فلسطينيون يتعلمون دقة الرماية وسرعتها على ظهور الخيل

دير البلح (فلسطين)- تضرب حوافر الخيل الأرض فترتفع سُحُب الغبار إلى أعلى، بينما يسحب أفراد مجموعة صغيرة من الرماة الشبان الذين يمتطون الجياد أقواسهم ويصوبون سهامهم على هدف دون أن يصيبه معظمهم.
يقول محمد أبومساعد، مدرب أول فريق للرماة على ظهر الخيل في قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليوني فلسطيني، إن أداء أعضاء الفريق سيتحسن. وبعد عدة محاولات أخرى نجح الرماة الفلسطينيون الخمسة في إصابة الهدف.
ويؤكد أن الرماية من على ظهر الخيل مهارة ليس من السهل إتقانها، فهي تتطلب الدقة والتحكم والتركيز، وفيها يقوم الفارس بالتحكم في صهوة الجواد وتركيب القوس على السهم في نفس الوقت، خاصة وأن إصابة الهدف تكون 3 مرات كل 10 ثوان، لذلك تحتاج لجهد وتدريب مكثف.

رياضة بدأت في القرن السادس عشر فكانت أول مسابقة اعتمدت على القوس والنشاب سنة 1583 في إنجلترا
والهدف عبارة عن قرص دائري ملون ومدرجة به خمس دوائر لكل منها لون معين وبترتيب معين من الخارج إلى الداخل (أبيض – أسود – أزرق – أحمر – أصفر)، وتتدرج النقاط من 1 إلى 10 باختلاف لون ومنطقة الحلقة.
وتبدأ عملية التدريب بعملية إحماء عضلات الخيول ثم تدريب الخيالة على رمايات أرضية بأقواس وأسهم على لوحة سهام تسمى “المريشة”، وبعد ذلك تبدأ الرماية من على ظهور الخيل.
ويذكر أبومساعد أنه علّم المتدربين كيف يلبسون الجراب الجلدي المليء بالسهام عند الصعود على ظهر الخيل، مضيفا أنه يراقب دائما بدء عملية التطبيق العملي للتدريبات، التي تركض فيها الخيول مسرعةً قاطعة مسافة 120 مترًا تقريبًا. وعند الاقتراب من “المريشة” يطلق الخيال سهمًا تجاهها محاولًا إصابتها بأعلى دقة ممكنة.
وكانت الرماية تستخدم تقريباً في كل المجتمعات على الأرض، حيث عثر في أفريقيا على رؤوس سهام حجرية يزيد عمرها عن 50 ألف عام، ورسوم جدارية صخرية تمثل رامياً في مصر حوالي 7500 قبل الميلاد، وبدأ التفكير في جعلها رياضة في القرن السادس عشر، فكانت أول مسابقة اعتمدت على القوس والنشاب سنة 1583 في إنجلترا، حضرها ثلاثة آلاف مشترك.

هناك المئات ممن يمارسون رياضة ركوب الخيل في غزة، لكن قليلين منهم فقط حتى الآن يرغبون في محاولة الرماية بالسهام من على ظهر الخيل
وساعدت تلك المهارة جيش المغول بقيادة جنكيز خان قبل قرون مضت في غزو معظم آسيا، وتُستعرض الآن في بطولات متخصصة. وبدأت هذه الرياضة تلقى صداها مؤخرا في البلدان العربية، منها المملكة العربية السعودية وقطر والمملكة الأردنية.
ويريد أبومساعد (40 عاما) الذي حصل على دورة تدريبية في أندونيسيا قبل أعوام، تشكيل فريق يمكنه أن ينافس على الصعيد الدولي، ونجح حتى الآن في ضم عدد قليل من المشاركين.
وأوضح أنه توجه إلى العديد من الجهات المختصة لتبنّي فكرته للوصول إلى الهدف المرجو، وأن تصل رسالته إلى الاتحاد الفلسطيني للفروسية ولأصحاب القرار، خاصة وأنه تلقى دعوة للمشاركة في منافسات أقيمت في كوريا الجنوبية العام الماضي، لكنه لم يتمكن من السفر لعدم توفر المقومات المادية الكافية.
وحول الصعوبات والمعيقات التي تواجهه أوضح أن الأدوات والمسار هي أبرز العراقيل، مشيرا إلى أن الشيخ حازم أبوزايد أحد أعلام الفروسية في القطاع وفّر له مساحة من الأرض بشكل مؤقت ليبدأ بمشروعه وتكوين مسار التدريب.
وباتت المساحة الواقعة على ساحل بحر منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة ملاذًا أسبوعيًا وتجمعًا للفرسان؛ فمع هبوب نسمات الهواء العليل من الساحل القريب تبدأ الخيول صولات وجولات تدريب على تلك الرياضة.

كانت الرماية تستخدم تقريباً في كل المجتمعات على الأرض، حيث عثر في أفريقيا على رؤوس سهام حجرية يزيد عمرها عن 50 ألف عام
ويقول أبومساعد “من ضمن ما دفعني في هذا المجال هو إحياء هذا الإرث المدفون (…) وأيضا أن نحيي هذه الرياضة وأن نوجه الشباب إلى ممارسة هذه الرياضة فمن جربها يعرف مذاقها، إنها تعمل على تفريغ الطاقة السلبية”.
ويصنع أبومساعد بنفسه سهام أعضاء الفريق من الخشب وألياف الكربون والغراء، بعد أن أمضى حوالي ثلاث سنوات وهو يحاول إنتاج قوس ناجح تخللها اتلاف مقتنيات ومواد عديدة. وأشار إلى أنه اعتمد على مهاراته الفردية وصقل بعضها عبر الإنترنت من خلال دروس يقدمها الخبراء من شرق آسيا، وصار يزينها في بعض الأحيان بقرون حيوانات.
وهناك المئات ممن يمارسون رياضة ركوب الخيل في غزة، لكن قليلين منهم فقط حتى الآن يرغبون في محاولة الرماية بالسهام من على ظهر الخيل. ويوضح أبومساعد أن التحدي في هذه الرياضة يتمثل في المحافظة على الهدوء والتركيز أثناء الوقوف بشكل مستقيم على ظهر حصان يركض.
ويقول مهند أبومساعد (15 عاما) وهو عضو في الفريق، إنه يستمتع بإطلاق السهام من على ظهر الحصان وهو يركض، مضيفا أن من يجرب هذا الأمر مرة واحدة لن ينساه وسيرغب في تكراره مرارا.