فنانون يعرضون الهوية العمانية ورمزيتها في لوحات معاصرة

معرض "لوحات معاصرة" المشترك يقدم تجارب فنية تعكس رؤى أصحابها تجاه الهوية ومكوناتها.
الثلاثاء 2025/01/21
ألوان تشكل هوية الإنسان وواقعه

مسقط- تحتضن صالة “ستال للفنون” بالعاصمة العمانية مسقط، معرضا بعنوان “لوحات معاصرة” يجمع الفنانين العُمانيين حسن مير وأنور سونيا وإدريس الهوتي، يعرضون أعمالهم الناطقة بالهوية العمانية المتجذرة بعمق في رمزيتها وألوانها النابضة بالحياة.

ويقدم المعرض الفني التشكيلي المشترك الذي تستمر أعماله حتى منتصف شهر فبراير المقبل، تجارب فنية تعكس رؤى أصحابها تجاه الهوية ومكوناتها وأهم رموزها التي تشكلت منها والتي رصدوها وعرفوها عبر مراحل مختلفة من أعمارهم، مع اهتمامه بتوثيق التغيرات الثقافية والاجتماعية والبيئية. إلى جانب تجارب فنانين أجنبيين هما عبدالله الهيطوط وهزر فورد.

ويقترب الفنان حسن مير من خلال لوحاته الفنية، من الهوية الوطنية العُمانية بمزج ذكريات طفولته في صور رمزية ومناظر طبيعية في سلطنة عُمان. وفي لوحاته الفنية، تأتي الطفولة كجزء من الذاكرة، كونها علاقة متجذرة تتوافق مع اللحظات الأولى للتنشئة والثقافة المجتمعية في محيط يعتز بهويته، حيث تتشكل في سياق مفردات يومية من ألعاب وقصص وأغنيات ومناسبات تتعدد أوجهها ورؤاها، مما يشكل الذاكرة الجماعية للأفراد.

بوكس

ويستمد حسن إلهامه بشكل كبير من التغيرات في الهوية الثقافية، ويدرس الهوية الفردية بالنسبة للتجربة الجماعية من خلال أعماله التركيبية. وتشير لوحاته إلى أن الذاكرة، وفق ما جاءت به لوحات مير، ليست مجرد إعادة استذكار للماضي بل هي إعادة بناء لهوية ذات عمق تاريخي وإنساني وثقافي، مما يعطي إحساسا عميقا بالانتماء الوطني.

وتذهب لوحات الفنان في هذا المعرض لتقترب من البيئة العُمانية وتشكل أنماطها الجغرافية، فهي جزء لا يتجزأ من الصورة البصرية للمجتمع العُماني في سهوله ووديانه وصحاريه ومناطقه الحضرية ومدنه المتقدمة. والراصد لتلك اللوحات يجد أن طبيعة سلطنة عُمان ليست مجرد شواهد بصرية عابرة، بل وجود حي يسهم في تشكيل هوية الإنسان وواقعه الاجتماعي والثقافي.

وفي هذا السياق، يحضر الفنان التشكيلي أنور سونيا بتفسيرات فنية حديثة من خلال لوحاته في المعرض، ليؤكد على التقاليد المتعددة في سلطنة عُمان من خلال استخدامه للألوان والأشكال التي تتوافق مع جوهر البيئة المحيطة به.

ويعرف سونيا باستلهامه رموزا وعناصر من منطقة ظفار، موطنه الأصلي، حيث يدمج الخط العربي في تجريدياته ليضيف بُعدا رائعا إلى أعماله. وهو في هذا المعرض المشترك يجسد الثقافة العمانية التقليدية من خلال تصوير الرقصات الشعبية الشهيرة مثل الرزحة والهبوت، التي تعد جزءًا لا يتجزأ من الاحتفالات العُمانية. كما أنه في هذه الأعمال، يتعمق في الممارسات الثقافية والرقصات التقليدية العُمانية.

والمتأمل لتلك اللوحات الخاصة بالفنان سيلاحظ أن الهوية الوطنية في سلطنة عُمان ليست مجرد رموز أو تقاليد عابرة، بل هي علاقة متجذرة بين الماضي العريق والحاضر المشرق. ثمة رحلة فنية عميقة بين محافظات سلطنة عُمان، متأصلة حيث الزمان والمكان، تتجانس من خلال التفاعل بين الأفراد والمجتمع المحيط.

كما يقدم الفنان إدريس الهوتي رؤيته الخاصة، حيث يقدم تراث سلطنة عُمان من خلال لوحاته التشكيلية، مع التركيز على الأشكال المعمارية والجوانب التاريخية، ويعرض واقع المرأة العمانية بشكل يتناول الأزياء التقليدية، الغنية بالتصاميم المنسجمة مع روح البيئة، في ظل وجود الألوان الرمزية. تعتبر هذه الأزياء انعكاسا لتراث سلطنة عُمان والهوية الفردية للمرأة.

والمتابع للوحات الهوتي في هذا المعرض سيجد أنها تمر بمراحل ضاربة في التاريخ الذي يؤسس عادةً للتراث ليشكل حافزا نوعيا لبناء هوية وطنية متجذرة. فالهوية العمانية تأتي في سياق تراكمي تشكل عبر الأجيال المتلاحقة. كما أن الأزياء، باعتبارها جزءا أصيلا من الهوية في سلطنة عُمان، تعكس القدرة على الحفاظ على التقاليد في عالم متسارع ومتغير بشكل كبير، فهي روح الذاكرة الجماعية في سلطنة عُمان ودلالة ذات عمق اجتماعي تسهم في التعريف بالفرد في مجتمعه الإنساني.

والهوتي من الفنانين التشكيليين العمانيين النشطين، وقد برز من خلال مشاركاته الفنية المتعددة داخل السلطنة وخارجها، حيث قدم خلالها أعماله المستوحاة من البيئة العمانية، وله بصمته الخاصة في الأسلوب الذي يعمل على توظيفه في أعمال فنية تميزه عن غيره، وله مشاركات في مختلف مجالات الفن التشكيلي منها الرسم والتصوير والحروفية والفن الرقمي والفيديو آرت.

وتتشكل الهوية الوطنية العُمانية التي تقدمها الأعمال الفنية للفنانين العُمانيين مير، وسونيا، والهوتي، كأفق فكري وتمازج واقعي غني يرفد حقيقته من التاريخ والجغرافيا والثقافة، مع ارتباط الفرد والجماعة بشكل واقعي بالتراث والأصالة العُمانية.

وصالة ستال للفنون التي تأسست في العام 2010 صممت لتكون معرضا وأستوديو فنيا يحتضن بجو خاص الفنون البصرية في قلب مسقط، مما يكفل تشجيع الإبداع والتذوق والتواصل الإبداعي البصري بكافة الوسائل في العاصمة والمنطقة المحيطة بها.

 

14