فنانون لبنانيون يتجندون لدعم النازحين الهاربين من الحرب

مقاومة اليأس والظروف الصعبة مهمة إنسانية موكولة للمبدعين.
الاثنين 2024/11/18
المساعدات المعنوية لا تقل أهمية عن المساعدات المادية

لا تقتصر مهمة الفنانين أو المبدعين ووظائفهم على ما يقدمونه من أعمال فنية، بل موكول إليهم دور اجتماعي كبير خاصة في زمن الأزمات والظروف الصعبة، إذ يمكن لهؤلاء أن يمدوا الناس بالأمل وأن يكونوا عناصر مقاومة ثقافية لكل ما من شأنه أن يمس بإنسانية الإنسان، وهذا ما أدركه الفنانون اللبنانيون وهم ينخرطون في دعم اللاجئين من ضحايا الحرب.

بيروت– بدَت زينب، النازحة من الضاحية الجنوبية لبيروت، سعيدة بلقائها الممثلة ريتا حايك، إذ أنها تُقابل لأول مرة شخصا مشهورا، ومثلها أطفال آخرون. وحضرت الفنانة إلى مركز إيواء للنازحين لتنسيهم “واقعهم” بعدما هجروا بيوتهم في مناطق لبنانية طاولتها الحرب بين إسرائيل وحزب الله.

وحايك واحدة من فنانين لبنانيين ينشطون للمساهمة بطرق عدة في دعم مئات الآلاف الذين تهجروا جراء سلسلة واسعة من الغارات بدأت إسرائيل شنها على عدد كبير من المناطق اللبنانية منذ 23 سبتمبر، فيما ينفذ الجيش الإسرائيلي منذ الأول من أكتوبر الفائت عملية برية مركزة في جنوب لبنان.

تسلية النازحين الصغار

مركز بيروت للفن أطلق مؤخرا مبادرة "فنانون في الملاجئ" بهدف إحاطة الأطفال النازحين بـ"قوة الفن العلاجية"

تطوع عدد من الفنانين، كريتا حايك، للمشاركة ميدانيا في مراكز إيواء هؤلاء النازحين في مختلف المناطق، وإضفاء لحظات من الفرح على أجواء تلك الأماكن المجبولة بالأسى، بالتنسيق مع جمعيات تؤمن المستلزمات للعائلات النازحة.

وعلى إيقاع صوت تحليق الطائرات المسيرة المتواصل في أجواء بيروت ومناطق عدة، استقبل الأطفال ريتا حايك بالتصفيق في مركز اللعازارية في وسط العاصمة.

وتوجهت الممثلة إلى الأطفال الذين تحلقوا حولها بالقول: “أنتم مقاومون (…) أنتم تعطونني الأمل.” وتابعت “أنا مسرورة جدا لِكَوني هنا. إنها فرصة لأتعرف اليكم وألعب معكم ونتسلى.”

وتزحلقت حايك مع الأولاد من أعمار مختلفة في باحة المركز حيث انتشرت ألعاب مطاطية ملونة تولت جمعية “سايف سايد” استقدامها.

وقالت حايك “تُشعرني هذه الزيارات بأنني لست عاجزة حيال ما يحصل. أحاول أن أقدم على قدر إمكاناتي، وفي الوقت نفسه وجودي يعطيهم معنويات ويفرحهم، إذ يشعرون أنهم ليسوا وحيدين وغير متروكين.”

وبإعجاب كانت زينب سلامة (12 عاما) التي نزحت مع عائلتها من ضاحية بيروت الجنوبية تراقب حايك “الجميلة واللطيفة” كما وصفتها، وأوضحت أنها لم يسبق أن التقت شخصية مشهورة. وأضافت “أفرحتني كثيرا لأنها جاءت ولعبت معنا.”

وروَت حايك أنها حين زارت مركزا للنازحين للمرة الأولى، احتارت ماذا تقدم لهم، وفكرت في أن تُجري لهم تدريبات مسرحية، لكنها ما لبثت أن أدركت أن مجرد وجودها معهم وتحدثها إليهم “يكفيهم”. ورأت أن “الترويح عن الأولاد أساسي في هذه الظروف، ليتخلصوا من كل الوجع والخوف وينسوا للحظات واقعهم”.

تطوع عدد من الفنانين للمشاركة ميدانيا في مراكز إيواء النازحين أضفى لحظات من الفرح على أماكن مجبولة بالأسى

أما الكوميدي اللبناني فريد حبيش المعروف على شبكة إنستغرام بـ”فَريكس تيوب”، فشدد هو الآخر على أهمية ضخ المعنويات وتسلية النازحين الصغار. وتولت جمعيتا “الميمونة للتنمية” و”ماراتون بيروت” تنظيم مباراة كرة قدم في مدرسة “المستقبل” في أحد أزقة شارع البسطة البيروتي الضيقة.

وتوزع الأولاد على فريقين ارتدى أفرادهما ثيابا رياضية عليها أسماء نجوم عالميين وفرتها لهم رئيسة “الميمونة للتنمية” رادا الصواف، وتولى حبيش إدارة المباراة بطريقة مرحة وتوزيع الميداليات وسط تشجيع الجدة “الحاجة فاطمة” النازحة من بلدة عين قانا الجنوبية، ملوحة بالعلم اللبناني وتحت عيون أمهات مهمومات “فالأولاد بلا مدارس والرجال بلا عمل.”

ورأى حبيش الذي ارتدى أيضا ثيابا رياضية في تصريح له أن “المساعدات المعنوية بأهمية المساعدات المادية.” وقال “هذا ما أستطيع أن أقدمه لهم (…) أن أجعلهم يضحكون.” وبالفعل بدا الشقيقان يوسف (12 عاما) وعلي (14 عاما) متحمسين للقاء “فريكس تيوب” وهما يتابعان مقاطع الفيديو التي ينشرها، ووصفاه بـ”الظريف.”

وأضاف حبيش “نحاول قدر المستطاع أن نجعل الأولاد البعيدين عن بيوتهم يلعبون ويتسلون، وبذلك نساعدهم على ألا يسقطوا أكثر في الحزن، ونجعلهم يشعرون بأن ثمة أملا ومستقبلا إيجابيا ينتظرهم.”

وأطلق مركز بيروت للفن الذي يستضيف نشاطات ثقافية عدة مبادرة “فنانون في الملاجئ” بهدف إحاطة الأطفال النازحين “بقوة الفن العلاجية.” وقال مدير المركز ابراهيم نعمة “بعد أسبوع، سجل 70 فنانا شابا ليشاركوا كمتطوعين في ورش العمل، ووزعنا نشاطنا على عشر مدارس” في مناطق عدة.

ويقيم المركز حتى آخر السنة سبعين ورشة عمل فنية متعلقة بالرسم والتلوين والموسيقى. ومن لم ينزل إلى الأرض من الفنانين فضل المساهمة بطرق أخرى، ومنها مساندة المنظمات التي تجمع التبرعات.

مقاومة ثقافية

خح

نشرت مجموعة من الفنانين اللبنانيين، من بينهم الممثلون مجدي مشموشي وفؤاد يمين وبرناديت حديب، شريط فيديو تعاطفا مع من هُجروا من بيوتهم. ووجهت المغنية ميريام فارس رسالة لدعم اليونيسف تدعو فيها لمساندة جهود المنظمة العالمية لتأمين المياه النظيفة والفرش والمساعدات للأطفال النازحين وعائلاتهم. اما الممثلة ماغي بو غصن فدعت الى التبرع لجمعيات تعمل ميدانيا.

واختار الفنان المسرحي قاسم اسطنبولي طريقة مختلفة، إذ فتح أبواب صالة سينما “كوليزيه” العريقة التي يعمل على ترميمها، وقدم فيها لبعض العائلات النازحة سقفا يؤويها.

وقال مؤسس المسرح الوطني اللبناني الذي تتوزع فروعه في مناطق عدة “نحن في حرب، وأقل ما يمكن أن نفعله أن نفتح مسارحنا.”

وأضاف “صالاتنا تحولت بيوت ضيافة لعائلات لبنانية وفلسطينية وسورية وإفريقية، ينام أفرادها ويطبخون في المسرح ويشعرون بالأمان. نؤمن لهم عيشا كريما داخل المسرح الذي أصبح بيتا لهم.”

واعتبر أن ما يقوم به “جزء من المقاومة الثقافية.” وقال “ندرب الأطفال والشباب النازحين على المسرح، ما يخفف الضغط النفسي عنهم ويبلسم جراحهم.”

ومع تفاقم معاناة النازحين، تمنت حايك أن يشارك كل الفنانين في زيارة مراكز النزوح “فنقطة وراء نقطة تشكل نهرا، وحضورهم يُحدث تغييرا.” أما حبيش فأمل في ألا تطول الحرب، لكن في حال استمرت “أعتبر نفسي ملزما بزيارتهم.”

15