فنانون وباحثون في بيروت يكشفون قرنا كاملا من الموسيقى العربية في لبنان

قدمت الموسيقى العربية للمدونة الفنية العالمية العديد من التجارب الهامة والأنماط الموسيقية الفريدة من نوعها، ولعل أبرز الأقطار العربية المساهمة في هذا الزخم الفني مصر ولبنان، إذ كانت العلاقة الفنية بين البلدين وطيدة للغاية، وهو ما يثبته قرن كامل من الموسيقى العربية بين البلدين، وهذا ما يسلط عليه الضوء مؤتمر علمي في بيروت.
بيروت - بمبادرة علمية وثقافية رائدة انتظم مؤخرا شمال بيروت مؤتمر علمي بعنوان “مئة عام من موسيقى العالم العربي – لبنان أنموذجا” ويسلط الضوء على تاريخ الموسيقى العربية في لبنان دون إغفال لرموز الموسيقى من أهم الفنانين المصريين.
ونظمت المؤتمر كلية الموسيقى والفنون المسرحية في جامعة الروح القدس – الكسليك بالتعاون مع المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية.
قرن من الموسيقى
قالت الجامعة في بيان لها “شكل المؤتمر منصة حيوية للتبادل الثقافي والأكاديمي، ناقش خلالها المشاركون الإرث الموسيقي العربي الغني وتأثيره على المشهد الموسيقي المعاصر.”
وعلى مدى يومي الثلاثاء والأربعاء الثالث عشر والرابع عشر من مايو الجاري، تخللت البرنامج سلسلة من الجلسات البحثية المتخصصة والنقاشات الفكرية الغنية بين الباحثين والممارسين، إضافة إلى عروض فنية متميزة أعادت إحياء الذاكرة وكرمت رموز الغناء والموسيقى العربية.
الموسيقى ليست نتاج موهبة فردية أو ترف جمالي، بل منظومة حضارية مترابطة، تشكل تراكبا بين المعرفة والعيش
وأضافت الجامعة “يعد هذا المؤتمر خطوة نوعية ترمي إلى توثيق قرن من تاريخ الموسيقى العربية، وإبراز الدور الريادي الذي لعبه لبنان في هذا المجال، بما يعزز موقعه كمركز ثقافي عربي رائد، ويؤسس لرؤية مستقبلية تستند إلى إرث فني غني وراسخ.”
افتُتحت أعمال المؤتمر بكلمة لعميد كلية الموسيقى والفنون المسرحية البروفيسور ميلاد طربيه، رحب فيها بالحضور والمشاركين، مشددا على “أهمية هذا المؤتمر بوصفه ملتقى علميا متخصصا في تاريخ الموسيقى العربية والشرق أوسطية.”
وقال “يستحضر هذا المؤتمر قرنا من التشكلات الفنية والسياقات الاجتماعية التي ساقت ملامح الموسيقى الشرق أوسطية والعربية ورافقت تحولاتها. لقد أثبتت هذه الحقبة بما لا يدع مجالا للشك، أن الموسيقى ليست نتاج موهبة فردية أو ترف جمالي، بل منظومة حضارية مترابطة، تشكل تراكبا بين المعرفة والعيش، بين الكلمة والنغمة، وبين التقليد والتحديث.”
وأكد أن “من هنا تبرز الحاجة إلى مثل هذا المؤتمر الذي يجمع تحت مظلته مجموعة من الباحثين في الموسيقى والمؤرخين والموسيقيين، في محاولة لتفكيك العناصر المكونة لهذا الإرث وتحليل أبعاده الجمالية ودراسة امتداداته عبر مختلف المراحل التاريخية.” متابعا “إن إعادة قراءة هذا التاريخ ليست ترفا ثقافيا، بل ضرورة معرفية تؤسس لفهم أعمق للهوية الموسيقية الخاصة، وتفتح آفاقا لتطورها المستقبلي.”
وتمنى أن تكون جلسات المؤتمر “منبرا للإنتاج المعرفي الجاد، وفرصة لتلاقي التخصصات والخبرات المتنوعة، بما يسهم في إثراء النقاش الموسيقي نظريا وتطبيقيا.”
قراءة شاملة
تناولت الجلسات البحثية مجموعة من المحاور، أبرزها: السياقات السياسية، الاقتصادية، والثقافية التي أثرت في الموسيقى اللبنانية قبيل مؤتمر القاهرة 1932، تطور الأساليب الموسيقية بين 1932 و2025، بما في ذلك الموسيقى الشعبية، الفولكلورية، التقليدية، والرائجة، تطور التأليف الموسيقي في لبنان، دور المبدعين اللبنانيين في إثراء وتطور المشهد الموسيقي المحلي والعربي، أهمية الآلات والفرق الموسيقية والمهرجانات وأماكن العروض كمحطات بارزة في التاريخ الموسيقي اللبناني، والمؤسسات الأكاديمية والبحثية والثقافية ودورها في تطور الموسيقى اللبنانية وصناعتها، بما في ذلك الجامعات والمعاهد ومراكز البحث، النقد الموسيقي ومنصات النقد، برامج اكتشاف المواهب وتأثيرها على المشهد الموسيقي.
وشهد اليوم الأول تنظيم عدد من الأمسيات الموسيقية التي تحيي الذاكرة وتم تكريم رئيسة المجمع العربي للموسيقى الدكتورة إيناس عبدالدايم، إذ قدم لها عميد كلية الموسيقى والفنون المسرحية، البروفيسور ميلاد طربيه درعا تكريمية باسم الجامعة، عربون تقدير للعلاقات المتبادلة والمثمرة، وامتنانا للجهود القيمة وللدور الريادي في خدمة الموسيقى العربية.
وأحيا الأمسية الفنان جيلبير رحباني، خريج كلية الموسيقى، تكريما للموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، في الذكرى الرابعة والثلاثين لرحيله. وقدم رحباني خلال الأمسية تحية إلى أحد أعمدة الغناء العربي. فجسد هذا العمل رؤية فنية متكاملة، حيث تولى جيلبير رحباني الأداء الغنائي، بالإضافة إلى الإعداد والتوزيع الموسيقي، في محاولة لربط الأصالة والحداثة بأسلوب إبداعي معاصر.
أما ختام اليوم الثاني، فتوجته أمسية متميزة لجوقة الغناء العربي التابعة لكلية الموسيقى والفنون المسرحية في الجامعة، بقيادة الدكتورة غادة شبير، حيث قدمت خلالها الجوقة باقة من روائع الموسيقى العربية.