فلول الأسد يطلبون الدعم الإيراني لإشعال الساحة السورية بذريعة مقاومة اسرائيل

مصدر أمني سوري سابق يؤكد أن العميد السابق غياث دلة طرح على الإيرانيين خطة واضحة لتجنيد مقاتلين من فلول الجيش والأجهزة الأمنية السابقة، معتمداً على البنية التحتية المتبقية من شبكاته القديمة لمواجهة إسرائيل وسلطات أحمد الشرع.
الجمعة 2025/06/20
قوات الأمن السورية على علم بالمخطط وتسعى لاجهاضه

دمشق - في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة والصراع المحتدم بين إيران وإسرائيل، بدأت تحركات مقلقة لعناصر من النظام السوري السابق، الذين يسعون إلى إعادة تموضعهم في المشهد السياسي والعسكري السوري من بوابة الصراع الإقليمي. وتشير معلومات أمنية إلى أن ضباطًا بارزين من نظام بشار الأسد المخلوع يحاولون استغلال هذه المرحلة الدقيقة لاستقطاب دعم مباشر من إيران، بهدف إعادة تشكيل ميليشيات مسلحة تمارس الضغط على الحكومة السورية الحالية وتفتح جبهات استنزاف جديدة ضد القوات الإسرائيلية في الجنوب السوري.
ووفق ما أفادت به صحيفة "ذا ناشيونال"، فإن العقيد السابق غياث دلة، أحد القادة البارزين في "الفرقة 42 المدرعة" التابعة للنظام السابق، قد تواصل في الأيام الماضية مع مسؤولين إيرانيين طالبًا تمويلاً بمئات الملايين من الدولارات، لإنشاء قوة عسكرية موالية لطهران داخل سوريا، تتولى تنفيذ عمليات هجومية ضد إسرائيل وعرقلة جهود الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع في إعادة البلاد إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وتحرك دلة لا يأتي في فراغ، بل في لحظة إقليمية مشحونة، يرى فيها قادة من النظام المخلوع فرصة ثمينة لاستعادة النفوذ. وبحسب مصدر أمني سوري سابق، فإن غياث دلة طرح على الإيرانيين خطة واضحة لتجنيد مقاتلين من فلول الجيش والأجهزة الأمنية السابقة، معتمداً على البنية التحتية المتبقية من شبكاته القديمة، وبعض الأسلحة التي تم تهريبها إلى مناطق نائية في الساحل السوري وجنوب البلاد.
وأشار المصدر إلى أن التواصل مع إيران تم بشكل مباشر، دون وساطة "حزب الله"، مما يعكس رغبة واضحة لدى بعض الضباط السابقين في تجاوز الوساطات اللبنانية وتأكيد استقلالية المشروع داخل الأراضي السورية.
وتؤكد المصادر أن دلة يحاول توظيف العامل الطائفي، وتحديداً ضمن الطائفة العلوية، لحشد الدعم الشعبي والميداني. حيث يُقدِّم نفسه على أنه "منقذ الطائفة" بعد ما يعتبره "خيانة" تعرضت لها خلال السنوات الأخيرة، سواء من النظام السابق أو من مواقف دولية لم تحمِ العلويين من العواقب.
وفي المقابل، تتابع الحكومة السورية الجديدة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، هذه التحركات بقلق، وسط معلومات استخباراتية عن تحشيد سري يجري في جبال الساحل السوري، وامتداده نحو الجنوب حيث تنتشر خلايا موالية لإيران كانت نشطة قبل سقوط النظام السابق في ديسمبر الماضي.
وكانت السلطات السورية قد شنت في مارس الماضي حملة أمنية مكثفة ضد مجموعات مسلحة يقودها دلة في الساحل السوري، بعد سلسلة هجمات استهدفت مقار أمنية ومؤسسات رسمية. وتقول مصادر أمنية إن تلك العملية نجحت في تفكيك جزء من الشبكة، إلا أن نشاطها السري لا يزال مستمرًا، خصوصًا في ظل توفر تمويل خارجي محتمل.
وتتزامن هذه التطورات مع اشتداد الصراع بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية، حيث باتت مناطق من الجنوب السوري، خاصة درعا والقنيطرة، ساحة مفتوحة لتبادل القصف بالصواريخ والطائرات المسيّرة. وذكرت مصادر أمنية أن مخازن صواريخ من نوع "غراد" تم اكتشافها في درعا مؤخرًا، يعتقد أنها كانت معدّة لاستخدامها في ضرب أهداف إسرائيلية من الأراضي السورية، في عملية تحمل بصمات فصيل منشق عن "حزب الله".
وفي الثالث من يونيو الجاري، شهدت الجبهة الجنوبية تصعيدًا جديدًا مع إطلاق صواريخ من داخل الأراضي السورية باتجاه الجولان المحتل، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ ضربات جوية استهدفت مواقع يُشتبه في أنها تستخدم لتخزين أو إطلاق صواريخ إيرانية.
ويرى مراقبون أن هذه التطورات تؤكد تعقّد المشهد في سوريا، حيث لم تعد ساحة الصراع تقتصر على الداخل السوري فقط، بل أصبحت ملتقى للتصفيات الإقليمية بين طهران وتل أبيب، وهو ما يزيد من خطر اندلاع حرب أوسع يدفع ثمنها السوريون مجددًا.
وتأتي هذه التحركات في وقت تبذل فيه الحكومة السورية الجديدة جهودًا حثيثة لإخراج البلاد من عزلتها السياسية والاقتصادية، خصوصًا بعد رفع جزء من العقوبات الأميركية في أبريل الماضي. ويعمل الرئيس أحمد الشرع على فتح قنوات جديدة مع دول الخليج، وتشجيع الاستثمارات في البنى التحتية والطاقة، فيما يواجه في الوقت نفسه تحديات أمنية تعرقل هذه الخطوات.
وقال مصدر اقتصادي سوري لـ "ذا ناشيونال" إن "أي تصعيد أمني أو محاولة لزج سوريا مجددًا في المحور الإيراني ستدفع بالمستثمرين إلى التراجع، وتُفشل الخطط الرامية إلى التعافي". وأضاف: "المطلوب اليوم هو الاستقرار والابتعاد عن سياسات المحاور. ما يفعله غياث دلة ومن معه هو محاولة يائسة لإعادة سوريا إلى الوراء".
ورغم ما يبذله دلة من محاولات لحشد أنصار داخل الطائفة العلوية، إلا أن مصادر محلية أكدت وجود رفض واسع داخل الأوساط الشعبية والعسكرية السابقة لأي مشروع يعيد البلاد إلى دوامة الحرب. ونقل أحد الوجهاء العلويين عن قيادات محلية قولها إن "الطائفة دفعت ثمنًا باهظًا في السنوات الماضية، ولن تقبل أن تُستخدم مجددًا كوقود لحروب لا طائل منها".
ويؤكد محللون أن الحكومة السورية الجديدة تواجه اختبارًا صعبًا، فبينما تحاول النأي بنفسها عن محور المقاومة التقليدي وبناء سياسة خارجية متوازنة، تقف في مواجهة مخططات لفلول النظام السابق قد تعيد إشعال البلاد من الداخل، وتفتحها على تدخلات إقليمية أشد فتكًا.