فنانون مغاربة وإسرائيليون يؤدون مقطوعات أندلسية تكريسا لثقافة التعايش

الرباط - نظمت الجمعية المغربية للموسيقى الأندلسية والأوركسترا الأندلسية الإسرائيلية لأشدود مساء الأربعاء بمسرح محمد الخامس في الرباط تظاهرة موسيقية ثقافية شارك فيها فنانون من البلدين تكريسا لقيمة التنوع وثقافة العيش معا.
وأحيا فعاليات هذه التظاهرة -التي نظمت برعاية وزارة الشباب والثقافة والتواصل تحت شعار “الثروة التعددية للموسيقى المغربية: تراث ثقافي وروحي عند التقاء الحضارات، يتعين الترويج له للأجيال القادمة”- حوالي 55 فنانا من موسيقيين ومغنين من جوق الفنان الراحل عبدالكريم الرايس تحت إدارة الموسيقي محمد بريول، ومن الأوركسترا الأندلسية الإسرائيلية لأشدود.
وقال الكاتب العام لوزارة الثقافة عبدالإله عفيفي، في كلمة افتتاحية بالمناسبة، إن هذا الحدث الفني يجسد العمق الإنساني المشترك بين الشعوب عامة، واستمرار أواصر الأخوة والانتماء بين اليهود المغاربة والمملكة التي تواصل ترويج قيم الانفتاح والتعايش والمحبة، مضيفا أن “حدث اليوم قد نسجت خيوطه منذ أولى لحظات التعايش الإسلامي اليهودي فوق هذه الأرض على مقياس المساواة في المواطنة”.
الفنانون قدموا مقطوعات موسيقية متعددة، بما فيها الموسيقى الأندلسية ومختارات من تراث الملحون والطرب الغرناطي
وأبرز عفيفي أن المغرب يواصل دوره باعتباره منارة لإشاعة السلام والتسامح والتكامل بين الدول والشعوب، مستحضرا في هذا الصدد “التمازج الحاصل عبر التاريخ في الهوية المغربية بمكوناتها العربية والإسلامية والأمازيغية والصحراوية الحسانية وروافدها العبرية والأفريقية التي أنتجت غنى وتميزا يفصح دائما عن جمال نادر قلما تجتمع شروطه في أماكن أخرى”.
وبعدما ذكّر بأن الجسور الثقافية والفنية تشكل دائما تلك اللحمة التي تربط بين القيم النبيلة وتجعلها حية في الوجدان، قال عفيفي إنه انطلاقا من هذا الرصيد التاريخي المتميز ستشهد الروابط الثقافية الفنية بين المغرب وإسرائيل عهدا جديدا يوفر فرصا هائلة للتنمية الثقافية في البلدين وتكريس السلام والتعايش بين الشعوب.
من جهته قال نائب رئيس البعثة في مكتب الاتصال الإسرائيلي إيال ديفيد إن هذه التظاهرة الفنية تشكل “لحظة تاريخية” تحتفي في جو من الفرح والموسيقى بما تعيشه العلاقات بين البلدين منذ استئناف العلاقات بينهما في ديسمبر 2020، معتبرا أن الثقافة -والموسيقى خاصة- تشكل عاملا للتقريب بين الشعبين.
وأضاف ديفيد، في كلمة مماثلة، أنه بهذا الحدث “نؤكد اليوم للعالم أن الحب والموسيقى هما الطريق الذي يجب سلوكه وليس طريق العنف”.
من جهته أعرب مدير عام الأوركسترا الأندلسية الإسرائيلية لأشدود يعقوب بنسيمون عن سعادته بمشاركة فرقته في هذه التظاهرة الفنية التي تجمع فنانين مغاربة وإسرائيليين من ضمنهم يهود من أصول مغربية.
وقال بنسيمون في تصريح إن “أعضاء فرقته سبق أن شاركوا في تظاهرات موسيقية بالمملكة من قبل، لكن هذه هي التظاهرة الأولى من نوعها التي نشارك فيها بعد التوقيع على اتفاقات أبراهام التي استؤنفت بموجبها العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية، من ضمنها المغرب”.
وحسب بنسيمون حافظت الأوركسترا الأندلسية لأشدود على التواصل الثقافي بين المغرب وإسرائيل؛ حيث سهرت على إشراك فنانين من كلا البلدين في برامج فنية سنوية لتحيي طابع الأخوة والعيش المشترك الذي طالما اعتز به المغاربة يهودا ومسلمين.
من جهتها قالت الرئيسة المؤسسة للجمعية المغربية للموسيقى الأندلسية فاطمة مبشور، في تصريح صحافي، إن “هذه التظاهرة تشكل تكريسا لقيم التعايش التي طالما ميزت العلاقات بين المسلمين واليهود في المغرب”.
وأضافت مبشور أن هذا الحدث الفني “لوحة فنية متميزة” تجمع بين فنانين مسلمين ويهود، مشيرة إلى أن جمعيتها سطرت برنامجا يتضمن تظاهرات فنية مماثلة سيتم تنظيمها طيلة السنة، مبرزة أن الهدف العام يتمثل في استدامة قيم التعايش هذه ونقلها إلى الأجيال المقبلة.
وحسب المنظمين “كانت المملكة المغربية دائما أرضا للتسامح وملاذا للسلام ومصدرا لإلهام شعوب العالم. وتقع عند التقاء العديد من الحضارات، وقد تشبعت على مر القرون بتأثيرات مختلفة، بينما قامت بدورها في إثراء العديد من البلدان بثقافتها متعددة الأوجه”.
وكان الجوق المغربي والأوركسترا الإسرائيلية مرفوقين في هذا الحفل بفنانين مغاربة وإسرائيليين، هم عبير العابد وإميل زريهان وعبدالرحيم الصويري وشير أفراح وشيماء عمران، في توليفة شكلت بحسب القائمين على الحفل “ملحمة غنائية وتلاحما ثقافيا” و”تظاهرة فريدة من نوعها”، وذلك من خلال أداء مقطوعات موسيقية متعددة، بما فيها الموسيقى الأندلسية ومختارات من تراث الملحون والطرب الغرناطي والتراث الموسيقي التطواني، وكذلك الأغاني الصوفية التي تستمد جذورها من المراجع الثقافية المسلمة واليهودية.
وأدى الفنانون أغاني من فن المطروز، وهو أحد الفنون الموسيقية العريقة التي جمعت التراث العربي الإسلامي بقرينه اليهودي العبراني من خلال قصائد مغناة على ألحان الطرب الغرناطي الذي ذاع صيته في بلاد الأندلس، مؤرخا لحقبة مميزة اندمجت فيها الثقافتان اليهودية والإسلامية وامتزجت روافدهما الأدبية والموسيقية، حيث يؤلف الشطر الأول من أشعار أغاني “فن المطروز” باللغة العربية فيما ينظم شطرها الثاني باللغة العبرية، وتؤديها الفرق الموسيقية على الإيقاعات والألحان الأندلسية الغرناطية.
وتعود أصول انتشار الغناء اليهودي في المغرب وباقي بلدان شمال أفريقيا، كالجزائر وتونس، إلى حملات التهجير التي تعرض لها اليهود والمسلمون من أرض الأندلس، بعد سقوط الحكم الإسلامي فيها، حيث أقامت جالية من اليهود الأندلسيين في المغرب، حاملة معها تألقا يهوديا متميزا في التأليف والغناء الموسيقييْن، ظهر بداية في فنون ذات أصول أندلسية، لتسهم بعدها نخبة من الفنانين اليهود أيضا في تقديم إضافة نوعية للسجل الموسيقي المغربي.
ويشار إلى أن الجمعية المغربية للموسيقى الأندلسية تعمل على تعزيز تنوع وثراء الموسيقى الأندلسية المغربية ومكوناتها، وهو التزام يتجلى من خلال العديد من المبادرات الهادفة إلى الحفاظ على التراث الثقافي والروحي والحضاري للمغرب.
وتأسست الجمعية في ذروة الأزمة الصحية وتداعياتها التي قلبت العالم بأسره، ساعية بذلك لبث الشعور بالأمل في المستقبل من خلال الموسيقى في الأوقات المضطربة، عبر تنظيم أحداث موسيقية وثقافية عالية الجودة، سواء في المغرب أو في الخارج.
ويذكر أن الأوركسترا الأندلسية الإسرائيلية لأشدود تأسست سنة 1994، ومن أهم مهامها الحفاظ على التراث الموسيقي الأندلسي الذي جمع المسلمين واليهود عبر التاريخ.