فنان مغربي يجمع الرسم والشعر والموسيقى في "مقامات حروفية"

الرباط - يستعد الفنان الحروفي والشاعر المغربي عزالدين الجنيدي خلال الأيام القليلة القادمة لتقديم عمله الفني الحروفي الجديد تحت عنوان “مقامات حروفية”.
ويتكوّن هذا العمل الإبداعي من ثماني عشرة لوحة من مختلف الأحجام يقدّم من خلالها الفنان/ الشاعر نظرة جديدة وتصوّرا مغايرا عن التشكيل الحروفي بأبعاده الفنية المعاصرة.
فالشاعر الذي يراقص الكلمات بكل حرفية، والخطاط الذي يلاعب الحروف بتقنية حداثية، والفنان التشكيلي الذي يهوى مزاوجة الحروف بالألوان ويعزف لها على آلة العود بكل نغمية، اختار في منجزه الجديد الجمع بين الفنون الثلاثة لتتعانق الكلمات بالألحان وبالألوان في كل واحد.
وعن هذا التوجه يقول “الاشتغال على هذه الأشكال الفنية العربية، الموسيقى والخط العربي ثم النظم الشعرية.. هي دون شك أبعاد تتقاطع في ما بينها رغم وجود اختلاف على مستوى التقعيد والتجنيس، إنها تشكّل نسقا من المتعة سواء مجتمعة أو متفرقة”.

عزالدين الجنيدي: الموسيقى والقصيدة والخط العربي، كل لا يتجزأ في منجزي الفني
ويضيف “مجتمعة لأنها تعطينا فكرة عامة عن جزء هام من ثقافتنا العربية الزاخرة بالعطاء والإبداع عبر التاريخ، ومتفرقة لأنها تبيّن الجوانب المشرقة التي اشتغل عليها المبدعون تطبيقا وتنظيرا.. ما يهمني هنا هو حدود التلاقي التي يمكن رسمها بين هذه الأنماط الفنية الثلاثة وتقديمها في صورة جديدة نؤسس لها في إطار مشروع رؤية جديدة لإعادة النظر في الكائن، والتفكير بعمق في ما يمكن أن تكون عليه صورة المنتوج الفني العربي انطلاقا من هذه الرؤية التاريخية”.
ويعتبر “مقامات حروفية” قفزة نوعية في مسيرة الشاعر والتشكيلي الجنيدي تتجاوز المعتاد إلى مجال حروفي معاصر أكثر حرية، ممّا يكشف عن بلاغة متعددة المعالم الفنية وعن موسوعة ثقافية ومعرفية وفكرية، وعن قدرة إبداعية بقدر ما أنتجته هذه التجربة من جديد فني ومن حمولة جمالية ذات خصائص متفرّدة تظهر حجم القدرات الفنية الهائلة للفنان/ الشاعر ومن تصوّرات ورؤى مركزية يبرهن بها على قوة هذا المسلك الفني في التشكيل العالمي المعاصر.
وعزالدين الجنيدي من مواليد سنة 1962 بالدار البيضاء، حاصل على الإجازة في الأدب العربي شعبة اللسانيات من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بعين الشق، انخرط في العديد من الجمعيات منذ طفولته، وكانت آخرها جمعية “الشعلة”.
انطلقت مسيرته المهنية سنة 1994، حيث تقلّد خلالها عدة مسؤوليات، فكان أول مدير لمركب ثريا السقاط ومديرا للمركب الثقافي للمعاريف ورئيس المصلحة الثقافية بنفس المنطقة والمسؤول عن لجنة التنشيط الثقافي للمكتبة الوسائطية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني وأول مؤسس للصالون الثقافي لمؤسسة مسجد الحسن الثاني، وهو يشتغل حاليا كرئيس لقسم الشؤون الاجتماعية والتنمية التشاركية ومدير المركب الثقافي عبدالله كنون بعين الشق.
واهتمامات الجنيدي متعددة، وتتنوّع مواهبه التي ترتكز على عمق عشقه لكل ما هو عربي عريق، وقد دخل غمار الفن التشكيلي في إطار مسيرته الجمعوية خصوصا في مجال الفن العربي وفن الحروف، شارك في العديد من المعارض للخط وعمل خطاطا في صحف مغربية ثم مارس العزف على العود.
وعن الخط العربي يقول الجنيدي “الخط العربي من الفنون العربية الأصيلة والتراثية التي يمتد تاريخها إلى القرن الأول الهجري، لكنها بلغت غاية الإتقان والجودة على يد الخطاطين المسلمين من العرب والأتراك والفرس..”.
ويواصل “اتفق الفنان العربي على وضع قواعد ومعايير تتأسّس على مسألة قياس مساحة الحرف بعدد النقط والتي تكون عادة بنفس سمك القلم الذي يكتب به، فحرف الباء في خط الثلث مثلا اتساعه ست نقط، ممّا يعني أن طول الباء يجب ألا ينقص أو يزيد على هذا القياس، وحتى إذا جنح الخطاط إلى التطوّر فيكون ذلك دون خرق أو نبذ للأصول أو اقتلاع للجذور، فالخط العربي هندسة روحانية تضعف بالإهمال، وتتقوّى بالمران والجهد المتواصل، بعد أن وضعت له أنواع متباينة بتباين الأشكال والرسوم، كخط النسخ والرقعة والديواني وجلي الديوان والفارسي والكوفي والثلث والإجازة إلى غيرها من الأنواع الخطية الأخرى، وأنا عاشق لها جميعا بما تمنحه من جمالية وخصوصية لا يأتيها إلاّ الخط العربي”.
أما الجندي الشاعر فقد تميّز شعره بالحكمة والعمق اللذين برزا خصوصا من خلال ديوانه “أبدا لن أسابق الجراح” سنة 2014، ثم تلاه “إشراقات في حضرة الخلوة” سنة 2016.
وهو الديوان الصادر عن دار “فضاءات للنشر والتوزيع والطباعة”، بالعاصمة الأردنية عمّان، والذي أتى مصحوبا بقرص مدمج يحتوي على قراءات صوتية من الشاعر ذاته.
وعنه قال الباحث والناقد المغربي الشريف البشي “فادح هو العالم في مرآة الجنيدي، وأكثر مأساوية ما يخبّئه له الغد حين كان الاضطراب في نسغ تشوّفه. تذهب إليه العبارة دون اكتراث برماد المرحلة وتيهها والإحساس وفقها بضجر الوجود، لتنفتح على كل محتمل منقوع في الألم وحشرجة الوقت حيث أمبريالية الجملة الفعلية المنتصرة لتخوم النثري”.
وأضاف البشي “هنا في هذه التجربة تنطرح الأنا ‘المشعرنة’، في ما يشهد على مستقبليتها هي، وفقط هي وحدها، مع ترتيب جديد على مقاس الذوق الخاص بعيدا عن فوبيا الرقيب، هو هنا يرسم نوستالجيا العودة المشبعة بالميثولوجي في استعادة لا تفسّر للسفر إلى ‘إيثاقاه’، مدينته المحلوم بها، تعادلها موضوعيا هنا الذات الشاعرة، سكنتها حالة من الاغتراب الوجودي وقلقه”.