غير مباشر عن تلك الفوضى.

5