فوز ساحق للعمال ينهي 14 عاما من سيطرة المحافظين على الحكم
نتيجة الانتخابات تفتح الباب واسعا أمام حزب العمال لتشكيل حكومة، في حين أنّها تمثّل هزيمة مدوّية للمحافظين الذين تقلّصت حصتهم من 365 نائبا انتخبوا قبل 5 سنوات إلى 131 نائبا فقط.

لندن - حقّق حزب العمّال البريطاني انتصارا ساحقا في الانتخابات التشريعية لينهي بذلك 14 عاما متتالية من حكم المحافظين ويفتح أبواب داونينغ ستريت أمام زعيمه كير ستارمر، حسب ما أظهر استطلاع لآراء المقترعين.
واعترف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الجمعة بالهزيمة التشريعية، قائلا إنه يتحمل "مسؤولية" ذلك، مقرا بأنّ "حزب العمال فاز في هذه الانتخابات التشريعيّة". وأضاف بعد إعادة انتخابه في دائرته الانتخابيّة في ريتشموند بشمال إنكلترا أنّ "الشعب البريطاني أصدر حكما واضحا الليلة وأنا أتحمّل مسؤولية" هذه الهزيمة.
ووفقا لنتيجة الاستطلاع التي نشرتها التلفزة البريطانية، سيحصل حزب العمّال (يسار وسط) على 410 من أصل 650 مقعدا في مجلس العموم، متقدماً بفارق شاسع على المحافظين الذين ستنحصر حصّتهم بـ131 مقعدا في أسوأ نتيجة انتخابية لهم منذ مطلع القرن العشرين.
بدوره حقّق حزب "إصلاح بريطانيا" المناهض للمهاجرين نتيجة أفضل من المتوقع بحصوله على 13 مقعدا نيابيا، حسب الاستطلاع.
وتفتح هذه النتيجة الباب واسعا أمام حزب العمال لتشكيل حكومة، في حين أنّها تمثّل هزيمة مدوّية للمحافظين الذين تقلّصت حصتهم من 365 نائبا انتخبوا قبل 5 سنوات إلى 131 نائبا فقط. أما حزب الديمقراطيين الليبراليين (وسط) فسيحصل في البرلمان المقبل على 61 مقعدا.
وسارع ستارمر إلى شكر ناخبيه. وقال "إلى جميع من قاموا بحملات لحزب العمّال في هذه الانتخابات، إلى جميع من صوّتوا لنا ووثقوا في حزب العمّال الجديد، شكرا لكم".
وسيتبوّأ هذا المحامي السابق منصب رئيس الوزراء بعد تسع سنوات فقط على دخوله عالم السياسة وأربع سنوات على تولّيه منصب زعيم حزب العمّال.
وقال إن المملكة المتحدة "مستعدة للتغيير"، مضيفا في خطاب ألقاه بعد إعادة انتخابه في دائرته الانتخابية في شمال لندن "الناخبون هنا وفي كل أنحاء البلاد قالوا كلمتهم وهم مستعدون للتغيير ولإنهاء سياسة الاستعراض، وللعودة إلى السياسة بوصفها خدمة للجمهور".
وحذرت راشيل ريفيس التي من المقرر أن تصبح أول وزيرة للمال في تاريخ المملكة المتحدة، الجمعة من أن حكومة حزب العمال الجديدة التي ستشكّل بعد الانتخابات سيتعين عليها اتخاذ "خيارات صعبة" في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد.
وقالت ريفيس وهي خبيرة اقتصادية سابقة في بنك إنكلترا تبلغ 45 عاما وأعيد انتخابها نائبة في دائرتها الانتخابية "الطريق الواجب سلوكه لن يكون سهلا. لا يوجد حل سحري وهناك خيارات صعبة تنتظرنا. نحن لسنا واهمين بشأن حجم التحدي الذي نواجهه أو شدة الصعوبات التي سنرثها من المحافظين".
وفاز الزعيم السابق لحزب العمّال البريطاني جيريمي كوربين اليساريّ المُخضرم الذي عَلّق الحزب عضويّته بعد فضيحة تتّصل بمعاداة السامية، بعضويّة البرلمان الجمعة بصفته مرشحا مستقلا.
وفاز كوربين البالغ 75 عاما والذي مثّل دائرة إزلينغتون الشماليّة أكثر من 40 عاما، بالمقعد في شكل مريح ولكن للمرّة الأولى دون الانتماء إلى حزب العمّال. وأشاد بفوزه في الساعات الأولى يوم الجمعة، وقال إنها "رسالة مدوية" بأن ناخبيه "يريدون شيئا مختلفا".
وفي المقابل هُزم وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس في دائرته الانتخابية في الانتخابات العامة التي جرت الخميس، ليصبح أول شخصية من حكومة المحافظين يخسر مقعده في البرلمان.
كما فاز نايجل فاراج زعيم حزب الإصلاح المناهض للهجرة بانتخابات البرلمان الجمعة، في ثامن محاولة له. وقال فاراج الذي قاد حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "خطتي هي بناء حركة وطنية جماهيرية على مدار السنوات القليلة المقبلة".
ويثير المحافظون استياء البريطانيين بعد ترؤس خمسة من زعماء الحزب الحكومة في البلاد خلال 14 عاما. ويتطلع الناخبون إلى التغيير بسبب سياسات التقشف وأزمة تكاليف المعيشة ونظام الصحة العامة المتهالك، ما دفع المحافظين في الأيام الأخيرة إلى الإقرار بأنّهم لا يسعون إلى الفوز بل إلى الحد من الغالبية التي سيحقّقها حزب العمال.
ويُتوقع أن يكلف الملك تشارلز الثالث الجمعة ستارمر بتشكيل حكومة. وسيكون وصوله إلى داونينغ ستريت بمثابة وصول زعيم معتدل، في حين يتقدّم اليمين المتطرف في فرنسا، بينما يحظى دونالد ترامب بفرص للفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف والعودة إلى البيت الأبيض.
وقبل فتح صناديق الاقتراع، قال ستارمر الذي دخل عالم السياسة قبل تسعة أعوام فقط، "يمكن للمملكة المتحدة أن تفتح اليوم فصلا جديدا. حقبة جديدة من الأمل والفرص بعد 14 عاماً من الفوضى والانحدار". وأدلى بصوته صباحا في شمال لندن برفقة زوجته فيكتوريا.
كذلك أدلى سوناك بصوته صباح الخميس في دائرته الانتخابية في شمال إنكلترا، مع زوجته أكشاتا مورتي، محذرا البريطانيين عبر منصة "اكس" من إخضاعهم لضرائب أعلى "خلال بقية حياتهم".
دُعي 46 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع لتجديد مقاعد مجلس العموم المؤلف من 650 مقعدا. ويتمّ انتخاب كلّ نائب بالنظام الفردي، ما يعطي الأفضلية للأحزاب الرئيسية.
وبالنسبة إلى سوناك خامس رئيس حكومة محافظ خلال 14 عاما، تعني هذه الانتخابات نهاية حملة كانت صعبة جدا، غير أنّه حاول أخذ زمام المبادرة في نهاية مايو الماضي، عبر الدعوة إلى انتخابات في يوليو بدل الانتظار إلى الخريف كما كان مقرّرا. إلا أنّ الوقت كان كفيلا بإظهار ضعف حزبه وهشاشة موقفه.
وراكم المصرفي الاستثماري ووزير المال السابق البالغ 44 عاما عددا من الأخطاء وبدا أنّه يفتقر إلى الفطنة السياسية، وانعكس ذلك من خلال تقصير فترة حضوره الاحتفالات بالذكرى الثمانين لإنزال النورماندي وتأخّره في الرد على الشكوك ضمن حزبه بشأن مراهنات على موعد الانتخابات.
وتضمّنت إستراتيجيته بشكل أساسي توجيه اتهام لحزب العمّال بالرغبة في زيادة الضرائب، ثمّ التحذير في الأيام الأخيرة من مخاطر "الغالبية الكبرى" التي من شأنها ترك حزب العمّال من دون قوة مضادة له، مقرّاً بذلك بهزيمة حزبه.
وفي مواجهته، سلّط ستارمر الضوء على أصوله المتواضعة، أي والدته الممرّضة ووالده العامل اليدوي، ما يتناقض مع خصمه المليونير. ولتجنّب هجمات اليمين وتبديد وقع برنامج سلفه جيريمي كوربن باهظ الكلفة، تعهّد إدارة صارمة جدا للإنفاق العام، دون زيادة الضرائب.
ويعوّل في هذا الإطار على استعادة الاستقرار وتدخّلات من الدولة واستثمارات في البنية التحتية لإنعاش النمو، ما من شأنه تصحيح وضع المرافق العامّة التي تراجع أداؤها منذ إجراءات التقشّف في أوائل العام 2010.
كما يريد ستارمر أن يظهر حازما في قضايا الهجرة وأن يقترب من الاتحاد الأوروبي، من دون الانضمام إليه، غير أنّه حذّر من أنّه لا يملك "عصا سحرية"، الأمر الذي ظهر أيضا لدى البريطانيين الذين بيّنت استطلاعات الرأي أن لا أوهام لديهم بشأن آفاق التغيير.
ومع أنّ حذره دفع البعض إلى القول إنه قليل الطموح، إلّا أنّه سمح لحزب العمّال بالحصول على دعم في أوساط الأعمال وفي الصحافة اليمينية.
وخسر الانفصاليون الاسكتلنديون معظم مقاعدهم في البرلمان البريطاني في الانتخابات التي جرت الخميس، في انتكاسة أخرى لمعركتهم من أجل تقرير المصير التي وصلت إلى طريق مسدود أكثر من أي وقت مضى.
ووفقًا لاستطلاع الخروج من مراكز الاقتراع الذي بثته التلفزة البريطانية، تراجع الحزب الوطني الاسكتلندي الذي هيمن على السياسة المحلية على مدى السنوات الـ15 الماضية، من المركز الثالث إلى المركز الخامس في برلمان ويستمنستر، حيث حصل على 10 مقاعد من أصل 57 مقعدا تمثل اسكتلندا، مقارنة بـ48 مقعدا في السابق.
وقالت رئيسة الوزراء السابقة نيكولا ستورجون "إنها ليست ليلة جيدة للحزب الوطني الاسكتلندي. إنه نجاح كبير لـ(زعيم حزب العمال) كير ستارمر".
ويبدو أن حزب العمال الذي فاز في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة بهامش واسع، قد بات في طريقه لاستعادة هيمنته في اسكتلندا، وهي المنطقة التي كان يسيطر عليها في السابق.