فوز المنتخب السعودي

دعك من السياسة وتناقضاتها وضغائنها وما جرّته من مصائب، وما جلبته على الشعوب من نكد وهمّ وغمّ، وشجع كرة القدم الحلوة، واسمع التهليل والتصفيق والزغاريد والهتاف الطالع من القلب، لا تحكمه إلا الفرحة باللعبة الفنية الجميلة والهدف الرائق في فرادته، لا انحياز، لا تحزّب، لا عربي ولا أعجمي، لا مسلم، لا مسيحي، لا ملحد، لا لا لا.
هذا صوت المواطن العربي الفقير والثري، ومن خليجه إلى محيطه، المواطن العاشق للجمال، والكرة جمال فني تنسجه أقدام لاعبين عشاق على فضاءات الملاعب. والمونديال الذي تتابعه الجماهير في مختلف أرجاء العالم، يحمل لنا في كل دورة من دوراته كبار العاشقين، في مواجهات تكلل دائما بفوز الأكثر إخلاصا وقربا، والذي لم يتوقف عن الحضور في فضاءات الملاعب محاورا للكرة، ومجددا ومبدعا بارعا للغته معها، فالكرة لغة وأسلوب وهيام وعشق، لا تعرف الكبر بل تنفر منه ليؤول مصير أصحابه إلى الهزيمة.
وكون المونديال هذا العام تستضيفه دولة عربية/ قطر في الفترة من 20 نوفمبر إلى 18 ديسمبر 2022، ويعد أول نسخة من بطولة كأس العالم لكرة القدم تقام في الوطن العربي، فإن فوز أي منتخب عربي سوف يشكل فرحة طعمها مختلف، فرحة ألقت الساسة وراء ظهرها. وهذا ما تجلى في الفرحة التي أطلقتها الشعوب العربية بفوز المنتخب السعودي على المنتخب الأرجنتيني، ثم تعادل المنتخب التونسي مع نظيره الدانماركي. وهي الفرحة التي تكشّفت في شوارع العديد من العواصم العربية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر على سبيل المثال، وتناقلتها وسائل الإعلام العربية، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشعوب ليست محبة لبعضها البعض فحسب، بل إن قلوبها قريبة جدّا من بعضها البعض.
أيضا كشف الفوز السعودي أن الشعوب العربية بحاجة إلى الانتصار، بحاجة إلى الفرحة، بحاجة إلى القوة، بحاجة إلى أن تقول لشعوب العالم أجمع، نحن العرب نملك القوة والفن والجمال، نملك الإرادة والقدرة على الفعل، نملك لغة للحوار وكلمة، نملك أن نكون يدا واحدة، فانتبهوا وأيقظوا سياستكم وسياسييكم من عنجهيتهم ومن كبرهم وكبريائهم.
إن المنتخب السعودي الذي لعب كرة فنية رائقة خالية من الانفعال أو الافتعال، يستحق التحية ليس للعبه الممتع وهدفيه الأكثر إمتاعا، ولكن لأنه أفرح الشعوب العربية في كل مكان وجعلها شعبا واحدا.