فن البوستر السينمائي بوصفه إبداعا خالصا في الحقبة السوفييتية

الملصقات الدعائية جزء من منظومة فنية أضاءت تاريخ روسيا.
السبت 2022/01/22
صناعة روسية مميزة

كان الملصق الدعائي في القرن الماضي وقبل ظهور التلفزيون ووسائل التواصل الحديثة هو النافذة الأولى التي تعرّف بالفيلم وتقدم صورة عنه من شأنها جذب المشاهدين إلى قاعات السينما، لكنه يعتبر أيضا عملا فنيا يخضع لضوابط وأساليب محددة ويختلف من بلد إلى آخر، حتى أنه صار عنوانا لبعض الحقب التاريخية المعاصرة وأيديولوجيات الحكام وحتى توجهاتهم السياسية.

عبر مسيرة السينما التي قاربت المئة وثلاثين عاماً بقي فن البوستر السينمائي علامة فارقة وركنا أساسيا من أركان عملية الترويج للفيلم حتى أنه لا يمكننا تخيّل فيلم بلا بوستر (ملصق دعائي).

وعبر تاريخ السينما كان البوستر في البدايات المبكرة عملا فنيا مرتبطا بفعل يدوي حاله حال أيّ لوحة فنية تستند إلى استيحاء ملامح الشخوص وطبيعة وموضوع الفيلم وفكرته.

ومن بين التجارب العالمية الملفتة للنظر حتى الآن التجربة السوفييتية المرتبطة بالاتحاد السوفييتي السابق (1922 – 1991) التي كانت ومازالت لها بصمتها الخاصة، وهي إلى غاية الآن موضع اهتمام الدارسين والنقاد الجماليين، وهو ما نشرت عنه صحيفة الغارديان البريطانية تغطية خاصة.

لا شبيه لها

واقعيا لا تشبه ملصقات الأفلام الروسية الطليعية من منتصف العشرينات إلى أوائل الثلاثينات أي ملصقات أفلام تم إبداعها على الإطلاق.

وعلى الرغم من أن فترة الحرية الفنية في الاتحاد السوفييتي كانت قصيرة إلا أن هذه البوسترات القوية والمذهلة تظل من بين أكثر البوسترات قربا إلى العمل الفني المتكامل تألقًا وإبداعًا.

☚ الملصقات ميّزت أعمال الفنانين السوفييت وصارت بمثابة ميزة لهم وعلامة مميزة لا يشبهها منجز أي أحد آخر
الملصقات ميّزت أعمال الفنانين السوفييت وصارت بمثابة ميزة لهم وعلامة مميزة لا يشبهها منجز أي أحد آخر

وقد جرب فنانو الملصقات السينمائية الروسية نفس التقنيات السينمائية المبتكرة والمستخدمة في الأفلام التي كانوا يعلنون عنها، مثل اللقطات القريبة جدا والزوايا غير العادية والمواقف الدرامية.

يمكننا النظر مليّا في أسرار تلك الصنعة في تلك الحقبة، إذ قام فنانوها بترتيب عناصر متباينة لجهة الشكل، وقد مزجوا التصوير الفوتوغرافي بالطباعة الحجرية، وكانت لهم عناية فائقة بعنصر الحركة من المشهد إلى جانب العناية بتعبير الشخصية أو أدائها لأي حركة ما.

 قام صانعو البوسترات السينمائية الروسية بتلوين الوجوه البشرية بألوان زاهية، وغيروا الأشكال والأجسام، وكسوا أجساد البشر بأجسام حيوانية، وحولوا مضامين الأفلام إلى جزء لا يتجزأ من التصميم. وبصفة عامة لم تكن هناك قواعد ثابتة بقدر ما كان هنالك خيال يقود الفنان.

خلال تلك الفترة القصيرة من الحرية الفنية قبل الحقبة الستالينية كانت ملصقات الأفلام الطليعية هذه جريئة ومبتكرة مثل أفلام تلك الفترة ذاتها.

غيرت ثورة 1917 الحياة في روسيا سياسيًا واجتماعيًا وفنيًا. أصبح الفن قوة مهمة في تشكيل مستقبل الدولة الجديدة. عبّرت شعارات مثل “الفن من أجل الحياة” و”الفن متفاعلا مع التكنولوجيا” عن الاعتقاد السائد بأن الفن لديه القدرة على التفاعل مع الحياة على كل المستويات.

علامة سوفييتية مميزة

الأخوان ستنبرغ: جورجي وفلاديمير (1920)
الأخوان ستنبرغ: جورجي وفلاديمير (1920)

تطورت أساليب فنية متنوعة بالتزامن مع نظرية البنيوية والواقعية والفن التعبيري والفن البروليتاري في وقت واحد. وما كان ملفتا للنظر أن تلك الملصقات قد تميزت بالجودة العالية على الرغم من أن الفنانين غالبًا ما كان يتوجب عليهم الإسراع في الالتزام بالمواعيد النهائية للإنجاز والتسليم والتي تبدو أحيانا شبه مستحيلة، وهو ما تحدث عنه كل من فلاديمير ستينبرغ وميخائيل دلوغاش -وهما اثنان من أشهر فناني الملصقات السوفييتية- إذ لم يكن أمرا غريبا أن يشاهدوا فيلمًا في فترة ما بعد الظهر وأن يُطلب منهم تقديم الملصق المكتمل في صباح اليوم التالي.

علاوة على ذلك كانت معدات طباعة الملصقات تتداعى وكانت التكنولوجيا بدائية.

والطريف أنه كان على رسامي ومصممي بعض البوسترات إنجاز عملهم دون أن يشاهدوا الفيلم، وخاصة بعض الأفلام الأجنبية، وغالبًا ما كان يتوجب على الفنانين تكوين فكرة الملصق من خلال ملخص قصير للفيلم، ولقطات دعائية، أو مجموعة صور أو تقارير صحافية من هوليوود مدعومة بالصور.

ملصقات الأفلام الروسية الطليعية من منتصف العشرينات إلى أوائل الثلاثينات لا تشبه أي ملصقات أفلام تم إبداعها على الإطلاق

وهنا يمكننا أن نتخيل رد فعل أولئك الفنانين – المصممين في تلك الحقبة، فبعد الجهود المضنية التي كانوا يبذلونها لإنجاز البوسترات سيجدون أن أعمالهم ستتم إزالتها ورميها جانبا بعد بضعة أسابيع وحتى تمزيقها ربما، لهذا كان من المدهش أن أولئك الفنانين قد استمروا في السعي للحفاظ على هذا المستوى العالي.

في عام 1932، وبعد ثماني سنوات من وفاة لينين، أصدر ستالين مرسومًا ينص على أن النوع الوحيد من الفن المعتمد رسميًا هو الواقعية الاشتراكية.

 كان كل من الموضوع والأسلوب الفني مطلوبين لتصوير مشهد واقعي (يمكن أن نطلق عليه صورة مثالية) للحياة السوفييتية بما يتفق مع القيم الشيوعية. مثل مرسوم ستالين نهاية فترة التجريب الطليعي التي مثلتها البوسترات حتى وقوع ذلك التحول.

ربما يكون ستالين قد أغلق نافذة الإبداع بالنسبة إلى أولئك الفنانين المتمرسين، ولكن ليس قبل أن يضيء التاريخ بالبعض من أكثر الملصقات روعة على الإطلاق، فالخيال والذكاء والإبداع المعروض في ملصقات الأفلام هذه لم ينافسها أحد في أي مكان في العالم وهي التي ميزت أعمال الفنانين السوفييت وصارت بمثابة ميزة لهم وعلامة مميزة لا يشبهها منجز أي أحد آخر.

Thumbnail
14