فلاديمير بوتين لا يريد سترات صفراء في الساحة الحمراء

سجال بين الرئيس الروسي ونظيره الفرنسي حول أيهما أكثر ديمقراطية في كيفية تعامل بلديهما مع المتظاهرين.
الأربعاء 2019/08/21
الفرق واضح بيننا

تبادل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اللقاء الذي جمعهما الاثنين انتقادات لاذعة حول كيفية تعامل بلديهما مع المتظاهرين. وبينما قدم كل طرف مبرّراته لاستعمال العنف مع المتظاهرين يبقى هناك اختلاف أساسي بين احتجاجات موسكو وباريس يكمن في الفروق التي تبرز تباين مستويات الحريات الأساسية في البلدين والتي تميل كفتها أكثر نحو باريس مقارنة بموسكو.

بورم لي ميموزا (فرنسا) – خطفت السترات الصفراء الاهتمام من بقية الملفات الاستراتيجية التي كانت مطروحة على طاولة اللقاء بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في جنوب فرنسا. ودار سجال حادّ بين الرئيس الروسي ونظيره الفرنسي حول الحركات الاحتجاجية في كلا البلدين والطريقة التي تعامل بها الطرفان معها، إلا أن الأمر لم يخل من نقطة توافق ضمنية، فمثلما لا تريد باريس سترات صفراء في ساحاتها الرئيسية لا تريد موسكو سترات صفراء في الساحة الحمراء.

وتحدث الرئيسان، خلال لقاء صحافي، بلهجة قوية عن السترات الصفراء والمظاهرات والديمقراطية وحقوق الإنسان بلهجة قوية وحادة تنسف الرغبة التي عبّر عنها بوتين وماكرون في بداية اللقاء الذي جمعهما في المقر الرئاسي الفرنسي الصيفي.

ومثلما مثلت السترات الصفراء أقوى احتجاجات تشهدها فرنسا منذ سنوات طويلة مثّلت الاحتجاجات الأخيرة، التي سجلت ذروتها يوم 10 أغسطس بمشاركة حوالي خمسين ألف شخص تجمعوا للمطالبة بإجراء انتخابات نزيهة بعد رفض ترشح 60 عضوا مستقلا للانتخابات المحلية المقررة في 8 سبتمبر، والدعوة إلى إطلاق سراح النشطاء الذين اعتقلوا، الاحتجاجات الأكثر حضورا التي شهدتها روسيا منذ ما يسمى بموجة “بولوتنايا” المناهضة لبوتين في أواخر سنة 2011 وبداية 2012.

وردّا على سؤال عن قمع السلطات الروسية للتظاهرات المطالبة بالديمقراطية والاعتقالات التي طالت حوالي ثلاثة آلاف متظاهر منذ منتصف يوليو، أكّد بوتين أنّ ما جرى في بلاده لا يختلف كثيرا عن أعمال العنف التي رافقت احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا خلال الشتاء والربيع الماضيين.

ليونيد بيرشيدسكي: قمع الاحتجاجات في كلا البلدين غير متكافئ
ليونيد بيرشيدسكي: قمع الاحتجاجات في كلا البلدين غير متكافئ

وقال الرئيس الروسي “هذه الحالات لا تحصل فقط في روسيا. أنا مدعوّ من قبل الرئيس الفرنسي وأشعر ببعض الانزعاج في الحديث عن هذا الأمر، ولكنّنا نعرف ما حدث خلال تظاهرات السترات الصفراء، حيث -بحسب إحصاءاتنا- سقط 11 قتيلا و2500 جريح، من بينهم ألفان من عناصر الشرطة. لا نريد أن تقع مثل هذه الأحداث في العاصمة الروسية”.

وتعتبر هذه التصريحات جديدة بالنسبة للرئيس الروسي، فهي المرة الأولى التي يتحدث فيها علنا ولأول مرة عن الاحتجاجات في بلاده ويعلق على قمعها. وكتب الصحافي في وكالة بلومبرغ ليونيد بيرشيدسكي معلقا “لم يتوقع أحد من بوتين، المشهور بعدم الركوع تحت الضغط، أن يقول أي شيء آخر”.

فرنسا تحترم المعاهدات

لم يكد بوتين ينهي كلامه حتى سارع ماكرون، الذي بدا عليه بوضوح الانزعاج من هذه المقارنة، إلى الردّ بالقول إنّه لا يوجد وجه للشبه إطلاقا بين ما جرى في فرنسا وما يجري في روسيا. وقال “في كل مكان في بلادنا تجري مظاهرات” لكنّ “المهمّ هو أنّنا عندما نوقّع على معاهدات، فإنّنا نحترمها”.

وتابع الرئيس الفرنسي “روسيا على غرار فرنسا وقّعت على معاهدات دولية تنصّ على أنّ حرية التعبير وحرية الرأي وحرية التظاهر وحرية الترشح للانتخابات يجب أن تُحترم في ديمقراطياتنا. هذا هو السبب الذي دفع فرنسا لأن تدعو هذا الصيف إلى الالتزام بهذا الأمر، بما في ذلك الوضع في موسكو لأنّه يثير قلق الكثيرين”.

وشدّد ماكرون على أنّ “فرنسا شهدت حالات تخلّلتها أعمال عنف” أسفرت عن سقوط جرحى في صفوف المتظاهرين وقوات الأمن على حدّ سواء، “غير أنّ فرنسا احترمت دستورها وحقوق مجلس أوروبا”.

فرنسا

وتابع ماكرون “أقولها بوضوح إنّه في فرنسا -وهذا هو السبب في أنّ المقارنة لا تجوز- أولئك الذين تظاهروا ترشّحوا بكل حرية إلى الانتخابات، وأولئك الذين نطلق عليهم السترات الصفراء شاركوا بحرية في الانتخابات الأوروبية وسيشاركون في الانتخابات البلدية.”

وأكّد الرئيس الفرنسي “أنّنا في بلد يستطيع فيه الناس التعبير بحرية والتظاهر بحرية والتعبير عن آرائهم بحرية”، معتبرا أنّ “هذا هو الفرق بين الحرية التي تستدعي الحفاظ على النظام العام وعدم احترام الحرية”.

غير أنّ الرئيس الروسي أبى في نهاية مطالعة ماكرون إلّا أن يردّ عليه بالقول “هذا ما نفعله نحن”، مؤكّدا أنّه تمّ “مرتين في يوليو وأغسطس السماح لتظاهرات حاشدة”، مضيفا “بهذه الطريقة أودّ أن تجري الأمور لدينا وفي بلدان أخرى”.

وليست هذه المرة الأولى التي يصدر فيها عن الطرفان مثل هذه الأحاديث، حيث سبق أن حثّت روسيا فرنسا على عدم “تقديم مواعظ” بشأن الاعتقالات الجماعية الأخيرة للمتظاهرين. واتهمتها في أواخر يوليو الماضي،  باستخدام “جميع الأساليب القمعية” خلال حركة السترات الصفراء.

أولغا زيفيليفا: الجيل الجديد من المتظاهرين لا يؤمن  بأساطير الكرملين
أولغا زيفيليفا: الجيل الجديد من المتظاهرين لا يؤمن  بأساطير الكرملين

وكان أفراد من المعارضة الروسية خرجوا في  مظاهرة تستنكر رفض السلطات للعديد من المرشحين الذين أرادوا خوض الانتخابات المحلية. وأسفر هذا الاحتجاج الذي لم توافق عليه السلطات عن اعتقال حوالي 1400 شخص، وفقا لمنظمة غير حكومية.

وأبدت فرنسا رأيها في هذا الموضوع عبر بيان صدر عن وزارة الخارجية الفرنسية، بعد يومين من خروج المظاهرات والاعتقالات، دعت فيه إلى “الإفراج السريع” عن المحتجين المعتقلين”.

انتقادات روسية

ردّت على هذا البيان المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، قائلة في تدوينة على موقع فيسبوك، إن فرنسا التي تدعو موسكو إلى الإفراج عن المحتجين هي نفسها التي شهدت مواجهات عنيفة بين المحتجين والشرطة خلال السنة الماضية. وذكرت أن “السلطات الفرنسية مارست على المحتجين الفرنسيين (في إشارة إلى حركة السترات الصفراء) كل أنواع الأساليب القمعية: من الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه إلى الاعتقالات الجماعية”.

وكانت باريس اتهمت موسكو بالعمل على التأثير في الاحتجاجات التي بدأها متظاهرون يرتدون سترات صفراء على مستوى بوابات المرور على طريق سريع، في بياريتز جنوب غرب فرنسا في  ديسمبر 2018، وذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

وفتحت فرنسا تحقيقا حول تدخل روسي محتمل في الاحتجاجات، بعد تقارير تفيد بأن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بموسكو استهدفت الحركة بشكل متزايد. وقالت إن المتصيّدين عبر وسائل التواصل الاجتماعي الروسية ساعدوا في تأجيج احتجاجات “السترات صفراء”.

روسيا

لكن، حتى لو كان صحيحا، فإن هذا الاتهام سرعان ما يفقد قيمته خاصة في ظل توفر كل المسببات التي دفعت المتظاهرين الفرنسيين إلى حالة من الاحتقان والخروج إلى الشوارع في مظاهرات لم تشهدها فرنسا منذ سنوات طويلة. ومن جهتها تواجه موسكو حالة مشابهة من الاحتقان الاجتماعي والمعارضة السياسية ودعم حركة السترات الصفراء لم يكن في صالحها.

ويقول بيرشيدسكي “مع اختلافهما، تتشابه الأسباب التي ساهمت في اندلاع الحركتين الاحتجاجيتين في باريس وموسكو”.

لكن على الرغم من فشلها، فقد أجبرت حركة السترات الصفراء ماكرون على منح المزيد من الاهتمام للسياسات الاجتماعية وإظهار المزيد من الوعي بمظالم المواطنين العاديين. وفي المقابل، يبدو الوضع مختلفا في روسيا، حيث تقمع هذه الحريات الأساسية مثلها مثل الديمقراطية الانتخابية. لهذا السبب، يرى بيرشيدسكي أن حديث بوتين عن أن موسكو تعدّ أكثر هدوءا من باريس في غير محله، متوقعا أن “ينهار النظام الذي بناه بوتين بسبب الغضب الشعبي الذي لن تشهد مثله فرنسا لأنها أكثر حرية من موسكو”.

وتدعم هذا التوجه أولغا زيفيليفا، الباحثة في قسم علم الاجتماع بجامعة كامبريدج، بقولها “لا يشترك المتظاهرون الروس مع الأجيال السابقة في الأساطير القديمة للكرملين. لديهم روبوتات تيليغرام وفرق كاملة من المحامين ونشطاء في متناول أيديهم. وستلعب هذه البنى التحتية الرقمية دورا في جذب الانتباه وتحقيق العدالة”.

7