فضيحة باركليز تطال حمد بن جاسم

لندن - تدرّجت الاتهامات في القضيّة الجارية أمام القضاء البريطاني ضدّ بنك باركليز، لتطال رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، مفجّرة فضيحة جديدة بوجه الرّجل الذي لازمته الشبهات والاتهامات طيلة مسيرته السياسية ولم تنقطع عن ملاحقته حتى بعد مغادرته أروقة الحكم في صيف سنة 2013.
وكشفت صحيفة فايننشال تايمز في مواكبتها لوقائع محاكمة بنك باركليز أنّ الشيخ حمد بن جاسم طلب عمولة شخصية وحصل عليها من البنك الذي كان يسعى في أوج أزمته المالية العام 2008 لتأمين تمويل قطري يساعده على تجاوز الأزمة. وتجري محاكمة البنك ذي الشهرة العالمية بتهمة تدبير مساعدة مالية غير قانونية الأمر الذي يدخل قانونيا ضمن جرائم الاحتيال المالي.
وأوائل الشهر الجاري، أعلن في لندن عن مثول مصرفيين بارزين على صلة بقضية البنك أمام هيئة محلفين في لندن ضمن محاكمة اعتُبرت اختبارا لصلابة مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة.
ويواجه جون فارلي الرئيس التنفيذي السابق لبنك باركليز وثلاثة مصرفيين كانوا في السابق زملاء له، اتهامات بشأن تعاملات مع مستثمرين قطريين لتدبير عمليات ضخ للأموال سمحت للبنك بتجاوز الأزمة قبل عشر سنوات.
ووُجهت تهمة التآمر لارتكاب جرائم احتيال إلى كل من فارلي وروجر جينكينز، الذي تولى في السابق منصب رئيس مجلس إدارة الذراع المصرفية للبنك في الشرق الأوسط، وتوم كالاريس الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي السابق لقطاع الثروات، وريتشارد بوث الرئيس السابق للقطاع الأوروبي.
الاتهامات الموجّهة للبنك يمكن أن تجرّ سلسلة أطول من القضايا خارج المملكة المتحدة وفي العديد من بلدان الغرب
ودبر باركليز نحو 12 مليار جنيه إسترليني (15 مليار دولار) في تمويل طارئ من مستثمرين مع تراجع الأسواق في 2008، مما سمح له بتفادي إنقاذ حكومي وهي خطوة اتخذها منافساه رويال بنك أوف سكوتلاند ولويدز.
واستثمرت قطر القابضة، وهي جزء من صندوق الثروة السيادي “جهاز قطر للاستثمار”، وتشالنجر وهي شركة استثمار خاصة على ملك الشيخ حمد بن جاسم، نحو ستة مليارات جنيه إسترليني في البنك.
لكن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة وجه اتهامات للرجال الأربعة بشأن “ترتيبات لجمع رأسمال” مع قطر القابضة وتشالنجر في يونيو وأكتوبر من سنة 2008 وتسهيل قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار أتاحه باركليز لقطر في نوفمبر 2008.
ويقول خبراء المال والأعمال إنّ الاتهامات الموجّهة للبنك يمكن أن تجرّ سلسلة أطول من القضايا خارج المملكة المتحدة وفي العديد من بلدان الغرب، حيث توجد لقطر أنشطة مالية كثيرا ما تحف بها شبهات تلاعب ومحاولات للقفز على القوانين باستخدام الكم الهائل من الأموال المتأتية من بيع الغاز.
وضمن بوادر توسّع القضيّة، قال ممثل الادّعاء البريطاني إد براون، “إنّ فارلي، حاول تجنب طلب بنك باركليز الحصول على مساعدة من حكومة المملكة المتحدة خلال الأزمة المالية لعام 2008، وحتّى لا يفقد البنك استقلاليته ويتعرض لمزيد من التدقيق الحكومي، وافق على دفع عمولات سرية لرئيس الوزراء القطري آنذاك الشيخ حمد بن جاسم مقابل مساعدة الأخير باستثمار مبلغ 4 مليارات جنيه إسترليني في البنك”.

ووفق ما أورده موقع بلومبيرغ، أضاف براون، الذي يمثل الادعاء البريطاني أن فارلي وثلاثة من كبار مساعديه، خضعوا للابتزاز من جانب رئيس الوزراء القطري آنذاك، ومن ثم قاموا بالتلاعب وتخفيض الرسوم، التي دفعها البنك للشركات القطرية، وتم تزوير مستند تدقيق مضلل، لإتمام تنفيذ هذا الاتفاق، الذي وصفه ممثل الادعاء بـ”معاملة غير شريفة”. ووصفت مصادر متابعة لتطورات محاكمة بنك باركليز بأنّ الاتهامات التي تشمل الشيخ حمد بن جاسم قويّة جدّا ومؤسسة على وثائق وأدلّة “صلبة”.
وضمن مجريات المحاكمة قام ممثّل الادعاء عن مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطرة بتقديم مستندات تتضمن تفريغا لرسائل بريد إلكتروني ومكالمات هاتفية ونسخا من المحادثات التي دارت بين المسؤولين التنفيذيين قيد المحاكمة، إلى هيئة المحلفين لإثبات أن هؤلاء المسؤولين تآمروا لتضليل المستثمرين من خلال تزوير مستندات بإبرام اتفاقيات استشارية وهمية مع المسؤول القطري لإخفاء 322 مليون جنيه إسترليني تم دفعها كعمولات سرية لقطر وتعادل ضعفي العمولات التي تم سدادها لعملاء آخرين.
ولا يزال الموقف القانوني للشيخ حمد بن جاسم ومدى إمكانية خضوعه للمحاكمة في ذات القضية غير واضح، إذ تعود آخر محاولة لجرّه أمام القضاء في بريطانيا إلى سنة 2016 في دعوى رفعها ضدّه شخص قطري يحمل الجنسية البريطانية وسبق له أن شغل منصب متحدث باسم الدولة والخارجية القطرية، واتهمه فيها بمحاولة الاستيلاء على أرضه دون موجب قانوني وباختطافه وحبسه وتعذيبه بين سنتي 2009 و2011.
ورغم أنّه لم يعرف إلى ذلك الحين أنّ الشيخ حمد بن جاسم يشغل منذ مغادرته السلطة أي منصب رسمي في الدولة القطرية، إلاّ أن الجميع فوجئوا بأنّه يتمتّع بالحصانة الدبلوماسية لشغله منصب “وزير مفوّض في السفارة القطرية بلندن”، فيما بدا أنّه منصب أسند إليه على عجل لمواجهة النزاع القضائي أمام المحاكم البريطانية مع الشخص صاحب الدعوى المتعلقة بقضية الاستيلاء على الأرض.