فلسطينيون يحيون الذكرى التاسعة والعشرين لشاعر الغضب توفيق زيّاد

رام الله - أحيت وزارة الثقافة والمكتبة الوطنية، بالتعاون مع مؤسسة توفيق زياد للثقافة والفنون، مؤخرا الذكرى التاسعة والعشرين لرحيل الشاعر والمناضل الفلسطيني توفيق زياد، وذلك في احتفال ثقافي تكريمي نظم في المكتبة الوطنية ببلدة سردا شمال رام الله.
وقال الأديب المتوكل طه “نحن أدباء المناطق المحتلة عام 1967 كنا مثل الزهر البري لم يكن لنا آباء، كان آباؤنا في المنافي، آباؤنا الحقيقيون الذين وسعوا مداركنا والتقطوا تجاربنا ومحاولاتنا الأولى”.
وأضاف “كان كتاب الـ48 توفيق زياد، سميح القاسم، وإميل حبيبي، الذين علمونا كيف نواجه السياسات الإستراتيجية الصهيونية الحاسمة، سرنا خلفهم، فهم أصحاب التجربة الأعمق التي علمتنا كيف نواجه، وأهدتنا الإرهاصات الساخرة في انتفاضات كان أعلاها ‘يوم الأرض’ وانتفاضة 1987”.
وتابع “أتانا إلى السجن، حين كان عضو كنيست في الانتفاضة الأولى، عانقنا أمام سجن النقب وكان معه سميح القاسم، ومحمد ميعاري، وآخرون، وقال لنا على بواباته، سيصبح ‘أنصار3’ مدرسة”.
الشاعر كان صوت الحرية المقلق والمبدع والعنيد والحر دائما، الذي أصّل للهوية الثقافية الوطنية الفلسطينية
بدوره، قال رئيس المكتبة الوطنية عيسى قراقع “اليوم نحتفي بقائد وشاعر وسياسي ومؤرخ وإنسان، بدأ حياته محتفظا ببندقية جَده في الثلاثينات، وأنهى حياته في استقبال سيد الشهداء ياسر عرفات عند عودته إلى فلسطين عام 1994”.
وأضاف “كان صوت الحرية يملأ كلماته، المقلق والمبدع والعنيد والحر دائما، أصل للهوية الثقافية الوطنية الفلسطينية شعرا ونثرا ومواقف، حامل الرواية والسردية والتاريخ والأماكن والأزمنة، رفض الأسرلة والتطبيع والخنوع”.
من جهته، قال وزير الثقافة عاطف أبوسيف “كنا نشاهد توفيق زياد يخطب بحماسة لا يضاهيها إلا الفعل الثوري، الذي كنا نراه في أزقة المخيم”.
وأضاف “كان يقارع سلطات الاحتلال وينادي بهوية شعبه، توفيق زياد جزء من هذه الإرادة التي لم تتمكن آلة البطش الصهيونية من المساس بها، كان يمثل عنفوان شعب تعرض لإبادة جماعية في النكبة”.
من ناحيته، قال الناقد والأكاديمي عادل الأسطة “أوصانا توفيق زياد بالاهتمام بالأدب الشعبي، واهتم به قبلنا وألف كتابه ‘صور من الأدب الشعبي الفلسطيني’، وأهمية معرفة فولكلورنا وتراثنا ومورثنا للأجيال”.
ومن المعروف أن جيل توفيق زَيَّاد، من ناشطين سياسيين وشعراء، شارك في تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية. فالشعر أضحى للفلسطينيين وسيلة رئيسية للتعبير السياسي والتعبئة ضد الاحتلال.
وضمن هذا السياق يعتبر توفيق زَيَّاد شخصية مثيرة للاهتمام على نحو خاص، إذ لم ينخرط أيّ شاعر آخر من جيله في السياسة أو طور مسيرة سياسية طويلة وناجحة كما فعل. إضافة إلى ذلك، أخذت السياسة الأولوية على تفانيه في الشعر بسبب نموّ التزاماته السياسية.
وقد ولد توفيق أمين زياد في مدينة الناصرة في السابع من مايو عام 1929، زاول تعليمه في المدرسة الثانوية البلدية في الناصرة، وهناك بدأت تتبلور شخصيته السياسية وبرزت لديه موهبة الشعر، ثم ذهب إلى موسكو ليدرس الأدب السوفييتي. وهذا ما جعله يترجم الكثير من الأعمال الهامة من الأدب الروسي كما قام بترجمة أعمال الشاعر التركي ناظم حكمت.
شارك طيلة السنوات التي عاشها في حياة الفلسطينيين السياسية في إسرائيل، وناضل الشاعر من أجل حقوق شعبه، ولم يكتف بالتعبير عن مواقفه الوجودية في قصائده.
نشطاء وسياسيين وشعراء شاركوا في تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية وكان الشعر وسيلة رئيسية للتعبير السياسي والتعبئة ضد الاحتلال
وشغل زياد منصب رئيس بلدية الناصرة ثلاث فترات انتخابية (1975 – 1994)، كما كان عضو كنيست في ست دورات عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي ومن ثم عن القائمة الجديدة للحزب الشيوعي وفيما بعد عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
ورحل الشاعر نتيجة حادث مرور مروع وقع في الخامس من يوليو من عام 1994 وهو في طريقه لاستقبال ياسر عرفات عائدا إلى أريحا بعد اتفاقيات أوسلو.
ويعتبر الكثيرون أن توفيق زياد أحد أشجع القادة العرب الفلسطينيين في إسرائيل وأقربهم إلى نفوس الناس، إذ عرف بدماثة خلقه واستقامته وتواضعه. وهو، إلى هذا، يعتبر من شعراء المقاومة الفلسطينية البارزين، عكست قصائده انتماءه الوطني ومواقفه الطبقية والأممية وركزت على قضايا شعبه الوطنية، وتميزت بالعمق والبساطة وسهولة الحفظ، وهو ما سهل تلحين الكثير منها التي تحولت إلى أغان غَدت جزءا من التراث الغنائي الشعبي للمقاومة.
نال توفيق زياد في سنة 1990 “وسام القدس للثقافة والفنون والآداب” من منظمة التحرير الفلسطينية. وبادرت زوجته وبعض أصدقائه ورفاقه، بعد رحيله، إلى إنشاء “مؤسسة توفيق زياد للثقافة الوطنية والإبداع”، التي تعنى بجمع إرثه الأدبي. وأنشأت وزارة الثقافة التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية في سنة 1995 جائزة “توفيق زياد الأدبية” تكريما له.