"فن الحب".. فيلم عن الصراع بين الواجب المهني والعلاقات العاطفية

لندن - تدور أحداث فيلم “فن الحب” للمخرج التركي رجائي كاراجوز حول عميلة متخصصة في جرائم الفن في منظمة الشرطة الجنائية الدولية الإنتربول، تدعى ألين، تكتشف بالصدفة أن اللص الغامض الذي تلاحقه منذ فترة طويلة هو حبيبها السابق غوني، فتحاول إلقاء القبض عليه بينما تصارع مشاعرها المختلطة تجاهه، وتجد نفسها في صراع بين واجبها المهني كمحققة ومشاعرها العاطفية.
الفيلم من سيناريو بلين كارامهمت أوغلو وبطولة كل من بيركان سوكولو في دور غوني، إسراء بيلغيتش في دور ألين، وفرات تانيش في دور فيصل، بالإضافة إلى أوشان جاكير، وعثمان ألكاش، ونيل كيسر، وهاكان أوماك.
تبرز المشاهد الأولى للفيلم شخصية ألين عميلة الإنتربول المتمرسة وكيف يتم تكليفها بمهمة تعقب لص محترف يستهدف اللوحات الفنية الثمينة في أرقى المعارض، بعدها تتعقد الأحداث حين تجد نفسها وجها لوجه مع هذا اللص أثناء إحدى عمليات السرقة، لتكتشف أنه غوني، حبيبها السابق الذي تركها دون تفسير قبل سنوات، يعيد هذا اللقاء فتح جراح الماضي ويضع البطلة في مواجهة نفسية صعبة بين واجبها والتزامها تجاه وظيفتها ومشاعر الحب التي تكنها للسارق.
بنيت أحداث الفيلم على عناصر تقليدية مألوفة في أفلام التشويق الرومانسي، عندما يتداخل الحب مع الجريمة في قالب درامي يحمل وعودا بالكشف عن أبعاد نفسية مركبة للشخصيات، لكن يبدو عنصر الحكي محدودا في تطوير هذه الأبعاد، فالعلاقة بين ألين وغوني تطرح على نحو سطحي دون استغلال كامل لتعقيداتها السياسية قبل العاطفية أو الأخلاقية، بينما يمكن للحبكة أن تغوص أكثر في صراع ألين الداخلي بين حبها القديم وواجبها المهني لأن هذا يحدث كثيرا في الواقع ويحدث تغيرا قويا، لكنه اكتفى بعرض القصة بشكل مباشر دون بناء درامي محكم، كما أن دوافع غوني بدت مضللة، وهذا جعل شخصيته أحادية البعد تفتقر إلى البناء الذي يتطلبه مثل هذا النوع من القصص.
وجاء ظهور شخصية فيصل المشتري المتخصص في الفن المسروق باهتا لأنه لم يجسد قوة المافيا التركية المعروفة، وهذا الخلل أضعف إيقاع السرد فقد بدا دوره أقرب إلى الإلهاء وجعل عقدة الحبكة تفقد تركيزها الأساسي، وهذا يعبر عن غياب بناء محكم للحبكة لأن الأحداث تنتقل بسرعة من مواجهة إلى أخرى دون ترك مساحة كافية لتطوير العلاقات بين الشخصيات الرئيسية في ذروتها وخلق لحظات درامية مؤثرة.
وعكس الفيلم أداء مميزا من بطليه الرئيسيين، فالممثلة إسرا بيلجيك في دور ألين استطاعت أن تبرز قوة الشخصية وثباتها الظاهري، ومزجتها بلمحات من الضعف العاطفي الذي يكشف عن صراع نفسي داخلي متأجج، فقد عبّرت عن حالة التردد والارتباك التي تعيشها البطلة عبر لغة جسدها ونظراتها، بينما كان يمكن أن يمنحها الدور مساحات أوسع لاستكشاف أبعاد شخصيتها المهنية أكثر من العاطفية، خاصة في لحظات المواجهة مع غوني.
من جانبه تمكن الممثل بيركان سوكولو من أن يعكس طبيعة شخصية غوني المراوغة من خلال أدائه المليء بالثقة والتمرد، لكنه عانى من ضعف في بعض اللقطات التي لم تمنحه دوافع مقنعة لأفعاله خاصة في مشهد مساعدته للشرطة أو الخلفية النفسية التي أبرزت الجانب الإنساني لشخصيته في المشهد الأخير الذي يعرض فيه جميع اللوحات المسروقة.
ويحافظ الفيلم على إيقاع سريع يناسب طبيعة قصته، إذ تنطلق الأحداث بوتيرة ديناميكية منذ اللحظات الأولى، فنشاهد المطاردات ومشاهد السرقة بأسلوب يشد الانتباه، ثم سرعان ما يصبح هذا الإيقاع السريع عائقا أحيانا ولا يترك مساحة كافية لبناء التوتر الدرامي وعلاقته بعنصر التشويق في مشاهد الحركة والمواجهة، وهذا أحد أكبر التحديات التي يواجهها الفيلم حيث يميل تكوين اللقطات إلى التركيز على الأحداث السريعة والمطاردات على حساب المشاهد العاطفية التي كان من الممكن أن تثري الصراع.
ووظف المخرج رجائي كاراجوز مواقع تصوير أنيقة تنوعت بين إسطنبول والعاصمة التشيكية براغ لخلق أجواء ساحرة تغني جماليات الفيلم، مع تركيزه على التقاط التفاصيل المعمارية المبهرة للمدينتين، ليضيف على المشاهد بعدا بصريا يرفع من جاذبية الفيلم، بينما استخدم الزوايا العليا لإبراز عظمة المباني والمساحات المفتوحة، في حين ركزت اللقطات المقربة على جمال الأعمال الفنية واللوحات التي تشكل جزءا من موضوع الفيلم.
والمخرج رجائي كاراجوز، الذي أخرج أيضا مسلسل “الحديقة السرية”، هو مخرج تركي يتميز بنمطية واضحة في استغلال معاناة الماضي وتأثيرها على المستقبل، سواء في أعماله السينمائية مثل فيلم “فن الحب” أو التلفزيونية، وقد بدأ حياته الفنية كمساعد مخرج وصقل مهاراته الإخراجية تدريجيا، وكانت انطلاقته الأولى في عالم الإخراج من خلال المسلسل التلفزيوني “أريز”، الذي أخرج منه حوالي 45 حلقة بين عامي 2021 و2022، ليصبح لاحقا أحد أبرز الأسماء في الدراما التركية.
وتعاني السينما التركية من نمطية متكررة في اقتباس المسلسلات الدرامية وتحويلها إلى أفلام سينمائية، وأصبح من السهل على المشاهد توقع تطورات الأحداث ونهاياتها، سواء في الدراما التلفزيونية أو الأعمال السينمائية، ويعتمد هذا النوع من الإنتاج غالبا على قصص مستهلكة تعيد استحضار صراعات الماضي، وهذا يفقدها عنصر التشويق والتجديد، في حين تعتبر الأعمال التاريخية التركية وأفلام المافيا استثناء لافتا حيث تتميز بقوة حبكاتها وسردها المشوق الذي يستند إلى تفاصيل دقيقة وأداء متميز، ما يجعلها أكثر جذبا للجمهور.