فلسطينيون يعتزمون كسر المحظور وخوض الانتخابات البلدية في القدس

القدس - يأمل المحامي وليد أبوتايه (69 عاما) أن يفوز بعضوية مجلس البلدية الإسرائيلية في القدس ثم رئاستها، غير أنه يواجه معارضة شديدة من جانب الفلسطينيين الذين يقاطع أغلبهم الانتخابات في المدينة المحتلة.
وتفرض البلدية الإسرائيلية سيطرتها على القدس بشطريها الشرقي والغربي، وينظر إليها الفلسطينيون على أنها إحدى أدوات الاحتلال في تهويد المدينة وطمس هويتها العربية والإسلامية.
وتسبب قرار أبوتايه خوض الانتخابات، المقررة في 31 أكتوبر المقبل، في جدل ساخط بالمدينة، إذ عارضه خطباء في المساجد ومتظاهرون في الشوارع ونشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ولا يحمل الفلسطينيون في القدس الشرقية الجنسية الإسرائيلية، لذلك لا يحق لهم المشاركة في الانتخابات البرلمانية، غير أن القانون الإسرائيلي يسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات البلدية.
لكن منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية في 1967، يقاطع الفلسطينيون في المدينة تلك الانتخابات، وتقتصر المشاركة على أعداد قليلة جدا من الفلسطينيين لا تتجاوز عدة مئات.
وقال أبوتايه وهو من مواليد مدينة الناصرة في شمالي إسرائيل ويقيم في القدس الشرقية منذ سنوات “قررت خوض معركة انتخابات بلدية القدس لرئاسة البلدية وعضوية المجلس البلدي”.
وأضاف “قدمنا طلب خوض الانتخابات كقائمة من 32 مرشحا (باسم كل سكانها) وماضون بكل الإجراءات”.
والبلدية مسؤولة عن إصدار رخص البناء وقرارات الهدم وتخصيص الميزانيات للمرافق العامة وصولا إلى التعليم، وتتشكل من رئيس و31 عضوا، ويصل عدد العاملين فيها إلى 12 ألفا، وتبلغ ميزانيتها للعام الجاري حوالي 14 مليار شيكل (3.8 مليار دولار).
وبحلول منتصف 2023، بلغ عدد سكان المدينة بشطريها الشرقي والغربي 966 ألفا، هم 590 ألف يهودي و375 ألف فلسطيني والباقي من المسيحيين الأجانب.
وقال أبوتايه إن “عدد أصحاب حق الاقتراع في القدس بشطريها الشرقي والغربي 695 ألفا، من بينهم 270 ألف فلسطيني”.
وتابع “لدينا قوة هائلة، فنحن نشكل 40 في المئة من عدد السكان في القدس بشطريها، وإذا ما شارك الفلسطينيون بكثافة في الانتخابات، فبإمكاننا الفوز بها”.
ومعللا رغبته في خوض الانتخابات، أردف “أريد التحرر بكل الطرق وأريد أن أعيش، ولكن كيف تقاوم بدون أن تتوفر لك الإمكانيات؟ الانتخابات هي أداة للتحرير”.
ورأى أن التواجد الفلسطيني في المجلس البلدي الإسرائيلي سيحدث فرقا في الحياة اليومية للسكان.
البلدية الإسرائيلية تفرض سيطرتها على القدس بشطريها الشرقي والغربي، وينظر إليها الفلسطينيون على أنها إحدى أدوات الاحتلال في تهويد المدينة
ومضى قائلا “إذا فرضنا وجودا في المجلس البلدي، فيمكننا إجبار البلدية على تخصيص ميزانيات للأحياء الفلسطينية ووقف الهدم حيث يتم هدم 200 إلى 300 بيت سنويا، وهناك نحو 20 إلى 25 ألف منزل مهدد بالهدم، ونخفض الضرائب ونوقف أسرلة التعليم (جعله إسرائيليا)”.
وتساءل مستنكرا “نسبة الفقر في القدس الشرقية 85 في المئة.. لماذا؟ نحن ندفع نفس الضريبة التي يدفعها الإسرائيليون”.
وقال إن “المستوطنين في القدس الشرقية يسيطرون على ثلثي مساحة المدينة، إنهم يأخذون أراضينا وأموالنا ويهدمون منازلنا، ونحن نتمسك بالإجماع الوطني على عدم المشاركة في الانتخابات”.
وتساءل “ما هذا الإجماع؟ من حقك أن تحارب ولا تتوفر لدينا الوسائل العسكرية وإنما معنا الوسائل القانونية والاجتماعية والديمغرافيا، لدينا قوة هائلة وبإمكاننا أن نتحدى إسرائيل”.
ورأى أبوتايه أن نسبة كبيرة من سكان القدس تريد المشاركة في الانتخابات، وقال “عملت دراسات وتوقعاتي هي أن المشاركة في الانتخابات هذا العام ستكون أفضل من الانتخابات السابقة”.
وأضاف “ردود الفعل في الشارع جيدة، أفضل مما توقعت، وأنا لا أجبر أحدا على التصويت لي، وإنما أطلب منهم التصويت، حتى لو لم أحصل على أي صوت، فلن تصيبني خيبة أمل، فيكفيني أنني حاولت”.
منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية في 1967، يقاطع الفلسطينيون في المدينة تلك الانتخابات، وتقتصر المشاركة على أعداد قليلة جدا من الفلسطينيين لا تتجاوز عدة مئات
وتابع “اليهود لا يريدوننا أن نشارك في الانتخابات، فهم يستحوذون على الأموال ولا يريدون أن يشاركونا نسبة منها، فنحن فقط ندفع الضرائب، وهم يريدون الاستحواذ على هذه الأموال ويهدمون بيوتنا”.
غير أن مبررات أبوتايه لا تجد صدى إيجابيا في القدس، وإنما تجابه فقط بتنديد واستنكار.
وقال مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (خاص) زياد الحموري “جرى بحث هذا الموضوع بعد الاحتلال مباشرة عام 1967، وكان هناك قرار، وهو قرار إجماع بالمقاطعة”.
واعتبر الحموري أن الانتخابات “مشروع فاشل منذ البداية والادعاءات التي أوردها أبوتايه غير مقبولة ولا توجد إمكانية لتحقيقها، فحتى لو أخذنا 10 أعضاء بالمجلس البلدي، وهذا غير ممكن، فأتحدى أن نتمكن من إيقاف هدم منزل واحد”.
وشدد على أن “الموقف الصحيح هو عدم المشاركة في الانتخابات تصويتا وترشيحا؛ لأن القدس هي جزء من الأراضي المحتلة حسب كل الاتفاقيات والقرارات الدولية.. ونسبة المشاركة الفلسطينية في الانتخابات السابقة كانت ضئيلة جدا، أقل من 1 في المئة”.
ومضى الحموري قائلا “صحيح أننا اليوم في وضع سيء، ولكن الناس لا يقبلون بالاحتلال، وبالتالي من الخطأ أن نقبل بأن نكون أداة من أدوات الاحتلال”.
بينما تزعم إسرائيل أن القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة لها، يتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمةً لدولتهم المأمولة
وقال “ندفع 30 إلى 32 في المئة من ميزانية البلدية، وهم يصرفون في القدس الشرقية أقل من 5 في المئة، عدم وجودنا في البلدية ليس هو الذي أدى إلى هذا الواقع، ولكن لأن عندهم برامجهم الاحتلالية”.
وبحسب الحموري “لفترة من الوقت، كانت لدينا، كفلسطينيين، علاقة جيدة مع حزب ‘ميرتس’ اليساري الإسرائيلي، وكان لهم تمثيل جيد في المجلس البلدي ما بين 5 إلى 6 أعضاء، وكانوا يدافعون عن كل القضايا المتعلقة بالفلسطينيين، لكنهم لم يتمكنوا من تحسين الميزانية ولا الخدمات ولا وقف الهدم”.
وفي إحدى خطب الجمعة في المسجد الأقصى خلال أغسطس الماضي، جدد خطيب المسجد الشيخ عكرمة صبري الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات البلدية الإسرائيلية.
وقال إنه “سبق للهيئة الإسلامية العليا في القدس منذ العام 1967 أن أصدرت فتاوى شرعية بتوقيع حشد كبير من العلماء تتضمن عدم الاعتراف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس وسائر الأراضي الفلسطينية، وبالتالي لا يجوز شرعا المشاركة في الانتخابات التابعة لبلدية مدينة القدس المحتلة”.
وخلال اعتصام أسبوعي في حي الشيخ جراح بالمدينة الأسبوع الماضي ضد السياسات الإسرائيلية المناهضة للفلسطينيين، قال الناشط محمد أبوالحمص عبر مكبر للصوت “لا نشارك من قريب أو بعيد في انتخابات بلدية الاحتلال”.
وبينما تزعم إسرائيل أن القدس بشطريها الشرقي والغربي عاصمة لها، يتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمةً لدولتهم المأمولة، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967 ولا بضمها إليها في عام 1981.