فوضى أسعار الخبز تربك الطبقة الاجتماعية في الجزائر

قانون المالية المثير لمخاوف الطبقة الهشة يدخل حيز التنفيذ.
الاثنين 2022/01/03
فوضى الأسعار تنذر بانفجار الشارع الجزائري

الجزائر - استفاق الجزائريون على وقع فوضى أسعار الخبز بعدما اختار المهنيون مطلع العام الجديد للرفع من أسعاره، مما أثار حالة من الفوضى والارتباك لدى المستهلكين، وهو ما دفع السلطات الإدارية والقضائية إلى استدعاء عدد من الخبازين في محافظة قسنطينة للمثول أمامها بدعوى رفع سعر مادة استهلاكية مدعمة دون العودة إلى الوصاية. 

وجاءت فوضى الأسعار المذكورة في مناخ اجتماعي يخيم عليه الارتباك والتخوف من مستقبل مجهول ينتظر الفئات الهشة، وفي ظل الحديث عن مراجعة الحكومة لسياسة الدعم الاجتماعي، وبالموازاة مع اختلالات تميز الأسواق الجزائرية المترنحة بين الغلاء والندرة.

ويعد الخبز المادة الأساسية في موائد الجزائريين، لذلك فأي اختلال في سعره أو وفرته يثير لغطا شعبيا في الشارع، لكن فوضى الأسعار التي تخيم على الأسواق مقابل عجز الحكومة عن ضبط وردع الممارسات غير الشرعية جعلاه محل تفاوت في السعر والنوعية.

وفيما دعت جمعيات الدفاع عن المستهلك ونقابة الخبازين إلى الالتزام بالأسعار الرسمية المحددة من طرف الحكومة عبر المهنيون في الكثير من المرات عن انشغالهم بهامش الربح غير المتغير منذ سنوات، رغم الدعم الذي تشهده المواد الأساسية في تصنيع الخبز، على غرار الطحين والخمائر والزيوت.  

واختار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون الأنفاس الأخيرة من السنة الماضية ليوقع على قانون المالية للعام الجديد، منهيا بذلك كل التأويلات التي ذهبت إلى توقع سيناريو التراجع عنه بسبب المخاوف من تداعياته على الجبهة الاجتماعية والتدابير الجديدة التي وضعها، وعلى رأسها تقليص الدعم الحكومي للمواد ذات الاستهلاك الواسع.

الجزائر تعتبر من بين الدول الاجتماعية الكبرى حيث كانت ترصد سنويا ما يعادل خمسة عشر مليار دولار للدعم الاجتماعي

وينظر الشارع الجزائري إلى ما سيأتي به العام الجديد على الصعيد الاجتماعي بعين الترقب والخوف، وتأثير ذلك على القدرة الشرائية، حيث ينتظر ارتفاع الأسعار، فضلا عن موجة الغلاء التي خيمت على الأسواق الاستهلاكية خلال العام الماضي.

وكان البرلمان الجزائري قد مرّر قانون المالية المذكور مطلع الدورة التي افتتحت في الخريف الماضي، دون أي تعديلات لافتة حفاظا على استقرار الجبهة الاجتماعية، واكتفت كتلة حركة مجتمع السلم بعدم التصويت على القانون، فيما زكته الأغلبية النيابية التي توالي السلطة، وفي مقدمتها جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني والمستقلون.

وتأمل الحكومة الجزائرية في أن يسهم قانون المالية الجديد في الحفاظ على ما أسماه رئيس الوزراء ووزير المالية أيمن بن عبدالرحمن بـ”استمرار الدولة في دعم الفئات الاجتماعية الهشة، ووقف الدعم الشامل الذي اتسم بالعشوائية والفساد، عبر استحداث آليات جديدة تكفل وصوله إلى العائلات المعنية مباشرة”.

وفيما شدد رئيس الوزراء على أهمية تشكيل لجنة من الخبراء والمتخصصين والقطاعات المعنية للتكفّل بمهمة جرد وتصنيف العائلات التي هي في حاجة إلى الدعم الحكومي لا تزال المخاوف تخيم على الشارع الجزائري، قياسا بالبيروقراطية التي تميز الإدارة الجزائرية وعدم وجود آليات وعمل ميداني يطمئن المواطنين.

ويستند هؤلاء إلى مسار مختلف التقاليد الإدارية والاجتماعية، حيث تحولت في الغالب إلى مصدر غضب واستياء بسبب التعقيدات البيروقراطية وهيمنة المحاباة والمحسوبية، كما هو الشأن بالنسبة إلى ما يعرف بـ”قفة رمضان” و”الدخول المدرسي” اللذين تذكر شهادات حية أنهما يقصيان بعض المحتاجين مقابل تفضيل ميسورين لهم نفوذ داخل الإدارة.

Thumbnail

وشدد الرئيس عبدالمجيد تبون منذ انتخابه نهاية عام 2019 على أهمية الطابع الاجتماعي للدولة وعلى ضرورة أن تسهر السلطة على تلبية حاجيات المواطنين، خاصة في ما يعرف بـ”مناطق الظل”، وهي الأحزمة السكانية الفقيرة التي تنتشر في الأرياف وحواف المدن، حيث يسجل فيها غياب كلي للخدمات العمومية.

وأحصت الحكومة نحو ثمانية آلاف نقطة ظل عبر ربوع البلاد، ورصدت لها أغلفة مالية من أجل تنفيذ مشروعات خدماتية تحسن الحياة اليومية لأهلها، غير أن انطباعات الشارع الجزائري تتوجس مما يوصف بـ”انفلات الأسعار” في الأسواق خلال الأشهر الأخيرة وندرة بعض المواد الاستهلاكية الضرورية التي تؤرق حياة المواطنين.

وحسب مدير البنك المركزي فإن نسبة التضخم في الآونة الأخيرة تجاوزت سقف التسعة في المئة، وهو ما يترجم تدهور القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وانهيار العملة المحلية أمام سلة العملات الصعبة، مما يفضي بصورة آلية إلى توسع دائرة الفقر والحياة الاجتماعية الصعبة.

وفي ظل غياب الإحصائيات الرسمية المتعلقة بالفقر في الجزائر قالت الحكومة في ردها الأخير على تقرير البنك الدولي، عبر بيان بثته وسائل الإعلام الرسمية والمحلية، “ظاهرة الفقر بالبلاد مطمئنة ” وما “جاء في التقرير المذكور هو معطيات مضللة ومغرضة لها أهداف أخرى”.

وتعتبر الجزائر من بين الدول الاجتماعية الكبرى في المنطقة، حيث كانت ترصد سنويا ما يعادل خمسة عشر مليار دولار للدعم الاجتماعي المباشر وغير المباشر، وهو ما أرهق الخزينة العمومية في السنوات الأخيرة، بسبب تقلص مداخيل البلاد والأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها، الأمر الذي دفعها إلى مراجعة هذا التوجه رغم ما ينطوي عليه ذلك من تداعيات على الجبهة الاجتماعية.

ويبقى توقيع الرئيس الجزائري على قانون المالية هو الخطوة الأخيرة وفق التشريعات المنظمة لقوانين الدولة، قبل أن يدخل حيز التنفيذ مطلع العام الجديد الذي تراهن عليه السلطة ليكون عام الإقلاع الاقتصادي، بينما يتوجس منه الشارع بسبب ما يهدد معيشته اليومية.    

4