فصائل عراقية تبحث عن مظلة من الضغوط الأميركية بالاندماج في القوات النظامية

الإطار التنسيقي يناقش خطة لإلحاق فصائل "المقاومة" بقوات الحشد الشعبي.
الأربعاء 2025/04/02
النسخة الأصلية تظل إيرانية مهما أدخل عليها من تعديلات عراقية

الفصائل العراقية المنتمية إلى "محور المقاومة" الإيراني والرافضة من قبل لأي نوع من أنواع الخضوع لسلطة الدولة بات من مصلحتها الالتحاق بالحشد الشعبي لتأمين انتماء ولو صوري إلى القوات النظامية، ما يوفّر لها موارد مالية ولوجستية منتظمة ويحميها من الضغوط الأميركية وحتى من الاستهداف العسكري المحتمل.

بغداد- بدأ النقاش في العراق حول خطة لاستكمال دمج الميليشيات المسلحة غير المنتمية للحشد الشعبي والتابعة لما يعرف بمحور المقاومة ضمن القوات النظامية وذلك لإيجاد صيغة قانونية تشرّع لوجود تلك الفصائل وتوفّر لها مظلّة تحميها من تهديدات الولايات المتّحدة المصرّة على حلّها ونزع سلاحها، لكنّها تثير امتعاض العديد من القيادات العسكرية والأمنية المهنية من مزيد تضخّم الحشد وتصعيد النعرات الطائفية داخل القوات المسلحة كون تلك الميليشيات شيعية ولديها مرجعيات دينية عابرة لحدود البلد وتمتد إلى إيران المجاورة حيث المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يجاهر عدد من قادة الفصائل العراقية بالولاء له.

وانطلقت النقاشات حول خطّة الدمج بين القوى الشيعية من أحزاب سياسية وفصائل مسلّحة منذ ما قبل عطلة عيد الفطر وأفضت إلى تفاهمات أولية حول الخطوط العريضة للخطّة وأرجئ النقاش حول تفاصيلها التنفيذية إلى اجتماع لقوى الإطار التنسيقي المشكّل لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني سيتم عقده خلال الأيام القليلة القادمة.

ويعرف العراق مشهدا أمنيا متداخلا بسبب كثرة الجهات الحاملة للسلاح وعدم وضوح ولاءاتها، حيث أنّ انتماء الحشد الشعبي المكوّن من العشرات من الميليشيات للقوات المسلّحة لا يعني بالضرورة إخضاع سلاحه لإرادة الدولة والالتزام بسياساتها وانضباطه لأوامر قياداتها وقطع صلاته مع القادة الأصليين لتلك الميليشيات.

نبيل العبيدي: الأجهزة الأمنية العراقية تعيش حالة من التوازن الهش بين القوى المتنوعة التي تدعمها

وتوجد داخل الحشد نفسه فصائل مرتبطة به إداريا وماليا ولا تخضع لقيادته لأن لها موقفا من الخط الولائي الملتزم بالمنهج الإيراني، كما توجد فصائل أخرى خارجة تماما عن مظلة الحشد وتوالي الخط الإيراني بالكامل وسبق لبعضها أن قاتل خارج العراق مثل حركة النجباء وكتائب حزب الله وسرايا الخرساني، وهي المقصودة أساسا بخطة الدمج الجديدة.

وبرزت الخطة في سياق عملية بحث أشمل عن إضفاء صيغة قانونية على الميليشيات التي تضخّم دورها في العراق وأصبحت جزءا رئيسيا في مشهده الأمني وحتى السياسي، لكن تجدّد المطالبات الأميركية بحلّها وضبط سلاحها وضع ضغوطا إضافية على السلطات العراقية التي ترتبط مع الولايات المتحدة بعلاقات حيوية، وخصوصا في الجانبين الاقتصادي والمالي، لا تستطيع فكّها والتفريط فيها بسهولة

وشرع البرلمان العراقي مؤخرا في محاولة إقرار قانون يهدف إلى مزيد إحكام تنظيم الحشد الشعبي، لكنّ القوى الواقفة وراء الحشد والمستفيدة منه حرصت على وضع بصمتها على مشروع القانون لجعله مكرّسا لقوّته ومكانته عكْس المطلوب أميركيا وأيضا محليا من قبل العديد من القوى والشخصيات المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة.

وقالت مصادر عراقية إنّ الاجتماع المقرر تخصيصه لمناقشة عملية دمج الفصائل سينظر في آليات تنفيذ العملية وإيجاد المعالجات الناجعة للمعوقات التي تواجهها.

ونقلت وكالة شفق نيوز عن أحد المصادر قوله إنّ عملية الدمج ستسير بسلاسة بعد توفير المتطلبات الفنية واللوجستية والمالية للفصائل المراد دمجها وذلك استكمالا لاتفاقات سابقة أبرمتها الحكومة مع قيادات تلك الفصائل، معتبرا أنّ الأرضية مهيئة لتنفيذ عملية الدمج، ومستدركا بأنّ “هذا لا يعني عدم وجود تحديات وضغوط وتبعات مالية تتطلب حلا حكوميا ناجعا لإتمام العملية.”

ويبزر عامل الولاء العابر للحدود والارتباطات العقائدية لتلك الفصائل والتي كانت أساسا لتشكيلها وتوجيه بوصلة نشاطها طوال السنوات الماضية على رأس تلك التحديات، حيث لن يكون مقبولا أن يتمّ الإنفاق عليها، وبشكل رسمي ومنتظم، من موازنة الدولة العراقية إذا واصلت خضوعها لأوامر إيران وتنفيذ سياساتها في البلد والمنطقة.

وقال مصدر ثان إنّ “عقائدية الفصائل أحد أبرز معوقات دمجها حيث يرتبط بعضها بضوابط الولي الفقيه كون قياداتها ترتبط بالمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي وبالتالي لا بد من مناقشة الأمر بشكل مستفيض لإيجاد مخرج أو حل دون التسبب بأي إشكال ديني في مسألة التقليد، نظرا للاختلافات الأيديولوجية بين تلك الفصائل، كما يجب إنهاء حالة التنافس الشخصي بين القادة التي من شأنها أن تؤثر على عملية الدمج”.

وفي ما يتعلّق بالجوانب المالية واللوجستية أوضح ذات المصدر أن ملف دمج الفصائل يتطلب توفير التخصيصات المالية اللازمة والتجهيز بالسلاح والعتاد وغيرها من مستلزمات إنجاح توحيد الفصائل ضمن هيئة الحشد الشعبي.

مصدر عراقي: عملية الدمج ستسير بسلاسة بعد توفير المتطلبات الفنية واللوجستية والمالية للفصائل المراد دمجها

ورأى أنّ “دمج الفصائل ضمن الحشد يعتبر خطوة مهمة لتعزيز الاستقرار والأمن في العراق لا سيما في المناطق التي تشهد توترات أمنية وتقليل التفرقة بين الفصائل المختلفة كما سيعزز الشعور بالوحدة والانتماء بين أفراد الحشد وتحسين الكفاءة العسكرية حيث أن دمج الفصائل يمكن أن يساهم في تحسين مستوى وقوة الحشد كون تلك الفصائل تمتلك خبرات قتالية مهمة”.

ويبلغ مجموع الفصائل المراد دمجها في الحشد، بحسب المصدر، حوالي عشرة مشيرا إلى أنّ إتمام عملية الدمج سيكسبها الصيغة القانونية والرسمية كقوات نظامية تأتمر بأوامر القائد العام للقوات المسلحة.

لكن ذلك يبدو أمرا نظريا إلى حدّ بعيد بدليل أن انتماء الحشد بحدّ ذاته للقوات النظامية لم يخضعه لقيادة تلك القوات ولم يجعله يعمل بتناغم معها حتى أنّه دخل في بعض المناسبات في صراعات ومشاكل معها على غرار ما حدث في فترة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي الذي استهدفته فصائل الحشد شخصيا، سياسيا وأمنيا، عندما حاولت حكومته محاسبة بعض قادتها في قضايا فساد.

وسبق لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني أن أعلن عزمه على دمج الفصائل “ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية”. ويأتي ضمن الأهداف غير المعلنة للدمج تجنّب الضغوط الأميركية وحماية تلك الفصائل من ضربات متوقّعة من قبل الولايات المتحدة أو حلفائها.

كما كشف وزير الخارجية فؤاد حسين عن بذل الحكومة جهودا لإقناع الفصائل المسلحة بإلقاء السلاح أو الانضمام إلى الجيش والقوات الأمنية الرسمية، قائلا إنّ مناقشة هذا الموضوع كانت مستحيلة في العراق قبل بضع سنوات لكن التطورات جعلت ذلك ممكنا الآن حيث لم يعد من المقبول وجود مجموعات مسلحة تعمل خارج إطار الدولة.

حيلة الدمج لن تمر بسهولة على واشنطن الساعية لحل الميليشيات وضبط سلاحها بالكامل وليس لتغيير مظهرها الخارجي

لكن مطلّعين على الملف يشككون في إمكانية قبول واشنطن، وخصوصا في عهد إدارة ترامب، باستيعاب المزيد من الميليشيات ضمن القوات العراقية التي تربطها بالقوات الأميركية علاقات تعاون واسعة في مجال الاستخبارات والتدريب والتسليح.

ويقول نبيل العبيدي خبير الدراسات الأمنية والإستراتيجية إنّ الأجهزة الأمنية العراقية تعيش حالة من التوازن الهش بين القوى المتنوعة التي تدعمها، موضحا أنّ الولايات المتحدة قدمت دعما كبيرا لجهاز مكافحة الإرهاب خصوصا في مجالات الاستخبارات والتدريب والاستشارات، ما جعل هذا الجهاز أحد أكثر المؤسسات الأمنية فاعلية في البلاد. وفي المقابل ظهر الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا ككيان عسكري وأمني كبير يمتلك إمكانات عسكرية واستخباراتية واسعة.

ويرى في مقال له أنّ التحدي الأكبر الذي يواجه الأمن العراقي الآن هو الصراع الأمريكي – الإيراني الذي طبعت ملامحه على الخريطة الأمنية للعراق. وهذا الصراع لا يمكن تجاهل عواقبه أو تفادي تبعاته بجميع أشكالها خاصة بعد أن أصبحت كل دولة ترى نفسها صاحبة أولوية في التأثير على الوضع داخل العراق، متوقّعا أن تظل العلاقات الأمنية والإستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة محفوفة بالتعقيدات والتحديات بسبب الواقع العراقي الحساس وتضارب المصالح بين الدول.

3