فكرة عن السعادة

يعتبر الفيلسوف الروماني - الفرنسي إميل سيوران أن السعادة هي التعبير الملطف عن الغباء.
الأغبياء وحدهم من وجهة نظره هم السعداء. ولكن لا أحد يعترف بأنه غبي.
بالنسبة إلى السعادة فإن هناك من يسرك بأنه غير سعيد بزواجه أو بعمله أو بحياته بشكل عام. أما من يتوهم بأنه سعيد فإنه يحاول قدر ما يمكن أن يخبئ ذلك الشعور لئلا يحسده الآخرون، غير أن ذلك السلوك لا يضمن له الاحتفاظ بذلك الشعور الغامض في كل الأحوال.
لا بأس. لنفترض أن المرء كان سعيدا في علاقته الزوجية يوما ما، ولكن ما من شيء يضمن أن تلك السعادة ستمتد إلى العمل.
قد يفاجأ أن هناك قرارات إدارية ستؤدي إلى تخفيض راتبه. حينها ينتهي زمن السعادة. أو يلتفت إلى كرسي زميله فيراه فارغا وحين يسأل عن ذلك الزميل يُقال له إنه مات أمس. سيكون ذلك اليوم الذي بدأ سعيدا كارثيا بكل المعاني.
التقيت ذات مرة برجل يعيش في الشارع. لا شيء في مظهره يوحي بأنه كان كذلك دائما. أما حين اكتشفت بأنه شاعر، فقد تعلقت به وصرت أحاوره بعد أن ينهي من العزف على كمنجته.
كان موسيقيا موهوبا. قال لي ذات مرة “أنا سعيد يا رجل. فلا تشعر بالأسى من أجلي وإلا ستدمر سعادتي”.
لا زوجة ولا بيت ولا أولاد ولا عمل ولا مال ولا مستقبل ولكنه سعيد. رجل لا يفكر في مستقبله. قال لي ذات مرة “أنا أعيشه”، وهو يقصد مستقبله.
شعرت يومها بالخوف من سعادته. لا يمكنني أن أكون سعيدا لو كنت في مكانه. غير أنني صرت أفكر في سعادتي لأن القدر قد أخطأني ولم أكن في مكانه.
هو سعيد في مكانه وأنا سعيد في مكاني. لقد ذكرني بسعادتي التي لم أفكر فيها. لطالما ضحكت. ما أجمل أن يضحك المرء بسبب أو من غير سبب. ليس من الضروري أن يكون المرء سعيدا حين يضحك. ولكن الضحك تعبير حقيقي عن عمق الصلة بالحياة.
أنت تضحك إذا أنت حي.
أتذكر أنني التقيت في باريس بصديقة قديمة وقضينا الوقت ونحن نضحك. وفي اليوم التالي لم أتذكر لماذا كنا نضحك.
لم يعذبني ذلك السؤال فقد كنت ممتلئا بالسعادة لأنني ضحكت ولأنني كنت في حاجة إلى الضحك.
وإذا ما عدت إلى مقولة سيوران فإن المرء يحتاج إلى أن يكون غبيا لا من أجل أن يشعر بالسعادة بل من أجل أن يشعر أنه لا يزال يقاوم عبث الحياة.
كل أسباب الحياة تجبرنا على الشعور بسعادة لسنا مسؤولين عنها.