فقدان الآباء وظائفَهم ينعكس سلبا على نفسيات الأبناء

الندوب التي تخلفها بطالة الآباء في نفسيات الأبناء تكون عميقة كما أن لها آثارا مدمرة على الصحة البدنية والعقلية للآباء وعلاقاتهم الأسرية.
الجمعة 2020/11/27
انخفاض الموارد المالية يرفع منسوب التوتر داخل الأسرة

فقدان الآباء وظائفهم لا يؤثّر عليهم فقط، بل يؤثّر على أبنائهم أيضا، إذ أن الأطفال يعانون من هذا التغيير الذي يطرأ على حياتهم ويؤدي إلى ضغوط كبيرة تنعكس على أمنهم واستقرارهم المادي والمعنوي.

حذرت عدة دراسات اجتماعية من أن بطالة الوالدين تعرض الأطفال إلى الخطر. وتفسّر ذلك بأنه عندما تنخفض الموارد المالية وتزداد التوترات داخل الأسرة، فإن كل ذلك يعود سلبا على نتائج الأبناء الدراسية ويصابون بإرهاق نفسي، مما يقلل فرص نجاحهم في المستقبل.

وكشفت الدراسات أن الأطفال في الأسر التي اضطرتها أزمة كورونا إلى توقف عائلها عن العمل واجهوا الكثير من المشاكل وجلبت الجائحة لعائلاتهم مشقة مضاعفة.

وأكدت الدراسات أنه مع وصول بطالة الوالدين مؤخرا إلى أعلى مستوياتها، فإن مخاطر ذلك انعكست على الأطفال أيضا وبدت هائلة، مشيرة إلى أن الندوب التي خلفتها بطالة الآباء في نفسيات الأبناء كانت عميقة.

وأشار أخصائيو علم الاجتماع إلى أن فقدان الوظيفة يؤثر على الأسرة بأكملها، لكن الأطفال يسقطون غالبا من المعادلة رغم تأثرهم المباشر بتغيير كبير كهذا. ويفضل العديد من الآباء تجنب مصارحة أبنائهم بشأن هذا الأمر، وعندما يخبرون أطفالهم فإنهم لا يعرفون ماذا يقولون أو كيف يبدأون.

وبينوا أن عمر الطفل يلعب دورا كبيرا في كيفية التعامل مع موضوع فقدان وظيفة الأب أو الأم. وبالنسبة إلى الأطفال قبل عمر المدرسة، يمكن أن يكون الأمر بسيطا، أما بالنسبة إلى الطفل الأكبر قليلا، فيمكن التعامل مع بعض التفاصيل الإضافية بنوع من التقبّل وإن كان ظرفيا.

وفي مقابل ذلك يتوقّع المراهقون أكبر قدر من التفاصيل، ومن المرجح أن يتحول تفكيرهم إلى المال، حيث أنهم يدركون أن فقدان الوظيفة يعني فقدان الأموال، وتعطيل خططهم الترفيهية.

وقال الخبراء إن نتائج الدراسات حول تأثير بطالة الوالدين على الأبناء مقلقة، حيث أظهرت أن الأطفال الذين يكون آباؤهم عاطلين عن العمل لديهم درجات في الشهادات المدرسية أقل من درجات أقرانهم، وأكثر عرضة لحالات التوقف عن الدراسة والرسوب وانخفاض معدلات التخرج من المدارس الثانوية وانخفاض الالتحاق بالكليات.

الأطفال الذين يكون آباؤهم عاطلين عن العمل لديهم درجات أقل من أقرانهم، والمزيد من حالات التوقف عن الدراسة، وزيادة احتمال الرسوب
الأطفال الذين يكون آباؤهم عاطلين عن العمل لديهم درجات أقل من أقرانهم، والمزيد من حالات التوقف عن الدراسة، وزيادة احتمال الرسوب

كما تحدّ بطالة الآباء، التي تستمر أحيانا لفترة طويلة، من فرص أبنائهم في النجاح، وينتهي بهم الأمر إلى أن يكسبوا أقل عندما يصلون إلى مرحلة الشباب ويعتمدون أكثر على المساعدة الاجتماعية.

وقالت الأستاذة هدى عبدالعال العماوي، المختصة في علم النفس الإكلينيكي في مصر، “أعتقد أن فقدان الأب لوظيفته لا يرتبط بالضرورة بفشل الأبناء على الرغم من تأثيره المؤكد على نفسياتهم”، مبيّنة أن النتائج قد تكون عكسية ويمكن أن يكون هذا الأمر محفزا لهم على تحمل المسؤولية ويشجعهم على الاهتمام بالدراسة.

وأضافت موضحة لـ”العرب” أن هذا الأمر يرتكز بالأساس على شخصية الآباء وطرق تفكيرهم، فإذا كان الأب على وعي كافٍ بطرق التربية، فمن الممكن أن يكون هذا الظرف رغم ما يتسم به من صعوبة على جميع أفراد الأسرة دافعا للأبناء إلى المشاركة في تحمل أعباء الأسرة من خلال الاهتمام بالدراسة وتحمل المسؤولية والعمل أثناء الإجازة.

وتابعت العماوي قائلة “أما إذا كان الأب محدود الخبرة في التعامل مع الأبناء في ظرف كهذا، فقد يدفعهم ذلك إلى التوجه نحو سلوكيات غير سوية، مثل استخدام العنف في المعاملة والضغط النفسي الزائد، مما يؤثر على مستواهم الدراسي وعلى تعاملهم من الآخرين اجتماعيا وتكون النتيجة الفشل”.

وأشارت إلى أن نجاح الأبناء يتوقف على طريقة تعامل آبائهم مع تلك الظروف، فإذا كان التعامل إيجابيا كانت النتيجة إيجابية وزاد النجاح، أما إذا كان التعامل سيئا وسلبيا فإن النتيجة سوف تكون حتما سلبية وهي الفشل دراسيا واجتماعيا ونفسيا.

وأكد علماء الاجتماع أن فقدان الوظيفة لا يعني مجرد انخفاض كبير في الدخل والأمن الاقتصادي للأسرة فقط، وإنما له آثار مدمرة على الصحة البدنية والعقلية للآباء وعلاقاتهم الأسرية، كما أنه يزيد من الخلافات الزوجية ومن خطر الطلاق، ويؤدي إلى المزيد من الأبوة غير الفعالة، والتي تكون أحيانا قاسية جدا، وكنتيجة لذلك يدفع الأطفال ثمنا باهظا مقابل المصاعب الاقتصادية التي يمر بها آباؤهم.

وأثبتت الدراسات أن فقدان الوظيفة لفترات طويلة يزيد من الصراع بين المراهقين وأولياء أمورهم. وتميل الفتيات المراهقات إلى أن يتخلصن من رقابة والديهن ويصبحن أكثر عرضة للسلوكيات المحفوفة بالمخاطر مثل تعاطي المخدرات. وبيّنت دراسة حديثة أنه خلال الأزمات زادت نسب الإساءة إلى الأطفال عندما كان أحد الوالدين -وخاصة الأم- عاطلا عن العمل.

وأشار المختصون إلى أن البطالة تعتبر تهديدا خطيرا للأطفال، وتؤثر خاصة على رفاههم العاطفي والاجتماعي، مؤكدين أنه عند فقدان الآباء وظائفهم يشعر الأبناء بأن شيئا مأساويا قد حدث للأسرة، لكنهم لا يمتلكون مهارات التأقلم والتعامل معه والتحدث عنه والتعبير عما يشعرون به، ولفتوا إلى أن الأطفال معرضون بشكل خاص إلى الاضطرابات العاطفية بسبب انعدام الأمن الاقتصادي داخل الأسرة.

ويؤدي فقدان أحد الوالدين وظيفته إلى تغييرات واضحة وجذرية في حياة الأبناء، سواء كان ذلك من حيث تقليص نفقات الأسرة أو الاضطرار إلى الانتقال للسكن مع الأجداد، ويمكن أن تتسبب لهم هذه التغييرات في الكثير من المشكلات. وكشفت الكثير من الدراسات التي أنجزت حول آثار فقدان الآباء وظائفهم على الأطفال أن زيادة المشاكل بين الأبوين والتوترات الأسرية لهما تأثير أقوى من خسارة الموارد المالية للأسرة.

وتبرز علامات القلق لدى الطفل أثناء هذه المرحلة في آلام المعدة والصداع والقلق غير المبرر، وأعراض جسدية أخرى مثل نتف الشعر أو قضم الأظافر، وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن يصاب الطفل باضطرابات سلوكية تظهر من خلال فرط الحركة والعدوانية في المدرسة أو العزلة.

ويواجه الكثير من الآباء صعوبات بالغة لإخفاء الضغط الهائل، والألم الذي يشعرون به عندما يفقدون الدخل الرئيسي لأسرهم، وتبرز هذه الأزمة بوضوح في صعوبة مقاومة التعليقات حول عدم قدرتهم على دفع الإيجار أو تسديد أقساط القروض البنكية، أو التعليقات السلبية حول دفع رسومات الدراسة أو تكلفة الأنشطة الرياضية. ومن الناحية التنموية، يجد الأطفال صعوبة في الانتقال من القلق إلى التخطيط وحل المشكلات، ولا يعرفون كيفية التعامل مع ترديد عبارات من قبيل “سنعيش في الشوارع إذا لم أجد وظيفة”.

وقال المختصون إن الاستسلام للعواطف السلبية المصاحبة لفقدان دخل الأسرة خطأ كبير وينعكس سلبا على حالة الأبناء المزاجية وتواصل مع الآخرين على الرغم مما يبذله الآباء من جهود للسيطرة على أنفسهم، ويمكن أن يؤدي الشعور بالحرج أو شرح ظروف الأسرة للمقربين إلى عزلة الأطفال.

وأوضحوا أنه على الرغم من أنه من الجيد إبقاء الأخبار السيئة سرا لتجنيب الأطفال مشاعر القلق والتوتر، إلا أنهم يشعرون بكل ما يدور حولهم. ومن المحتمل أن يكونوا أكثر انزعاجا عندما يكتشفون أن أولياء أمورهم الذين يثقون فيهم كثيرا قد أخفوا عنهم شيئا، ويمكنهم أن يتخيلوا أسوأ السيناريوهات إذا لم يعلمهم الآباء بما يحدث في محيطهم الأسري.

وقد يكون البقاء دون وظيفة لبضعة أسابيع أمرا مرهقا بعض الشيء للأطفال، ولكن بمجرد العودة إلى العمل من المحتمل أن تعود الأمور إلى طبيعتها ومن المرجح أن يتعافى الأبناء من الإجهاد، إلا أنه إذا بقي الأب عاطلا عن العمل لفترة طويلة، فقد تؤثر بطالته على رفاهية طفله وتقلل من سعادته.

وأظهرت البحوث أنه عندما يتوتر الآباء بسبب فقدان الدخل أو صعوبة العثور على عمل، يشعر الأطفال أيضا بالتوتر، وعندما تضطر العائلات إلى الانتقال إلى مدينة جديدة أو التوقف عن إرسال الأطفال إلى أنشطتهم المعتادة يمكن أن تتأثر حياة الأطفال اليومية سلبا.

فقدان الوظيفة يؤثر على الأسرة بأكملها، لكن الأطفال يسقطون غالبا من المعادلة رغم تأثرهم المباشر بتغيير كبير كهذا

وقد يشعر الأطفال الأكبر سنا بالقلق من أن أسرهم ستعيش في فقر أو أن تصبح بلا مأوى. ويمكن أن يصبحوا هدفا للمضايقة والتنمر من قبل الأطفال الآخرين عندما يكون أحد الوالدين عاطلا عن العمل.

وأشار علماء النفس إلى أن التحدث عن كيفية مرور الأجداد بظروف صعبة وكيف أن الأطفال ساعدوا على دفع الأسرة إلى الأمام، يمكن أن يمنح الأمل في أن تكون هذه الأوقات ظرفية ولا يمكن أن تستمر إلى الأبد.

ونبهوا إلى أن الضحك واللعب والقيام بأشياء معا للاحتفال بالتواجد في العائلة هي أسلحة قوية لمحاربة الخوف ومساعدة الطفل على فهم السبب الذي يجعل أحد الآباء يشعر أحيانا بالقلق الشديد ليس من خلال تجاوز الحزن والقلق، ولكن بالإشارة إلى أنها قضية صعبة تشغل أحيانا كل انتباهه.

ونصحوا بتعليم الأطفال كيفية أن يظل الشخص بخير ومتصالحا مع نفسه حتى في أحلك الظروف. كما نصحوا بعدم استبعاد عروض المساعدة من الأطفال، لأنهم يبحثون عن الحلول تماما مثل الآباء والأمهات في الأسرة.

21