فنانة تشكيلية عمانية تنشئ عوالمها التعبيرية بلون الرمال والأصداف

طاهرة فداء: التجارب الفنية أثبتت قدرتها على تناول القضايا الإنسانية.
الثلاثاء 2022/06/07
ليست وظيفة الفنان التسويق

الراصد لأعمال الفنانة التشكيلية العمانية طاهرة فداء يجد تلك الذات المشغولة بالتواصل مع الآخر، فهي تقترب من الإنسان بكل تجلياته وينطلق ذلك من كونها باحثة في مجال اللغات، فالرموز في أعمالها مثيرة وغامضة، تعيد تقديمها بشكل مرئي وملموس لإيجاد لغة جمالية منفردة. وهو ما تتحدث عنه في هذا الحوار معها.

خميس خاطر

مسقط - للفنانة التشكيلية طاهرة فداء تجربة تفردت بتصاعد تطورها على المستويين المحلي والدولي، ولها جوائز متعددة من بينها تلك التي حصلت عليها في معرض الأعمال الصغيرة لعمل تركيبي في الفراغ سنة 2005، وجائزة المرأة للإجادة عام 2018 وجائزة مينا لأفضل “ماركة تجارية” في مجال الإبداع لعام 2019.

هنا تتحدث الفنانة عن تلك التجربة بعد مرور حوالي عقدين ونصف العقد من الزمن على تبلورها، مؤكدة على الخصوصية الفنية لها، وتوضح فداء قائلة “تجربتي غنية بمعطيات كثيرة وقد مرت بمراحل عديدة منها مرحلة التجريب ومرحلة الاختيار ومرحلة الإتقان ومرحلة الاحتراف”.

خصوصية فنية

أعمال فيها بصمة عمانية

 تقول طاهرة فداء “لكل مرحلة جمالها وأثرها في العمل الفني الذي تراه في الوقت الراهن، فمرحلة التجريب كنت أتناول فيها أي مادة تقع في يدي أو تلفت انتباهي في المحيط والبيئة التي تحيط بنا، فرمل البحر يستهويني كثيرا لهذا كانت لي أعمال متعددة استخدمت فيها رمل البحر والأصداف البحرية، وعرضت هذه الأعمال ما بين 1997 -2007، وساعدتني هذه التجربة في اختيار ما أريد إتقانه، ودوما أجتهد كي أتقن أساليب متعددة في الرسم وأتمكن من أدواتي التعبيرية مما سهل علي الانتقال إلى مرحلة الاحتراف”.

وتضيف فداء “أعتقد أن الخصوصية تكمن في ذاتي كفنانة، فما هو معروض يعكس انفعالاتي وتفاعلي مع كل ما هو ملهم ومثير، والجمهور المتذوق أيضا يؤكد خصوصية عملي الفني بإشارة إلى عدة معطيات منها تاريخ التجربة وطريقة تعاملي مع تقنيات العمل وطريقة تنفيذها على سطح الكنفس أو اللوحة، وأخيرا أسلوب إخراجي للعمل الفني”.

وحول علاقتها بالمدارس الفنية في تجربتها وتفسيرها لبروز ألوان محددة في لوحاتها الفنية، تقول فداء “دراسة هذه المدارس بالتفصيل ومعرفة تاريخها مفيد في معرفة ما نود الانتماء إليه، فأنا من عشاق أعمال الفنان الروسي فاسيلي كاندنيسكي، وهو من رواد المدرسة التجريدية في القرن العشرين، فقد كنت أتأمل لوحاته الأصلية لساعات في متاحف أوروبا وفي كل مرة أنظر إلى اللوحة أرى شيئا جديدا، وقد كانت لي محاولات عديدة للاقتراب من هذه المدرسة من حيث الشكل والموضوع، لهذا تجد تأثيرات الأشكال الهندسية في أعمالي الفنية وبالأخص الدوائر والمثلثات والخطوط المحددة وبعض تأثيرات المدرسة التكعيبية أيضا، وهي محاولات مني لإسقاط الجانب المادي للموضوع والتركيز على الروحية في العمل الفني”.

الفنانة تحاول أن تغير معالم الواقع ومقاييسه وتقوم بتطويع كل شيء حولها لإيصال أحاسيسها عبر اللوحة الفنية

وتستدرك الفنانة “لكنني لم أكن أود أن أصبح النسخة العربية من كاندنيسكي لهذا كنت أبحث عن هويتي وبصمتي العمانية كي أجعلها طاغية على العمل الفني، لهذا قد أنتمي إلى المدرسة التعبيرية في التركيز على ذاتي ومشاعري وانفعالاتي، وأحاول أن أغير معالم الواقع ومقاييسه وأقوم بتطويع كل شيء حولي لإيصال الأحاسيس عبر اللوحة الفنية، وما هو جميل في هذا أنك تختار ما يستهويك لأن هذه المدارس ظهرت في حقبة زمنية معينة وتحت ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة وأصبحت إرثا يمكن الاستفادة منه”.

وتوضح الفنانة العمانية كيف يمكن للفن التشكيلي أن يكون معالجا لبعض القضايا الإنسانية والاجتماعية، وتؤكد “التجارب الفنية حول العالم أثبتت أنها قادرة على تناول القضايا الاجتماعية والإنسانية بشكل واضح أو مجرد، وربما الفن المفاهيمي كان الأقدر على ذلك، وإن لم يتسن له معالجتها بالمفهوم الحرفي يستطيع تسليط الضوء عليها”.

وتتابع “بشكل شخصي أرى أن للأفلام القصيرة تأثيرا أسرع على المتلقي لمعالجة قضية اجتماعية معينة مثل انتشار الباحثين عن عمل وانتظار الوظيفة الممتازة للالتحاق بالعمل. وقد لفت انتباهي فيلم عماني قصير لقدرته على إيصال الفكرة للشباب المتخرجين ومحاولته الناجعة لحل هذه القضية، ومن هذا اللقاء أشجع الشباب ليكون مبدعا مبتكرا وألا يستسلم للعوائق في طريقه للوصول إلى هدفه؛ فالإبداع والابتكار مصدران مهمان لأي عمل سواء كان فنيا أو روتينيا”.

النقاش والتسويق

Thumbnail

حول تأثير الدراسة الأكاديمية في صقل الموهبة الفنية التشكيلية لدى الفنان، حيث تجربة فداء في هذا الجانب، تقول “الدراسة الأكاديمية تمدك بالمعلومات اللازمة التي تسهم في تقصير المسافات للوصول إلى هدف معين؛ فالفنان المتعلم يستطيع أن يميز بين ما هو فعال ومثير وما دون ذلك أو غيره، وأن يوظف هذا لصالحه”.

وترى أنه لا يمكن إنكار دور الثراء المعرفي والبصري في صقل الموهبة، وأن ما ميز تجربتها الأكاديمية هو وجود طلبة فنانين من مختلف دول العالم مثل لبنان واليونان والصين وبريطانيا، وغيرهم، وهذا التلاقي كان يثري التجربة بحد ذاته، ناهيك عن الجلسات النقاشية التي كانت تتسم بالحوار المنطقي البناء لمناقشة قضايا فنية وتقنية.

وتتذكر أنه في أحد اللقاءات تناقشوا حول موضوع تناول اللباس الإسلامي في العمل الفني، وقام الطلبة بعرض أعمال فنية تطرقت إلى موضوع اللباس الإسلامي لفنانين مخضرمين قد عرضوها في محافل دولية، وقد تعلمت فداء الكثير من هذا النقاش وتعرفت على أعمال فنانين لم تكن قد سمعت عنهم من قبل، مما شجعها، كما تقول، على البحث والتقصي والاستفادة من هذا البحث في عرض مشروعها الفني للتخرج.

التجارب الفنية حول العالم أثبتت أنها قادرة على تناول القضايا الاجتماعية والإنسانية بشكل واضح أو مجرد

تقول فداء “هذه الأجواء الفنية هي التي نفتقدها حاليا، فوجود الفنان في بيئة غنية مثقفة ومحفزة مهم جدا لإثراء تجربته وتميزها. ولا أنكر أني أحب لحظات الوحدة في الأستوديو الخاص بي فهي تسهم في تركيزي لإنتاج أعمالي الفنية، لكن للأسف أفتقد بيئة الحوار البناء. وحاليا أجد بعض الفنانين العمانيين يتجهون لأخذ الدورات والحلقات التعليمية داخل سلطنة عمان أو خارجها وأتمنى أن تكون تجربتهم مفيدة ومثمرة”.

وترى الفنانة الساحة الفنية التشكيلية بعد وباء كورونا بشكل مختلف نوعا ما وتتحدث عن المأمول منها مستقبلا، تقول “أجد في الساحة محاولة للرجوع بقوة؛ فالمعارض أصبحت تعج بالزوار والفنانون لديهم تعطش لعرض المزيد، وأنا حاليا أستعد للمعارض القادمة وكلي أمل بأن أقترب من الجمهور في عدة محافل فنية وأن أحظى بلقاء الأحبة من كل بقاع العالم”.

أخيرا تتحدث فداء عن المهارات الحرفية التي يمكن الاستفادة منها بجانب الفن التشكيلي ولها رؤية خاصة في ذلك مع الكيفية التي تتيح للفنان أن يكون مسوقا ناجحا لأعماله وهنا تقول “الفنان متعدد المواهب يستطيع أن يوظف إمكاناته في العمل الفني، وإتقاني لفن صناعة الزهور من السيراميك في بداية شبابي وبالتحديد في المدرسة ساعدني في اختيار المواد الملائمة لعمل الفن البارز والغائر، فلدي القدرة على مزج المواد المختلفة لإنتاج أعمال ثلاثية الأبعاد، وفيما يتعلق بالتسويق للأعمال الفنية أرى أنه يجب أن يكون من مهمات صالات العرض وليس الفنان نفسه، فعلى الفنان الإنتاج ويجب أن يكون التسويق مهمة التاجر أو موظف في قسم التسويق، وحاليا ما يحدث في الساحة هو البيع عن طريق العلاقات الشخصية بغض النظر عن جودة العمل الفني وتجربة الفنان نفسه، لهذا أتمنى أن تكون لدينا صالات عرض متخصصة تسهم في تنشيط هذا الجانب”.

Thumbnail
Thumbnail
Thumbnail
14