فضائح جنسية تهزّ أركان الأوساط الأدبية في تركيا

أنقرة – هزّت مزاعم اعتداءات وتحرّش جنسي أركان الأوساط الأدبية في تركيا، مطاولة أدباء مشهورين فُضح أمرهم إثر موجة نادرة من نوعها للتنديد بممارسات كهذه في بلد تبقى العقلية الذكورية متجذّرة فيه.
واكتست الحملة طابعا مأسويا، مستقطبة اهتماما متزايدا من وسائل الإعلام إثر انتحار كاتب في العاشر من ديسمبر بعد الكشف عن رسائل تنطوي على كلام فاحش أرسلها لنساء أصغر سنّا منه.
وانطلقت هذه الحملة برسائل مجهولة المصدر نُشرت على شبكات التواصل الاجتماعي وسرعان ما اتّسع نطاقها، مع استقطاب شخصيات معروفة وتشجيع النساء على كسر حاجز الصمت للتبليغ عن ممارسات أدباء يظنّون أن شهرتهم كفيلة بحمايتهم من المساءلة.
وبدأت القصّة بتغريدة في السابع من ديسمبر مع نشر مستخدمة للإنترنت، استعارت اسم ليلى سالينغر، شريطا للروائي حسن علي طوبتاش الملّقب بـ"كافكا التركي" في الأوساط الأدبية.
وجاء في التغريدة قبل إغلاق الحساب "أعرف أن الكثير من النساء قد تعرضنَ مثلي لتحرّش طوبتاش، وكم يا ترى عدد اللواتي يردن أن يُكشف أمر هذا الرجل!".
وإثر تداول هذه الرسالة، اتّهمت نحو عشرين امرأة من بينهنّ كاتبات طوبتاش بالتحرّش بهن، ما شكّل فاتحة لسلسلة من الشهادات استهدفت كتّابا آخرين.
وأقدم إبراهيم تشولاك، أحد الكتّاب الذين نسبت إليهم أفعال من هذا القبيل، وهو في الحادية والخمسين من العمر، على الانتحار في أنقرة بعد نشره رسالة على تويتر أعرب فيها عن ندمه وطلب الصفح من عائلته.
وكان آخر ما غرّد به الكاتب المنتحر صاحب رواية "قبطان السفينة الورقية" على حسابه الشخصي في موقع تويتر "لم أُعدّ نفسي لهذه النهاية. كنت أتمنّى أن أكون شخصا جيّدا، لكنني لم أستطع أن أكون كذلك. من الممكن أن أكتب لساعات وأيام، لكنّ هذا لن يُعيد شيئا إلى الوراء. من هذه الساعة لم أعد أستطيع أن أنظر في وجه زوجتي وأولادي وأصدقائي. أودّ أن أودّع أصدقائي جميعا، والذين يرعونني، وأودّع زوجتي وأولادي الذين يعانون بسبب مشاكلي الخاصة".
وبحسب وسائل إعلام محلية، أرسل الكاتب رسائل فيها كلام فاحش لليلى التي أطلقت شرارة هذه الحملة.
ويُعدّ تشولاك الكاتب التركي الثالث الذي اعترف بما فعل بعد اتهامه بالتحرّش، بعد حسن علي طوبتاش وبورا عبده، ضمن قائمة الكُتّاب المتَّهمين بالتحرّش بنساء تركيات، بينهنّ كاتبات أيضا.
وروت الكاتبة بيلين بوزلوك تجربتها الخاصة مع طوبتاش لصحيفة "حرييت" التركية. وأقرّت "تراودني ذكريات مروّعة"، كاشفة كيف اضطرت إلى حبس نفسها في المرحاض وإقفال بابه في شقّة طوبتاش عندما حاول الأخير الاعتداء عليها جنسيا في 2011. وقد سألها الكاتب بعدما صدّت مغازلته "لماذا إذن ارتديت هذا الفستان؟"، ملمّحا إلى أنها تستحقّ ما يحصل لها.
وبدلا من تهدئة النقاش، صبّ طوبتاش الزيت على النار مع بيان قدّم فيه اعتذارا لكلّ من أساء إليهن بـ"تصرّفات غير رشيدة" عزاها إلى عقلية "ذكورية"، رافضا تحمّل مسؤولية أفعاله.
وقالت بوزلوك "ليس اعتذارا نابعا من شخص يأسف فعلا على ما قام به".
ونفى طوبتاش لاحقا رواية بوزلوك، مؤكّدا في تصريحات لصحيفة "ميلييت" أن "شيئا من هذا القبيل لم يحصل بتاتا"، غير أن الصحيفة نشرت في ذات اليوم شهادات خمس نساء اتّهمنه بالتحرّش الجنسي.
وفي ظلّ هذه الادّعاءات، أعلنت دار "إيفرست" للنشر عن إيقاف كل العقود المبرمة بينها وبين الكاتب، متعهّدة بعدم نشر أعماله مرة أخرى. كما قام منظمو "جائزة مرسين الأدبية" بسحب جائزة هذا العام، التي كان من المعلن أنها ستمنح لطوبتاش.
واتّهمت أصلي توهومجو، وهي كاتبة أخرى قالت إنها استمدّت شجاعتها من بيلين بوزلوك، علنا الأديب بورا عبده بالتحرّش بها.
وقد دحض الأخير هذه التهم، غير أن دار نشر "اليتيسيم" التي تتعاون معه قطعت علاقتها به.
وفي أعقاب سلسلة الفضائح هذه، أنشئ عنوان بريد إلكتروني لتشجيع النساء اللواتي وقعن ضحايا التحرّش على تشارك قصصهن.
وكانت بلاغات من هذا القبيل قد استهدفت في الماضي القريب الأوساط الأدبية التركية، لكنها مرّت مرور الكرام.
وأعيد في الأسابيع الأخيرة تداول مقال حول هذا الموضوع مرّ عابرا في العام 2018 ليلقى الصدى المرجوّ هذه المرّة.