فوانيس رمضان بهجة تنير بيوت الصائمين

يمثّل الفانوس أحد أبرز مظاهر الاحتفالات بشهر رمضان، فبعد استطلاع الهلال تعلّق الفوانيس بجانب الزينات ويخرج الأطفال حاملين الفانوس للعب والاحتفال، فارتبط بشكل مباشر برمضان، حتى أنه أصبح معلما من معالمه متمما للشكلية الجمالية وجزءا من الفرحة، وأصبح ظهوره بمثابة العلامة على قدوم الشهر العظيم وإعلان عن بدء الصيام.
الاثنين 2015/06/22
الفانوس لم يعد أداة للإضاءة بل عادة تميز شهر رمضان

لم يكن الفانوس مجرد أداة للعب وإضاءة وتزيين الشوارع خلال شهر الصيام بل كان تراثا وثقافة، حيث صاحبته أغان ومواويل تزيد من حليته، عندما تردّد مع مقدم كل عام للشهر الفضيل: “حالو يا حالو، رمضان كريم يا حالو”.

وكلمة فانوس تعود إلى اللغة الإغريقية وتعني وسيلة الإضاءة، وكان الرومان هم أول من استخدموه في إنارة البيوت والشوارع، وظل يستخدم حتى القرون الوسطى، وتم انتقاله إلى العرب واستخدامه في الإنارة في عهد أمير المؤمنين الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث كان أول من استخدمه في إنارة المساجد والطرقات في ليالي رمضان، ليتمكّن المسلمون من إقامة الصلاة وإحياء شعائر الدين، لتصبح إنارة الشوارع في رمضان ترتبط بالفوانيس، وأصبحت تلك سنة متبعة من بعده.

وعرف فانوس رمضان في العصر الفاطمي، حيث بدأت حكايته مع دخول المعز لدين الله الفاطمي إلى مصر عام 853هـ، وكان ذلك في شهر رمضان حين خرجت جموع الناس لاستقبال موكب السلطان على مشارف صحراء الجيزة، وكانوا يحملون الفوانيس لإضاءة الطريق له، ومنذ ذلك الحين أصبح حمل الفوانيس في رمضان عادة لم تنقطع حتى وقتنا هذا.

وقد تعدّدت استخدامات الفانوس قديما، حيث كان يستخدم لتهيئة الطرق للمرأة ليلا، أيضا كان المسحراتي يهتدي بأضواء الفوانيس المعلقة في الشوارع وعلى أبواب المنازل، كما استخدم الصائمون الفانوس لمعرفة وقتي الإفطار والسحور، بحيث يجوز لهم الأكل والشراب طالما كان الفانوس مضاء، ويطفأ خلال فترة الصيام.

وتعتبر صناعة الفوانيس من الصناعات الرائجة في مصر، حيث يتم تصنيعه في ورش صغيرة تشتهر بها عدة مناطق، مثل ورش باب الشعرية وتحت الربع والسيدة زينب، وتتميّز تلك الورش بإنتاجها الغزير الذي يغطي أسواق القاهرة، بل وتصدّر بعض أنواع الفوانيس إلى الدول العربية المختلفة.

الفانوس التقليدي الزجاجي الذي يضاء بالشمعة يبقى أحبها وأقربها إلى الوجدانيات والتراث
وتستخدم في صناعة الفانوس أدوات بسيطة للغاية، وهي عبارة عن أداة لتصنيع الزجاج ومكواة للحام، ومقص لتحديد حجم الفانوس، ويمرّ تصنيعه بعدة مراحل، بداية من لحام الصفيح بالقصدير لتكوين الهيكل، ثم تركيب القطع الزجاجية، وحلقة صغيرة من الصفيح تستخدم لمسك الفانوس، حتى تثبت الشمعة في القاعدة الدائرية، وبذلك يتكوّن الفانوس من البرج المعدني والقلب والشمعة التي يختلف حجمها باختلاف حجم الفانوس، وهناك دائما جزء من البرج المعدني يستخدم كباب يفتح ويغلق لإدخال الشمعة منه، وتطوّرت صناعة الفوانيس لتتبدّل الشمعة بلمبة تنار بواسطة الكهرباء أو البطارية، هذا إلى جانب تطوّر الشكل والخامات المستخدمة، ليخرج الفانوس تحفة فنية من حيث نسق الألوان والأجزاء المستخدمة.

وتعدّدت أشكال الفوانيس حتى غدت صناعتها ضربا من فنون شتى، في أحجامها وفي أشكالها، ومع استحداث الفانوس الكهربائي بأنواعه المختلفة وما شابهه من أشكال أخرى، إلا أنه يبقى الفانوس التقليدي الزجاجي الذي يضاء بالشمعة أحبها وأقربها إلى الوجدانيات والتراث.

وتقام أسواق مخصّصة لبيع وشراء الفوانيس، تبدأ في الظهور قبل حلول شهر رمضان بأيام قليلة، لتتزيّن المحلات بأنواع وأحجام مختلفة وألوان وأشكال متعدّدة، لتنشر البهجة من خلال مشهد بديع يمثّل أحد المظاهر الرئيسية لشهر رمضان. ويقول أحمد حسين، صانع فوانيس بالسيدة زينب، إن صناعة الفوانيس في مصر من أبرز الحرف اليدوية التي يتميّز بها الصناع المصريون، لافتا إلى أن الأمر اختلف عن الماضي، حيث كانت صناعة الفوانيس عبارة عن صفيح وزجاج ملون، أما الآن فقد دخلت في الصناعة خامات مختلفة كالبلاستيك والخشب، هذا بجانب الأشكال الفنية المختلفة والإبداعات التي أضافت الكثير لتلك الصناعة، وجعلت الفانوس عملا فنيا تراثيا رائعا.

ويوضح حسين، أن صناعة الفانوس تمرّ بعدة مراحل، تبدأ بقص الصاج ثم تليينه حتى يتم إدخال الزجاج المطبوع، ثم مرحلة تشريح مكوناته، وهي الكعب والقبة، وبعدها تأتي مرحلة لصق مكونات الفانوس بمادة القصدير لينتهي لشكله النهائي، لافتا إلى أن الفانوس ليس مجرد أداة للإضاءة واللعب بل ثقافة وعادات تميّز الشهر الكريم.

20