فوضى السلاح في الأردن تحيي دعوات تقنين حيازته

وزير الداخلية الأسبق توفيق الحباشنة يبرئ سلاح العشائر من الانفلاتات الأخيرة.
الأحد 2020/11/15
جهود لفرض النظام

عمان - طفت معضلة فوضى السلاح في الأردن وضرورة تقنين حيازته إلى السطح مجددا بعد أحداث العنف الأخيرة التي شهدتها البلاد عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية والتي أدت إلى استقالة وزير الداخلية توفيق الحلالمة.

واستنكر وزير الداخلية الأسبق توفيق الحباشنة استعمال السلاح في الخروج عن النظام العام، داعيا السلطات إلى المسارعة في ترخيص كل الأسلحة في البلاد.

وجاءت تصريحات الحباشنة بعد أن شهدت عدة مناطق في الأردن حالة توتر واستعراضات بأسلحة أوتوماتيكية مع إعلان نتائج الانتخابات النيابية، وهو ما شكل إحراجا كبيرا للسلطة، لاسيما وأن حالة الفوضى جرت فيما تعيش البلاد حالة طوارئ للحدّ من انتشار جائحة كورونا، ما اضطر وزير الداخلية اللواء الركن توفيق الحلالمة إلى الاستقالة وتحمّل المسؤولية المجتمعية.

وعمد بعض الغاضبين من خسارة مرشحيهم إلى القيام بأعمال عنف وتكسير وحرق للممتلكات العامة والخاصة، فيما أقدم أنصار مرشحين فازوا في الاستحقاق الانتخابي على إطلاق النار في الهواء وهي ظاهرة منتشرة بكثرة في الأردن خاصة خلال المناسبات الاجتماعية، لكن الأخطر هذه المرة هو استخدام الأسلحة الرشاشة.

ومن المتوقع أن يكون مشروع القانون المعدل لقانون الأسلحة والذخائر من أهم القوانين التي سيناقشها مجلس النواب التاسع عشر، والذي بدأت اللجنة القانونية في مجلس النواب السابق مناقشته إلا أنها لم تقره، واكتسب أهمية مضاعفة خلال الأحداث الأخيرة.

ويقول متابعون إن ما حدث عقب انتخابات نيابية شكّل إحراجا كبيرا للدولة أمام مواطنيها وأيضا الخارج، لما يعكسه ذلك من ضرر على الصورة التي تحرص المملكة على ترسيخها على مدى عقود وهي قدرتها على فرض الأمن والتصدي لأي مظاهر انفلات أمني.

ونوّه الحباشنة بأن الحكومة والأجهزة الأمنية كانت بمستوى المسؤولية في التعامل مع ظاهرة الاحتفالات والأسلحة.

وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أبدى غضبا شديدا حيال ما حصل إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات، وقال في تغريدة على موقع تويتر "المظاهر المؤسفة التي شهدناها من البعض بعد العملية الانتخابية، خرق واضح للقانون، وتعدّ على سلامة وصحة المجتمع، ولا تعبر عن الوعي الحقيقي للغالبية العظمى من مواطنينا في جميع محافظات الوطن الغالي".

ويشكل السلاح المنفلت في الأردن أحد أكبر الهواجس الأمنية، إذ تفيد إحصاءات بأن الأردن يحتل المراتب الأولى في حيازة مواطنيه للأسلحة مقارنة بعدد سكانه. وقد ذكرت دراسة ميدانية أجرتها الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، العام 2019 أن نحو 24 في المئة من الأردنيين يملكون أسلحة نارية وأتوماتيكية، فيما أصبح الأردن يضم نحو 108 محلات لتجارة الأسلحة.

وكان وزير الداخلية السابق سلامة حماد قال خلال مناقشات اللجنة القانونية بالبرلمان المنتهية ولايته لقانون حيازة السلاح "إن كميات الأسلحة الموجودة مع الأردنيين تزيد على 10 ملايين قطعة، يتوجب علينا ضبطها".

وشهدت المملكة ارتفاعا مطردا في معدلات الجريمة، الأمر الذي جعل الدولة تدق ناقوس الخطر، خاصة وأن نسبة كبيرة تقارب 92 في المئة من الجرائم جرت بأسلحة نارية غير مرخصة، فضلا عن تحول السوق السوداء في المملكة إلى مصدر أساسي لتزود التنظيمات الجهادية بالأسلحة للقيام بعمليات إرهابية في الداخل.

ويعتز الأردنيون بحمل السلاح باعتباره دليل قوة ووجاهة، ويعتبر استخدام الأسلحة في الاحتفالات والمناسبات من العادات الاجتماعية والموروثات القديمة في البلاد، بيد أنه في السنوات الأخيرة ومع التغيرات المجتمعية الطارئة في الداخل وفي دول الجوار، باتت ظاهرة حمل السلاح مثار جدل كبير.

وبدأ عدد كبير من الأردنيين في تغيير نظرتهم إلى هذا الموروث، آملين في أن يؤدي قانون حيازة السلاح وحظره على بعض العناصر، إلى تنظيم تداوله داخل المملكة الأردنية، وأن يحفظ سلامة المواطنين، بعد أن أضحت فوضى انتشار السلاح خطرا يهدّد حياتهم في كل حين.

ويقول متابعون إن الأسلحة المتطورة مثل الكلاشينكوف جرى تسريبها للمملكة من الجانب السوري، وتمت المتاجرة بالآلاف من القطع من هذه النوعية باهظة الثمن، في المحافظات التي تشكو نسب فقر مرتفعة، والتي قد يجري استخدامها بما يشكل خطرا على أمن الدولة مستقبلا، خاصة في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعجز الدولة عن حلّها.

وخلّفت الحادثة صدمة لدى الأجهزة الأمنية، حيث قال مدير الأمن العام اللواء الركن حسين الحواتمة "إن توفر الذخائر ووجود الأسلحة الأوتوماتيكية عند الأردنيين ظاهرة خطيرة"، متسائلا "كيف وصلت لهم.. واستخدمت الآلاف منها؟".

وتساءل كيف لأب أن يعطي رشاش كلاشنيكوف إلى ابنه الذي لا يتجاوز 11 عاما ومن حوله؟ ألم يكونوا خائفين على أنفسهم، والفائز في الانتخابات كيف سيراقب الحكومة ويشرّع ويتحدث عن سيادة القانون وهو أول من خالفه سواء بإطلاق العيارات النارية أو بسبب انتشار فايروس كورونا.

وينظر العديد من أبناء العشائر في الأردن إلى أن تجدد الضغوط بشأن جمع السلاح يعكس قلق الدوائر العليا وتراجع منسوب الثقة في العشيرة التي لطالما كانت سندا رئيسيا للمؤسسة الملكية، فيما يرى آخرون أنه نابع من هواجس الدولة من هزات اجتماعية جديدة قد تهز البلاد نتيجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، على غرار ما حصل في مايو 2018.

في المقابل، يشدّد أردنيون على أنه حان الوقت لإنهاء مظاهر السلاح المنفلت الذي كبد خسائر بشرية فادحة سواء خلال الاحتفال بمناسبات اجتماعية أو في النزاعات بين العشائر، وحتى خلال مداهمات القوى الأمنية لاعتقال مطلوبين كما حدث في حادثة عجلون في العام 2019.