فوز الأسد بالانتخابات يعطل مسارات التغيير في سوريا

يخوض الرئيس السوري بشار الأسد انتخابات رئاسية يرفض الغرب الاعتراف بنتائجها لكونها تقوّض مسارات إنهاء الصراع في سوريا، كما يعتبرها إعادة إنتاج للنظام الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد. وبالنسبة إلى حلفاء الأسد - الروس والإيرانيين - تعتبر الانتخابات ورقة مهمة لإضفاء "شرعية" على بقائه وبالتالي حماية مصالحهم.
دمشق - صوت السوريون في الخارج الخميس في انتخابات الرئاسة المحسومة سلفا للرئيس بشار الأسد، وهي انتخابات ترى فيها المعارضة والغرب تعطيلا لمفاوضات إنهاء الصراع عبر بقاء الأسد رئيسا إلى ما لا نهاية.
ويبدو الرئيس السوري، الذي ستكرّس الانتخابات الرئاسية بقاءه في سدة الحكم لولاية جديدة تستمر سبعة أعوام، واثقا من أنه أنقذ نظامه في مواجهة عشر سنوات من الحرب التي قامت ضده بعد تفجر احتجاجات لقيت دعما عربيا وغربيا للمطالبة برحيله قبل أن تنطفئ حماسة إسقاطه.
ويهدف الأسد، الذي يحكم البلد بقبضة من حديد منذ يوليو 2000، عبر هذه الانتخابات إلى سدّ جميع الطرق المؤدية إلى العملية السياسية والإطاحة بكل الحلول والمسارات التي تبحث مسألة التغيير في سوريا.
وتتزامن الانتخابات الرئاسية مع عدم تسجيل أيّ تطور يذكر على صعيد لجنة إعادة كتابة الدستور المشكلة من كل الأطراف برعاية الأمم المتحدة.
وكان من المفترض أن يكون ضمن عملها موضوع انتخاب الرئيس، لكن إلى حدّ الآن لم يحدث أيّ تطور إيجابي على صعيد عملها وأثارت الكثير من الشكوك حول جدوى استمرارها.
وكانت الولايات المتحدة وأربع دول غربية أعلنت، بمناسبة مرور عشر سنوات على اندلاع الأزمة السورية، أنها لن تعترف بالانتخابات الرئاسية في سوريا.
وجاء في بيان مشترك عن وزراء الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والبريطاني دومينيك راب والألماني هايكو ماس والفرنسي جان إيف لودريان والإيطالي لويجي دي مايو أن “الانتخابات الرئاسية السورية المقررة هذا العام لن تكون حرة ولا نزيهة، ولا يجب أن تؤدي إلى أي إجراء دولي للتطبيع مع النظام السوري”.
الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، إضافة إلى الأمم المتحدة، لن تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية السورية
وأكدت القوى السياسية والفصائل العسكرية المعارضة للأسد أنها غير معنية بهذه الانتخابات وتعتبر برلمان الأسد فاقدا للشرعية ودعوته باطلة ولن تعدو كونها محاولة بائسة لإعادة إنتاج نظام الأسد.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت بدورها أنها غير منخرطة في الانتخابات الرئاسية، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 وأن التوصل إلى تسوية سياسية للصراع الدائر في سوريا عن طريق المفاوضات هو الأهم قبل البدء بإجراء انتخابات.
وعلى عكس عام 2014، تُجرى الانتخابات الرئاسية الحالية بعدما استعادت القوات الحكومية بدعم روسي مناطق واسعة إثر هجمات واسعة ضد الفصائل المعارضة، وباتت تسيطر على نحو ثلثي مساحة البلاد.
ووفقا للدراسات الإحصائية يبلغ العدد الإجمالي المفترض لسكان سوريا 26.38 مليون شخص، ويبلغ عدد السوريين في الداخل 16.47 مليون.
ويعيش في مناطق سيطرة النظام نحو 9.4 مليون، أي ما يقارب 57 في المئة من إجمالي عدد السكان، منهم نحو 40 في المئة تحت السن القانونية للانتخاب، حسب بيانات الأمم المتحدة؛ أي أن عدد من يحق لهم التصويت في الانتخابات يبلغ نحو 5.64 مليون شخص.
ويرى محللون أن الانتخابات بالنسبة إلى الأسد تشكل حالة مصيرية ووسيلة مناسبة لتكريس هذه الحالة، فيما تنافسه شخصيتان غير معروفتين هما عبدالله سلوم عبدالله المقرب من دائرة الأسد وأمين عام الجبهة الديمقراطية المعارضة محمود مرعي الذي يحسب على معارضة الداخل.

وتعني الانتخابات أيضا الاستمرار في الحكم والسيطرة على ما بقي من مقدرات البلاد، لأن الأسد لن يتخلى عن موقعه مهما كانت الظروف، إذ بمجرد مغادرته السلطة ستفتح في وجهه أبواب المحاسبة، بينما توفر له الانتخابات قدرا من الشرعية يحتاجها كدرع تقيه من المساءلة القانونية، ويبرر بها استمرار بقائه في الحكم.
ويشير مراقبون إلى أن الانتخابات ليست ضرورية للأسد وحده، بل ضرورية أيضا لحلفائه الروس والإيرانيين، لأن أي مسار آخر غير الانتخابات سيشكل مشكلة إضافية جديدة لهم، فيما هم عاجزون عن تقديم أي حل أو حتى رؤية لحل الأزمة السورية سوى اللعب ببطاقة استمرار الأسد في الحكم رغم كل شيء.
اقرأ أيضا:
وتتزامن الانتخابات مع أزمة اقتصادية خانقة تشهدها سوريا فاقمتها العقوبات الغربية وإجراءات احتواء فايروس كورونا، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع سوريون كثيرون، بينهم رجال أعمال، أموالهم.
واندلعت مواجهات بين لبنانيين وسوريين الخميس، على خلفية مسيرة مؤيدة للنظام السوري شمالي بيروت، تزامنا مع فتح باب الاقتراع للمواطنين المقيمين في الخارج.
وشهدت السفارة السورية لدى لبنان، حسب وسائل إعلام لبنانية، حالة من الاحتقان؛ حيث تداولت منصات التواصل الاجتماعي صورا ومقاطع مصورة لتدافع العشرات من الشباب اللبنانيين والسوريين، وسط حالة فوضى وتحطيم لزجاج سيارات، ما استدعى تدخل الجيش اللبناني لفرض السيطرة على موقع الحادث.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان 1.5 مليون لاجئ، يمثلون عبئا إضافيا على بيروت المنهكة اقتصاديا. و نحو مليون منهم مسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.