فنان عماني يستعمل ألعاب الورق والهندسة للتعبير عن هموم الناس

الفنان التشكيلي علي فيصل المحضار يرى أن الفن رسالة واللوحات ثقافة بصيرة.
الثلاثاء 2021/07/13
لوحات مستوحاة من الألعاب

يعتبر العماني علي فيصل المحضار أحد أبرز الفنانين في مجال الرسم والتصوير، وفي مجال الأعمال التركيبية بالجمعية العمانية للفنون التشكيلية؛ وقد تمكن على امتداد عقدين من تجربته الفنية من أن يرسّخ خصوصية فنية فريدة. هنا في هذا الحوار نقترب من عوالم الفنان التشكيلي العماني ومن تجربته بصفتها أسلوب فن وحياة.

مسقط – يقدم الفنان العماني علي فيصل المحضار، رؤيته الفنية بشكل مغاير ومختلف، فهو يرى أن الحياة معترك يتوجب الوقوف على تفاصيلها وترجمتها فنيا، وتقديمها في قوالب فنية ممتعة للمتلقي.

هذا التمشي القائم على ترجمة تفاصيل الواقع أسس من خلاله الفنان على امتداد تجربته لما يناهز الـ20 سنة خصوصيته، فالمحضار يتناول فنه وكأنه في حالة تسابق في التقاط الفكرة والاشتغال عليها بمشاهد بصرية بها تفرد مشتعل بالتكوينات الهندسية، فأنت تشاهد التصاعد اللوني والصراع الذاتي لكل فكرة في كل لوحة، كما أن علاقته بصور الورق ومفاهيمها أسست طريق حياة مختلف.

علي المحضار: في لوحاتي أحاول الاقتراب من حياة الناس والتعرّف على خصائصها
علي المحضار: في لوحاتي أحاول الاقتراب من حياة الناس والتعرّف على خصائصها

المرأة والرجل

في حديثه عن الرسم وأساسياته التي يستند عليها وخصوصية العلاقة التي تربطه باللون وحكايات الفرشاة؛ يقول علي فيصل المحضار “لا بد أن نعي أن الفكر والإبداع والفن مميزات مع كل إنسان، ولكن التعبير عن تلك المميزات يختلف بقدر العلم والمعرفة والقدرات، فهناك من لديه القدرة ليعبّر بالكتابة وآخر ليعبّر بالكلام والبعض بالأفعال، وهناك النقيض، فعلى سبيل المثال، حتى الأمور غير الجيدة تقدم بصور شتى مع ذات الإنسان، بما في ذلك الكراهية أيضا، ولها صنوف شتى، مرورا بالتفاصيل الأخرى المرتبطة بالحياة اليومية والتي تؤكد أن لكل إنسان فهمه في تقديم إبداعه”.

ويضيف “تجربتي، فهي محصلة لسنوات ليست بالقصيرة، جاءت بعد تمحيص وتجارب عديدة واطلاع معرفي فني حاولت من خلاله الاقتراب من حياة الناس والتعرّف على خصائصها وأبجدياتها، وهذا مقرون بالإدراك التام بأن لكل إنسان حقه في إظهار إبداعه بالطريقة التي يريدها ويراها مناسبة لتكون بين يدي متلقيه، وما هذا الإدراك إلا ذلك العلم التام بأن لكل إنسان مجاله ومساره الصحيح اللذين يشقهما بطريقته الخاصة مع الطموح للمزيد من التألق وصولا إلى بلوغ النهايات”.

للفنان المحضار عمل فني تشكيلي جديد، يحمل عنوان “الجوكرـ الملك والملكة”، أنهى الاشتغال عليه منذ مدة قصيرة، وفي هذا المسار يقف المتأمل معه حيث تلك النهاية القريبة، وهنا يقدم المحضار ماهية عمله الجديد الذي يأتي برؤية تشكيلية مكملة لما سبقها من أعماله، حيث اللعب على وقع الفكرة التي مثلت أسلوبا فنيا متكاملا، وهذا ما يؤكده بقوله “في هذا العمل الفني  ‘الجوكرـ الملك والملكة‘، ثمة تجربة تتحدث عن صراع أزلي بين عالمي الرجل والمرأة، حيث تلك المفاهيم المرتبطة بالظلم الإنساني، والتي دائما ما تفرز ‘ظلم القوي على الضعيف‘، لكن أقول ومن خلال هذا العمل إنه لا يوجد فرق بين الرجل والمرأة، جميعهما سواسية، في الشكل والروح”.

ويتابع الفنان العماني “أعتقد أن الاختلاف يكمن في فهم المعاني، فلكل طرف فهمه الخاص للظروف المحيطة به، بما في ذلك المحيط الديني أو السياسي أو الثقافي الفكري والذي دائما ما يؤثر في العقل بينهما، وهنا ينتج عدم التوافق التام، لذلك نرى صورا غير مستقرة بين الطرفين، حيث ‘يقوى القوي، ويضعف الضعيف‘”.

ويبين المحضار أننا نجد في جميع أوراق اللعب أن الرجل يحمل السيف والقوة والجاه مع سيطرته، ولا يضع أي اعتبار لعالم المرأة، على الرغم من أنها هي من أنجبته وعلمته وتعبت في رعايته، مع دعائها الدائم المؤثث بالأمل له، وخير مثال على ذلك، تلك المقولات التي تجسد قوة الرجل وعلاقته بالمرأة ومن بينها “وراء كل رجل عظيم امرأة”، في المقابل يشير العمل إلى أن المرأة تحمل وردة، يفسرها البعض، بأنها “رمز الضعف”، لكنّ هناك تساؤلا صريحا يتمثل في، هل المرأة ضعيفة؟ هل هي أقل شأنا من الرجل فعلا؟ ولماذا يصور العالم المرأة بهذا الشكل؟ وثمة رؤية واضحة على ذلك تتمثل في سؤال استنكاري ومفاده “هل تعلم بأن المرأة هي من تضعف نفسها بإرادتها للعالم”، والإجابة هنا تؤكد أن المرأة قوية وتستطيع تحويل ذلك الضعف إلى قوة في جميع النواحي، ويكفينا فخرا بسيدات نساء العالمين، فللمرأة مكانة رفيعة، أقرها الدين الإسلامي عندما أوضح في “أمك ثم أمك ثم أمك.. ثم أبيك”.

ويضيف المحضار “في اللوحة أيضا الرجل يضع حصانه في عالم المرأة فارضا أسلوبه وشخصيته على عالمها الضعيف، رغم احتياجه لها فهي -في الأساس- مصدر قوته، ولكنه لا يريد أن يعترف بضعفه مقابل المرأة، واحتياجه لها، ففي نظره، المرأة ضعيفة دائما، وباختصار شديد هذه اللوحة تفسر ذلك الصراع الأزلي بين الطرفين المهمين في هذه الحياة، واللذين لا يمكن استمرارية حياتهما دون بعض، وإن وجد الجدال في خصائص حياتهما لظهرت النتائج غير المحمودة، فلكل مخلوق خصائصه التي قد تكون غير مكشوفة للآخر وهذا ما سيوجد نوعا من التواصل المبتور البعيد عن أسس التفاهم والتسامح”.

التجريب الفني

الفنان في اختبار دائم مع لوحاته الفنية، والتي يحرص على أن تكون غير اعتيادية، وبأفكار غير مسبوقة
الفنان في اختبار دائم مع لوحاته الفنية، والتي يحرص على أن تكون غير اعتيادية، وبأفكار غير مسبوقة

للمحضار رؤية خاصة في تقديم أعماله الفنية ومعالجة أفكارها، لتكون بين يدي المطلع تتمثل في رسم ألواح الشطرنج، ولاعبي الورق، أضف إلى ذلك العناكب وغيرها، هنا يفيد لماذا هو مسكون بهذا التوجه، موضحا تلك القيمة الفنية السريالية في هذا الشأن الفني، يقول “الإنسان بطبيعته ذو فطرة مجبولة على اللهو واللعب، فهو لا يحبذ التقيد، وراغب في الترفيه واللهو والاستمتاع، وأنا من وجهة نظري أحاكيه بهذه الطريقة، فهو في راحة دائمة لعدم وجود قيود وحواجز”.

من ذلك المنطلق يبيّن الفنان أنه يستطيع إيصال رسالته الفنية إلى المتلقي، مع التفرد بأعمال وألعاب عالمية تحاكي واقعه وما حوله؛ إذ يفتش الفنان عن كل ما هو جديد حوله وقابل للفت الانتباه، ومن هذا المنطلق يؤكد على أن الفن رسالة، ولا بد أن يقدمها للمتلقي بالصورة التي يحبها ويودّ اكتشاف ذاته من خلالها، مضيفا “أشعر بسعادة وأنا أضع الفرشاة والألوان على لوحاتي كي تكون شاهدة على تجاربي”.

يتطرق المحضار إلى تلك الرسالة التي تشغل واقع الفن لديه على وجه الخصوص والتي دائما ما يحرص على أن تكون في مواءمة مع لوحاته الفنية، يقول “أنا في اختبار دائم مع لوحاتي الفنية، والتي أحرص على أن تكون غير اعتيادية، وبأفكار غير مسبوقة لتضيف الإبهار لمن هم حولي، أو أولئك المتتبعين لي”.

ويضيف بأن الاشتغال على رسالة الفن أمر بالغ في الدقة، وعلى الفنان أن يكون أكثر حرصا في انتقاء مفردات فنه، فعندما يعمل الفنان التشكيلي على إيجاد سلوك فني مميز في محيطه، فذلك يعني أنه قام برسم خارطة طريق متفردة تؤسس مشواره، وهنا تتجسد أهمية اللون وقيمة اللوحة التشكيلية التي يعمل على إيصال أفكارها وهواجسها، وبعد حين سيتولد ذلك الانطباع المترسخ في ذهن المتلقي والمكرس على وضوح تلك الرسالة وأهميتها والقيمة المعنوية لها.

ويشير في هذا المقام إلى أن التجارب الفنية الجديدة والمبتكرة، غير دائمة ووقتية والعالم من حولنا لا يتقبلها ولا يفهمها بالصورة التي يتمناها كل فنان، لكن يجب أن نؤمن بأن ما يقدم في قوالب فنية تشكيلية، هو في نهاية المطاف ثقافة بصرية، ولها جمهورها النخبوي أيضا.

للمحضار العديد من الأعمال والبرامج التي جسدت تجربته الشخصية على مدى السنوات الماضية، يقول “التجارب والإضافات في حياة الفنان التشكيلي كثيرة، كغيره من المبدعين في أي زمان ومكان، لكن بعض المتلقين غير مدركين لتلك الطفرة الفنية التي هي في تطواف دائم مع العالم حولنا، فهو لا يزال ضمن أطر وأساليب قديمة، حيث تلك اللوحة الواقعية والصورة الضوئية التقليدية، أظن أن على الملتقي أن يكون أكثر دراية بما يطرح من فن تشكيلي، فالعالم يتطوّر في أساليب الحياة الأخرى، وأيضا فهو يتكور في الفنون وآدابها ومساراتها”.

ويتابع “دعني أقول إنني حاولت كسر الواقع بحركة فنية قمت بها منذ فترة في إحدى المسابقات الفنية، وهي أنني أدخلت دراجة نارية في التنافس على مراكز المسابقة بطريقة فنية رائعة، وفزت بها أيضا، كما أنني قمت بالعمل على غطاء محرك السيارة، وأنجزت منه عملا مميزا، مرورا بتلك اللوحات وتجهيزها بالفراغ، مع استخدام الملصقات لأول مرة في أعمالي الفنية وكل هذه أفكار جديدة وعصرية لكنها للأسف قد تكون غير مفهومة وتعد جديدة في مجتمعنا الفني المحيط”.

Thumbnail

الفنتازيا فكرة محفزة وواقعية في أعمال كل فنان يعشق المغامرة والابتكار، والتجريب أيضا، هنا يوضح المحضار “المغامرة والابتكار، أمور لحظية ووقتية وفهمها قد يكون قاصرا بين الفنانين، لكن أوضّح أن التجارب ممتعة وتدريب العقل على الخيال والإبداع أمر مطلوب، ومن الجيد أن تكون للفنان رياضة يتعامل بها مع عقله الفني، والمتأمل في خلق الله في كل مكان، سيجد أن كل أمر خلق بصورة تأخذ اللب، وبصورة تتجاوز العقل البشري، وعليه فإن العقل الفني يجب أن يكون مبصرا وفاحصا في تناول الأشياء حوله وأن يترجمها بما يراها وأن تكون أكثر اختلافا ووقعا على العقل والروح، وهذه هي مهمة الفنان”.

في نهاية هذا الحوار يبين المحضار كيف يمكن للفنان التشكيلي أن يكون أكثر قربا من حيثيات يومه وتفاصيله، كما يجدها المتتبع لأعماله الفنية في لوحة “الجندي المجهول”، واللوحة “الجوكر”، والتي أفرزت العديد من الصور التي قد تبدو أكثر وهجا في حقيقتها.

15