فضائح التحكيم الأفريقي تثير الجدل

تتواصل شطحات وخيبات التحكيم الأفريقي لتكون الأخطاء في ملاعب القارة السمراء عديدة ومؤثرة، وكم من نتيجة ذهبت لمن لا يستحقها وكم من فائز تحول إلى مهزوم وأكبر الحكام البارزين في أفريقيا ساعدوا وحصلوا على مقابل إما بشكل مادي وإما من خلال تعيينات وتربصات والمتابعون يتذكرون كيف كانت نهاية أشهر الحكام. ورغم الانفتاح والاحتكاك بأكبر الاتحادات الكروية تبقى أزمة التحكيم قائمة داخل أركان الاتحاد القاري إلى هذا اليوم دون أن تحرك ساكنا، ليبقى السؤال مطروحا متى سيتم التطهير الحقيقي لهذه المنظومة حتى يتم الارتقاء بالكرة الأفريقية؟
تونس - لا تزال دوّامة التحكيم الأفريقي تثير الجدل منذ سنوات وفي مختلف المسابقات الإقليمية والقارية للأندية وللمنتخبات، دون أن يتم تطويرها أو حتى وضع حد لهذه القرارات التي سبق أن حرمت العديد من الفرق والمنتخبات من الانتصارات الحاسمة، خاصة الأندية والمنتخبات العربية. ولم تكن لتمر مرور الكرام الأحداث التي عاشتها كرة القدم الأفريقية بمسابقة دوري الأبطال. قرارات غريبة مثّلت العنوان الرئيسي لكل الأخبار والحوارات الرياضية في الفترة الأخيرة.
قرارات أعادت إلى الأذهان بعضا من المحطات السوداء في تاريخ التحكيم الأفريقي الذي كان شاهدا على عدة إيقافات بسب الفساد أو الرشوة أو الانحياز لفريق على حساب آخر. غير أن ما قام به كل من الحكم الجزائري مهدي عبيد شارف والحكم والزامبي جاني سيكازوي وجب الضرب عليه بقوة، وهو ما بدأ الاتحاد الأفريقي في السير نحوه. لتكون البداية بإيقاف الحكمين عن مزاولة أي نشاط كروي. وتعد هذه الفترة حاسمة بعد قرار إيقاف الحكمين على خلفية الأداء الذي قدماه مؤخرا.
توالت قرارات لجنة الانضباط بالاتحاد الأفريقي ضد الحكام الأفارقة باتهامات فساد، وقررت لجنة الانضباط بالاتحاد، إيقاف سيكازوي بسبب اتهامه بالفساد في إدارة مباراة الترجي التونسي وأول أغسطس الأنغولي، حيث احتسب خلالها ركلة جزاء مشكوك في صحتها للترجي، وألغى هدفا صحيحا للفريق الأنغولي، ساهم في تأهل الفريق التونسي للنهائي.
كما قررت اللجنة إيقاف مهدي عبيد، بتهمة تتعلق بالفساد أيضا عقب احتساب ركلتي جزاء مشكوك في صحتهما لصالح الأهلي المصري أمام الترجي التونسي، في ذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا، رغم رفض القرار من قبل حكم الفيديو وقتها. وتوج الترجي التونسي بلقب دوري أبطال أفريقيا، بعدما عوض خسارته ذهابا في النهائي أمام الأهلي بنتيجة 3-1، وانتصر إيابا بثلاثية دون رد.
جدل كبير
أثارت قرارات الكاف جدلا كبيرا في الشارع الرياضي العربي، وخاصة في مصر وتونس والجزائر، باعتبار أن الأهلي والترجي كانا طرفين في المباراتين محور الحديث، كما أن الحكم الجزائري تم إيقافه بسبب إحداهما. جماهير الأهلي بدأت في تدشين حملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بسحب اللقب من الترجي، عقب اتهامات الفساد لحكم مباراة الفريق التونسي أمام نظيره الكونغولي، لتفاجأ باتهامات للحكم الجزائري بمجاملة فريقها في ذهاب نهائي نفس البطولة.
من المنتظر أن وقائع الفساد المتهم فيها مهدي عبيد وسيكازوي بسبب قرارات صبّت في صالح الأهلي المصري والترجي التونسي، قد تطال فيها العقوبات الناديين
أعلن الاتحاد الأفريقي عن عقوبات عبيد وسيكازوي، ومن قبلهما أعلن عقوبة لامبتي، رغم أن عقوبات الحكام لا تعلن كما هو متعارف عليه. وفي هذا الصدد أكد مصدر داخل الكاف في تصريحات لوسائل إعلام أن العقوبات أعلنت لأنها صادرة عن لجنة الانضباط، وبالتالي تتعلق بوقائع بعيدة عن فنيات التحكيم، ويجب أن تكون هناك أدلة ملموسة لكي تتحرك لجنة الانضباط وتتخذ العقوبات. وأشار المصدر إلى أنه لو صدرت عقوبات للحكم من لجنة الحكام، بسبب خطأ فني في مباراة، ففي هذه الحالة لا تعلن العقوبات، بعكس الوقائع المشار إليها لمهدي عبيد وسيكازوي ولامبتي.
ومن المنتظر أن وقائع الفساد المتهم فيها مهدي عبيد وسيكازوي بسبب قرارات صبّت في صالح الأهلي المصري والترجي التونسي، قد تطال فيها العقوبات الناديين. العقوبات حاليا مقتصرة على الحكمين، لكن إذا ثبت أن اتهامهما بالفساد جاء نتيجة تدخل أحد الناديين أو كليهما، سيمنع النادي المتورط من المشاركة في بطولات الاتحاد الأفريقي لمدة ثلاث سنوات طبقا للائحة، التي تنص أيضا على أن الاتحاد الأهلي إذا ثبت أيضا تورطه يمنع من مشاركة أنديته في البطولات القارية لنفس المدة.
وفي هذا السياق استبعد محمد ثابت مدير الإعلام بالاتحاد الأفريقي لكرة القدم إمكانية إعادة مباراة نهائي دوري الأبطال بسبب اتهامات بالفساد لحكم مباراة الترجي وفريق أول أغسطس في إياب نصف نهائي المسابقة. وبسؤال المدير ثابت عن إمكانية استبعاد الترجي من مونديال الأندية وإعادة نهائي دوري الأبطال بسبب تهمة الفساد أجاب “بشكل عام لو من الممكن إعادة مباراة لأعيدت مواجهة إنكلترا أمام الأرجنتين بكأس العالم (المباراة التي شهدت الهدف الشهير لدييغو مارادونا بيده)”.
وعند التذكير بواقعة إعادة مباراة أفريقية لنفس الأسباب بين السنغال وجنوب أفريقيا في التصفيات قال ثابت “هذه مباراة بالتصفيات والظروف مختلفة”. وأوضح مدير الإعلام بالاتحاد الأفريقي “أعتقد أن تلك المباراة لو كانت في كأس العالم مثلا، فلن تعاد بالتأكيد لأنها بطولة وانتهت”. وتابع ثابت “هذه مباراة انتهت بما حولها من رعاية وبث تلفزيوني وحضور جماهيري وكل شيء”. واختتم بالقول “من الصعب جدا إعادة مباراة ببطولة انتهت أحداثها بما ترتب عليها”.
محاربة الفساد
إن فساد بعض الحكام في الاتحاد الأفريقي أهدى أندية بعينها بطولات، وساهم في تأهل منتخبات لكأس العالم. وأمام هذه الفضائح يجب على أحمد أحمد رئيس الاتحاد الأفريقي أن يخطط جيدا في قادم الأيام من أجل محاربته لفساد بعض الحكام في أفريقيا. الرجل الملغاشي حديث العهد على عرش الاتحاد القاري للعبة، وورث فسادا متفشيا منذ سنوات طويلة داخل الاتحاد. هذا الفساد أهدى أندية العديد من البطولات وصعد بمنتخبات لكأس العالم مرات ومرات دون وجه حق. لذاك يجب توحيد الصف من أجل دعم أحمد أحمد في محاربته فساد بعض الحكام حتى تكون هناك عدالة حقيقية بين الجميع.
وفي سياق شطحات الحكام الأفارقة، كلنا يتذكر ما فعله الحكم الحكم الموريسي راجندرباساد الذي أدار مباراة غينيا الاستوائية وتونس بالدور ربع النهائي لبطولة كأس أمم أفريقيا 2015، حيث كان الحكم قد احتسب ركلة جزاء مثيرة للجدل للمنتخب مضيف البطولة غينيا الاستوائية في الدقيقة الأولى للوقت بدل الضائع من الشوط الثاني بعدما كان منتخب تونس متقدماً بهدف لصفر.
ومن ركلة الجزاء استطاع منتخب غينيا الاستوائية العودة في المباراة بالتعادل، قبل أن يضيف الهدف الثاني بالأشواط الإضافية.
وأصدر الاتحاد الأفريقي بياناً آنذاك يؤكد فيه على أن الحكم قد انتهت مهمته في بطولة أفريقيا 2015، وأنه سيتم إيقافه لمدة 6 أشهر بالإضافة إلى سحب اسمه من حكام الفئة الأولى في أفريقيا. وتأهل منتخب غينيا الاستوائية للدور نصف النهائي من البطولة لملاقاة غانا.
وللتذكير كان أحد الحكام الشرفاء قد اشتكى من واقعة محاولة رشوته من قبل رئيس نادي مازيمبي فتم معاقبته واستبعاده من إدارة أي مباراة بأفريقيا، هذه كلها أشياء يجب صدها ومحاولة القضاء عليها، وذلك بكبح جماح بعض الذين يريدون استخدام نفوذهم على مكوّنات اللعبة للتأثير على قراراتهم بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
وهذا ما يسير نحوه رئيس الاتحاد الأفريقي أحمد أحمد، الذي أكد عزمه على تطبيق إصلاحات عديدة في منظومة التحكيم الأفريقي. وفي تصريحات صحافية خلال اجتماع اللجنة الفنية للتطوير التي عقدت في القاهرة، قال أحمد أحمد إنه لا يزال بعيدا عن تحقيق هدف تطهير اتحاد الكرة الأفريقي، وذلك رغم توقيف 26 حكما. وأوضح أن التحقيقات في القضايا المتعلقة بالحكام مستمرة، وكلّف اللجنة الفنية للتطوير بإجراء مناقشات والخروج بتوصيات على المدى القصير والمتوسط، لتحقيق التطوير المطلوب وتطبيق المشروعات التي تسهم في استعادة كرة القدم الأفريقية للمكانة التي تستحقها على الصعيد العالمي.
انتقادات لاذعة
يواجه التحكيم الأفريقي انتقادات لاذعة، خاصة وأن حوادث الرشوة والفساد انتشرت في القارة السمراء، بعدد أكبر بكثير من باقي قارات العالم، ففي مارس 2017، أصدرت اللجنة التأديبية بالاتحاد الأفريقي قرارا بإيقاف الحكم الغاني جوزيف لامبتي مدي الحياة. كما أعلن الكاف قبل عامين أنه عاقب ما يزيد عن 20 حكما في عام واحد بسبب اتهامات تتعلق بالفساد.
الحكم المصري الغندور معروف هو الآخر بتاريخه الأسود في لقاء إسبانيا وكوريا بكأس العالم كما أنه هو من رشح جنوب أفريقيا سنة 1996 ضد غانا. كذلك الحكم الكاميروني دفين هو من ساعد مصر ضد السنغال سنة 2006 على الفوز والترشح. كما كان الحكم الجنوب أفريقي مهزلة سنة 2013 في مباراة تونس وطوغو وساعد المنتخب التونسي يومها كثيرا ومنذ تلك المقابلة ابتعد الرجل عن الأضواء. وكان المغربي عبدالرحيم العرجون شاهدا على مهزلة سنة 2007 في نهائي الأهلي والنجم الساحلي بالقاهرة وارتكب عديد الأخطاء المؤثرة.
التحقيقات في القضايا المتعلقة بالحكام مستمرة، وأحمد أحمد يكلف اللجنة الفنية للتطوير بإجراء مناقشات والخروج بتوصيات على المدى القصير والمتوسط، لتحقيق التطوير المطلوب وتطبيق المشروعات التي تسهم في إنقاذ كرة القدم الأفريقية
وعوقب مراد الدعمي سنة 2000 عندما نزل إلى أرض الملعب في غانا ليطلب من الحكم مساعدة الترجي وكان لتقرير مراقب تلك المباراة وللحكم الرئيسي تأثير، حيث عوقب الدعمي لمدة عام قبل أن يتدخل له الرئيس السابق للترجي سليم شيبوب ويقع تخفيض العقوبة.
وفي سنة 2006 ساعد الدعمي مصر في النهائي عندما أعلن عن ضربة جزاء غير موجودة ورغم أنها ضاعت إلا أنه استفز لاعبي كوت ديفوار وأنذر الحارس جون جاك تيزي أثناء ركلات الجزاء. ودفع الدعمي الثمن في ما بعد حيث استعمل الرجل القوي والمؤثر في الفيفا جاك أنوما نفوذه وأبعد الدعمي عن نهائيات كأس العالم بألمانيا.
ورغم قتامة الصورة التي أضحى عليها قطاع التحكيم الأفريقي إلا أن العديد من الحكام النزهاء الذين كتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب وشرفوا القارة في المحافل الدولية الكبرى ليؤكدوا أن الجانب الإيجابي موجود ويستدعي فقط بعض الإحاطة والتكوين من أجل خلق حكام قادرين على الرقي باسم القارة السمراء. وهذا ما أكده الحكم الدولي الإثيوبي باملاك تيسيما حين غسل أخطاء سلفه الجزائري مهدي عبيد شارف، وأنقذ سمعة التحكيم الأفريقي بتألقه في إدارة مباراة الإياب لنهائي دوري الأبطال. وأحكم تيسيما سيطرته على المباراة، ونجح مع الحكم الغابوني بكاري غاساما المكلف بتقنية الفيديو (فار) في تقدير الحالات التحكيمية الهامة في المباراة.
رهانات كثيرة ستكون على عاتق لجنة التقنية والتطوير التي تشتغل داخل الاتحاد القاري، وذلك بهدف تنمية كرة القدم الأفريقية، واستعادة مكانتها. ويجب على مكوّنات الهيكل الرياضي الأكبر في القارة السمراء أن يستعد جيدا لإجراء العديد من الإصلاحات في ضوء الأحداث الأخيرة التي شهدتها العديد من المباريات، والتي تتمثّل في حالات الخروج عن قانون كرة القدم في الملاعب الأفريقية سواء من قبل اللاعبين أو الجماهير أو الحكام أو المدربين. ورغم أن الكاف ضرب بقوة وسلط عقوبات مختلفة على ما يقارب 26 من الحكام في القارة، وأن التحقيقات جارية مع آخرين.. إلا أن لا يزال أمامه طريق طويل للتطوير والتغيير.
ولا شك أن ليوديغار تينغا الرئيس الجديد للجنة التقنية والتطوير بالكاف، وأعضاء اللجنة، سيعملون على التناقش فيما بينهم والخروج بقرارات واضحة، سيما وأن استحقاقات كبيرة قادمة على غرار كأس أمم أفريقيا 2019 والتي ستدور بالكاميرون. هذا فضلا عن المنافسات بين الأندية على غرار السوبر الأفريقي ودوري أبطال أفريقيا وكأس الاتحاد. وهذا ما يتطلب تعاونا كبيرا بين جلّ مكوّنات اللعبة قصد تلميع صورة كرة القدم الأفريقية واستعادة بريقها.