فلسطين.. الصديق الوفي والصديق الفعال

لا يستطيع الفلسطينيون والعرب تجاوز الدور الأميركي في قضيتهم، ليس كصديق فعال أو وسيط، وإنما قوة يمكنها أن تفرض التفاوض على أي دولة في الشرق الأوسط والعالم.
الأربعاء 2019/04/03
أي دور لترامب في القضية

في ندوة عُقدت في لندن مؤخرا، قال المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط دينيس روس إن الفلسطينيين يحتاجون في قضيتهم إلى “صديق فعال” وليس إلى صديق وفي، وهذا ما يُبقي على الوساطة الأميركية في الصراع العربي الإسرائيلي ومفاوضات السلام، على حد تعبيره. أصاب دينيس روس في الشق الأول من القول وأخطأ في الثاني، فما يبقي على دور واشنطن في هذا الصراع هو نفوذها، وفي عهد الرئيس دونالد ترامب تحول دور الولايات المتحدة من وسيط منحاز إلى طرف داعم لرغبات إسرائيل دون الحاجة إلى المفاوضات مع العرب والفلسطينيين.

في الحقيقة لا يستطيع الفلسطينيون والعرب تجاوز الدور الأميركي في قضيتهم، ليس كصديق فعال أو وسيط، وإنما كقوة يمكنها أن تفرض التفاوض على أي دولة في الشرق الأوسط والعالم ككل، التفاوض معها مباشرة أو التفاوض مع غيرها في سبيل تحقيق مصلحة لها معلنة أو غير معلنة.

في مثل هذه الأيام قبل 17 عاما، أطلق العرب مبادرة سلام مع إسرائيل خلال القمة العربية في بيروت عام 2002. لم توضع المبادرة حتى اليوم في حيز التنفيذ لأسباب عدة على رأسها ثقة واشنطن بأن أيا من دول العالم لن تستطيع تحريك ساكن في هذه المبادرة مهما طال الزمن.

لنعتمد نظرية “نقض الفرض” ونحاول اختيار بديل للولايات المتحدة كوسيط في الصراع العربي الإسرائيلي. لن يكون هذا الوسيط صينيا أو يابانيا أو هنديا أو كنديا أو أستراليا، ولن يكون أيضا روسيا مهما احتضنت موسكو من اجتماعات للمصالحة بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين.

ما تقدمه إسرائيل يصعب التفريط به كرمى للفلسطينيين، فالاستمتاع بالإطلالة الروسية على البحر المتوسط، وتقليم أظافر إيران لصالح الوجود الروسي في سوريا، بعض من المكاسب التي تحصدها موسكو مقابل صداقتها مع تل أبيب وفتحها الأجواء السورية أمام مقاتلات وصواريخ إسرائيل.

ثمة من يعول على خيارين آخرين لنصرة القضية الفلسطينية. إما انتظار إيران حتى ترمي الإسرائيليين في البحر، وإما انتظار السلطان العثماني حتى يحرر بيت المقدس. المشكلة في الخيارين، أو الوهمين بتعبير أدق، هي أنهما يستبدلان احتلالا بآخر ربما يكون أسوأ، ويبقيان فلسطين تحت الاحتلال.

في الحديث عن بدائل الولايات المتحدة في المنطقة نتوقف أيضا عند الاتحاد الأوروبي، التكتل الحليف لأميركا وشريكها في حلف الناتو، ولكنه يختلف عنها في التعامل مع القضية الفلسطينية فهو يرفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ويؤيد حل الدولتين وفقا للقرارات الدولية. الاتحاد الأوروبي في عهد ترامب وجد نفسه خصما للولايات المتحدة في قضايا عدة. مشكلة الاتحاد هي في تباين قدرات دوله وتوجهاتها السياسية إزاء كل القضايا الخارجية، لذلك هو لا يستطيع كتكتل فعل الكثير أمام جبروت واشنطن خاصة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

في وقف دعم واشنطن لمنظمة الأونروا مثال جيد لمعرفة قدرة التكتل على تعويض الغياب الأميركي جزئيا وليس كليا. الاتحاد خير من يؤيد الحراك السلمي للفلسطينيين ضد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوقهم، ولكن هذا التأييد لن يصل إلى حدود تجبر إسرائيل على مفاوضات سلام دون شروط.

غياب البديل للوساطة الأميركية في قضية السلام يقودنا إلى البحث عن خيارات أخرى للمفاوضات، ربما يكون حل الدولة الواحدة هو البديل الوحيد أمام الفلسطينيين، وربما يكمن الحل في “صفقة القرن” التي يعكف على صياغتها الرئيس ترامب منذ وصوله إلى رئاسة البيت الأبيض قبل عامين. ;ما تسرب عن “صفقة القرن” يقول إنه نعي لمفاوضات السلام وليس إحياء لها، وما يحذر منه ساسة الشرق والغرب هو أن تدفع الصفقة الفلسطينيين نحو خيارات تعيد عملية السلام في المنطقة إلى مربع الصفر، أي قبل اتفاق أوسلو والاعتراف بدولة إسرائيل.

لن يلام الفلسطينيون إذا أعادوا عجلة الزمن إلى الوراء ردا على صفقة قرن جائرة، ولن يخطئ الفلسطينيون في اختيار صديقهم الفعال إذا ما كانت كذلك، فياسر عرفات قد أوصاهم أن يختاروا أصدقاءهم بعناية لأن عدوهم قد اختارهم وأسقط غصن الزيتون.

9