فوضى البرلمان مدخل آخر لدعاة الانتخابات المبكرة في العراق

لا يزال مقترح رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، رغم ما واجهه من اعتراضات من قبل قوى سياسية مساندة لاستكمال حكومة محمد شياع السوداني لفترتها القانونية، يحظى بفرصة للنفاذ عبر شقوق التوترات السياسية والصراعات على المناصب.
بغداد - دخل مقترح إجراء انتخابات برلمانية مبكّرة في العراق مزاد المساومات السياسية، وذلك من بوابة الفوضى القائمة في مجلس النواب والانسداد الحاصل في اختيار رئيس جديد له خلفا لرئيسه السابق محمد الحلبوسي المستبعد من المجلس بقرار قضائي.
ولوّحت قوى سنية متنافسة بشراسة على المنصب الواقع ضمن حصّة المكوّن السنّي، بفعل نظام المحاصصة المعتَمد في توزيع مناصب الدولة العراقية على المكوّنات، بالانضمام إلى رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في مسعاه لإجراء انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري وقبل الموعد الأصلي المقرر لسنة 2025، وذلك في حال عدم المضي بأسرع وقت لحسم قضية منصب رئيس البرلمان الذي يشغله وكالة عضو الإطار التنسيقي محسن المندلاوي بعد أن تعذّر طيلة أكثر من ثمانية أشهر اختيار رئيس جديد بسبب تنافس الكتل السنية الشديد عليه وتخندق القوى الشيعية إلى جانب هذا الطرف السني أو ذاك.
وقال ياسين العيثاوي النائب عن تحالف العزم، المنافس الأبرز لحزب تقدّم على منصب رئيس البرلمان، إنّ قياديي الحزب يلوّحون بالذهاب في اتجاه انتخابات مبكرة في حال عدم سير الأمور وفق ما يريدون وذلك بأن يكون منصب رئيس مجلس النواب من نصيبهم.
ويتضمّن ذلك تهديدا مبطّنا لرئيس الوزراء محمّد شياع السوداني ولقوى الإطار التنسيقي التي تقف إلى جانبه ضدّ مساعي المالكي لقطع مسار حكومته وإنهاء ولايتها قبل استكمال مدّتها القانونية عبر إجراء انتخابات برلمانية مبكّرة.
وليس حزب الحلبوسي فقط هو مصدر التهديد، وإنما أيضا باقي القوى السنية المنافسة له ومن ضمنها تحالف العزم الذي جاء كلام القيادي فيه ياسين العيثاوي عن توجهات حزب الحلبوسي بمثابة إنذار للإطار التنسيقي لحثّه على تسهيل عملية اختيار رئيس جديد للبرلمان.
وبدأت الشكوك تتزايد في صفوف القوى السياسية السنية بشأن رغبة القوى الشيعية المكوّنة للإطار في إبقاء الوضع القائم على حاله واحتفاظ المندلاوي بمنصب رئيس البرلمان وكالة، ما يعني عمليا استحواذ المكوّن الشيعي على الجزء الأهم من حصّة المكوّن السني من المناصب القيادية للدولة العراقية.
وكان المالكي قد طرح مقترح إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في نطاق سعيه لقطع صعود نجم رئيس الوزراء الحالي ومنعه من وضع أرضية لتجديد ولايته على رأس الحكومة، وذلك في ظل حديث متداول داخل الأوساط السياسية العراقية بشأن وجود طموح للمالكي للعودة إلى المنصب التنفيذي الأهم في الدولة بعد أن كان قد شغله لفترتين متتاليتين بين سنتي 2006 و2014.
وتقول بعض المصادر إنّ المالكي قد لا يكون بالضرورة طامحا للحصول على منصب رئيس الوزراء إثر الانتخابات القادمة لشخصه، ولكنّه يريد إسناده لأحد أقرب مقربيه ولشخص من ثقاته وواقع تحت تأثيره حتى يتمكّن بذلك من استعادة كامل نفوذه في الدولة والذي تناقص نسبيا بوجود السوداني المدعوم بقوّة من قبل خصوم ومنافسين كبار للمالكي على رأس السلطة التنفيذية.
وكانت قوى وشخصيات وازنة في الإطار التنسيقي قد عبّرت عن رفض صريح لمقترح رئيس الوزراء الأسبق متمسكة باستكمال الحكومة الحالية لفترتها القانونية كاملة.
ووجّه العيثاوي إنذارا صريحا للإطار التنسيقي بأنّه سيكون الخاسر الأكبر من المضي في خيار الانتخابات المبكّرة. وقال إنّ “السنة مقاعدهم موجودة والأكراد كذلك، والاستحقاقات محفوظة، ويجب أن يعي الجميع أنّ الانتخابات المبكرة لا تخدم الحكومة”.
وأضاف متحدّثا لموقع رووداو الإخباري أنّ “الحكومة لم تستكمل برنامجها رغم أنه يعد برنامجا واعدا.. وأنّ عدم الاستقرار لا يخدم البلد بصورة عامة، وليس فقط البرلمان والسياسيين”.
كما ذكّر النائب عن عزم بأنّ “منصب رئيس البرلمان شاغر منذ نحو أقل من سنة. وما سيأتي ما هو إلا استكمال لشكلية النظام السياسي والاستحقاقات المكوناتية الموجودة”.
قوى وشخصيات وازنة في الإطار التنسيقي عبّرت عن رفض صريح لمقترح رئيس الوزراء الأسبق متمسكة باستكمال الحكومة الحالية لفترتها القانونية كاملة
وربط استحقاق اختيار رئيس للبرلمان بالوضع في الإقليم المحتقن والمتوتّر قائلا إنّ “الوضع في المنطقة قلق، ويجب أن يكون هناك استكمال لكل الأدوار والتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في حال اتجهت المنطقة إلى الفوضى والحرب والأزمات الاقتصادية، والتي ستكون آثارها أشد من الحرب”، وأكد على ضرورة أن “يكون هناك برلمان قوي وواع”.
ويصف متابعون للشأن العراقي الوضع التشريعي في العراق بالفوضوي ويقولون إنّ خلافات ممثلي المكوّن السنّي وتنافسهم الشديد على منصب رئيس البرلمان أتاحا للقوى الشيعية الممسكة أصلا بزمام السلطة التنفيذية تدعيم نفوذها بالهيمنة على البرلمان.
ويلفت هؤلاء إلى أن وجود المندلاوي على رأس مجلس النواب مكّن الأحزاب والفصائل الشيعية من فرض أجندة تشريعية تخدم توجهاتها وتتضمن قوانين من نوع إقرار عطلة عيد الغدير وتعديل قانون الأحوال الشخصية، في مقابل تعطيل تعديل قانون العفو العام الذي تطالب به قوى سنية.
وحوّلت أزمة اختيار خليفة لرئيس البرلمان المستبعد محمّد الحلبوسي، الأحزاب والكتل الشيعية من شريكة ثانوية في اختيار من يتولّى رئاسة المجلس، إلى متحكمة رئيسية في العملية بعد عجز الأحزاب والكتل السنية عن التوافق على مرشّح لشغل المنصب الذي يدار حاليا بالوكالة.
ولا تؤشّر حالة التنافر الشديدة القائمة بين قادة الأحزاب والكتل السنية على أي إمكانية للتوافق، الأمر الذي سيجعل الأحزاب الشيعية تتولى بنفسها عملية الترشيح للمنصب وفرض اختيارها عبر تحالفاتها تحت قبّة البرلمان وباستخدام ما تمتلكه من سلطة ونفوذ كبيرين في باقي مؤسسات الدولة وأجهزتها.
سنّة العراق يشكون منذ قرابة ربع قرن من التهميش والإقصاء عن مواقع القرار الفعلية والمؤثرة في الدولة
ولا يزال حزب الحلبوسي رغم موجة الانسحابات التي ضربت صفوفه يطالب بمنصب رئيس مجلس النواب مستخدما بعض الأوراق التي يمتلكها للمساومة ومستعينا ببعض القوى الشيعية المناوئة لخصومه السنّة وتحديدا تحالف السيادة بزعامة السياسي خميس الخنجر الساعي بدوره لإيصال مرشّح عنه إلى موقع رئاسة البرلمان.
ويُستبعد أن يذهب منصب رئيس البرلمان إلى شخصية غير سنية، شيعية أو غيرها، لكن مجرّد تحكّم الإطار التنسيقي في اختيار من يشغله سيجعل رئيس البرلمان مرتهنا للقوى التي أوصلته إلى موقع الرئاسة وتابعا لها في قراراته وطريقة إدارته للبرلمان.
وجاء التهديد بتبنّي خيار الانتخابات المبكّرة والإنذار الموجّه على لسان العيثاوي إلى الإطار التنسيقي صدى للهوة الآخذة في التوسّع بسبب مشكلة رئاسة البرلمان، بين القوى السنية والقوى الشيعية الشريكة في تحالف إدارة الدولة الذي كان قد تشكّل إثر الانتخابات البرلمانية الأخيرة من قوى شيعية وسنية وكردية توافقت على تشكيل حكومة السوداني.
واستغل الإطار التنسيقي الخلافات بين الكتل السنية حول منصب رئيس البرلمان لينتزع منها امتياز اختيار من يتولّى المنصب عبر التوافق على مرشّح واحد له بغض النظر عن ترشيحات تلك الكتل.
ورفضت أحزاب السيادة والعزم والعَقد ما سمته في بيان لها “فرض رؤية أحادية لآلية اختيار رئيس جديد للبرلمان بعد مضي نحو تسعة أشهر على شغور المنصب”.
وقالت الأحزاب الثلاثة في بيانها إنّه “بعد التشاور والتداول والحوار المعمق مع نواب الكتل السنية، فقد ارتأى الجميع اللجوء إلى احترام الأطر القانونية في الانتخاب والإبقاء على الأسماء المرشحة سابقا وفقا للنظام الداخلي وقرارات المحكمة الاتحادية، ومنح أعضاء مجلس النواب الحرية في اختيار من يرونه مناسبا لهذه المهمة”.
كما طالبت في البيان ذاته بـ”احترام خيارات المكونات والحفاظ على الأعراف والتقاليد السياسية والدستورية التي قامت عليها العملية السياسية في العراق وما يترتب عليها من استحقاقات اجتماعية وتوازنات سياسية”.
ويُنظر إلى الصراع السني – السني على منصب رئيس البرلمان باعتباره صراعا نخبويا على النفوذ والمكاسب الشخصية البعيدة عن مشاغل المكوّن الذي تدّعي الشخصيات المتصارعة تمثيله والتحدّث باسمه.
ويشكو سنّة العراق منذ قرابة ربع قرن من التهميش والإقصاء عن مواقع القرار الفعلية والمؤثرة في الدولة، وترى غالبيتهم أنّ إسناد عدد من المناصب لشخصيات من طائفتهم في نطاق نظام المحاصصة المعمول به في العملية السياسية الجارية بالبلد يظل غير مؤثر في واقعهم، على اعتبار أن الكثير من تلك الشخصيات كانت دائما موضع اتهام بالفساد وعدم الكفاءة، وفي أدنى الحالات بالعمل لمصلحتها الخاصة ولمصلحة تياراتها وأحزابها.