فنان عربي في بافاريا

كلما أقام الفنان البحريني راشد آل خليفة معرضا جديدا في إحدى المدن الأوروبية أفكر في سخاء الظاهرة الثقافية التي تقف وراء تلك المحاولة وهي تقدم الشخصية العربية المعاصرة من خلال لغة لا تحتاج إلى ترجمة هي لغة الفن. ولا يمكن أن يكون ذلك مقنعا ما لم تكن الأعمال الفنية المعروضة تجسد اتصالا عميقا بجوهر الفكر العالمي المعاصر لا من موقع الاتّباع بل من موقع الإبداع الريادي، وهو ما حرص عليه آل خليفة في كل معارضه السابقة. وليس معرضه الحالي “بساطة دائرية” المقام في أحد متاحف ولاية بافاريا الألمانية إلا استمرار لروح الاختراق التي تتفاعل إيجابيا مع الظاهرة الفنية العالمية التي تنحو في اتجاه خلق تاريخ جديد للفن بعد أن غلب الطابع الاستهلاكي على العروض الفنية.
في كل معرض من معارضه يعمل آل خليفة على التفكير في مفردة، صغيرة أو كبيرة، ذلك لا يهمه، تلك الفكرة هي مفتاحه للولوج إلى منطقة جديدة تسمح له بإلقاء الضوء على طريقة في التفكير الفني لم يسبقه إليها أحد. لذلك يمكن القول إن الفنان عبر معارضه المتتالية كان حريصا على أن يضعنا في إطار تطور رؤيته الفنية وهي رؤية ليست مسبوقة بالرغم من أنها غير منقطعة عن مرجعياتها العالمية.
وكما أرى فإن الفنان البحريني الذي كان في أوقات سابقة حريصا على استلهام مفردات جمالية تراثية ببصيرة معاصرة يعمل عالميا في اتجاهين.
اتجاه يقدم من خلاله خلاصة تجربته الفنية التي لا تقل قيمة عن التجارب المعاصرة وهو ما شجع المتاحف العالمية على الاحتفاء به، واتجاه يخلق من خلاله صورة للشخصية العربية في حقيقتها بعيدا عن التبسيط الإعلامي الذي لم يكن بريئا من الأغراض السياسية.
ذلك هو السبب الذي يجعلني أركز على الظاهرة الثقافية التي تنطوي عليها معارض آل خليفة. باستثناء مشاركته في “آرت إيجيبت” في هضبة الأهرامات بعمل كبير متعدد الأجزاء فإن آل خليفة لم يقم معرضا شخصيا في مدينة عربية لا لشيء إلا لأنه يفكر في حاجة الثقافة العربية إلى الانفتاح على العالم وفي الوقت نفسه حاجة العالم إلى التعرف على حقيقة الثقافة العربية. بهذا المعنى ينطوي كل معرض من معارضه على مهمة رسولية. غير أن الأهم إنما يكمن في أن الفنان الذي تكشف أعماله عن خبرة ومعرفة عميقتين بتحولات الفن المعاصر يقدم في كل معرض من معارضه تجربة فنية تبهر الآخر الأوروبي من جهة حاجته إليها.
ما يعجبني في شخصية راشد آل خليفة أنه بالرغم من تواضعه على المستوى الإنساني يعرف أين يعرض أعماله بما يليق بها كما أنه يدرك جيدا أن الأثر الذي يتركه إنما هو مكسب تاريخي لأمته.