فشل محاولة تركية لترويض حزب الاتحاد الوطني الكردستاني

قيادة الحزب تقطع الطريق أمام محاولة أنقرة ضمه لجهدها الحربي ضد حزب العمال.
الأربعاء 2024/02/21
تركيا عالقة في حرب بلا نهاية وتريد توريط الجميع معها

تركيا التي يبدو أنّها قد قطعت شوطا كبيرا في إقناع الكثير من القوى المتحكّمة في المشهد السياسي والأمني في العراق بالانضمام إلى مجهودها الحربي ضد مقاتلي حزب العمّال الكردستاني، أو على الأقل ضمنت موافقتها على هجوم كاسح على مواقع تواجدهم في العراق تستعد قواتها لشنّه قريبا، مازالت تواجه صعوبة في ضمّ حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني لذلك المجهود.

السليمانية (العراق) - انتهت محاولة تركية للتقارب مع حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني الشريك الأكبر للحزب الديمقراطي في إدارة إقليم كردستان العراق إلى طريق مسدود، بسبب تمسّك الحزب بنهجه السيادي المضاد لسياسة أنقرة في التعاطي مع أكراد المنطقة والقائمة على استخدام العنف واستدامة الضغوط ضدّهم.

وقالت مصادر عراقية إنّ محاولة للوساطة قامت بها قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني لتقريب الهوّة بين أنقرة وقيادة الاتّحاد الوطني لم تحقّق هدفها بسبب رفض قيادة حزب الاتّحاد لأسلوب الضغوط وكيْل الاتّهامات الذي يتَعامل به أعضاء حكومة الرئيس التركي رجب أردوغان مع الحزب في محاولة لتليين مواقفه وثنيه عن إقامة علاقات متوازنة مع حركات وفصائل كردية من ضمنها قوات سوريا الديمقراطية.

وجاءت محاولة تركيا لاستمالة حزب الاتّحاد في إطار حملة غير مسبوقة بدأها كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين والسياسيين الأتراك لكسب التأييد السياسي والمساندة الأمنية والعسكرية لهجوم واسع النطاق تستعد القوات التركية لشنّه قريبا على مواقع تواجد مقاتلي حزب العمّال الكردستاني داخل الأراضي العراقية.

ولم تستثن المحاولة التركية حتى الفصائل الشيعية العراقية المنتمية للحشد الشعبي والمعروفة بولائها لإيران، حيث أظهرت تركيا اهتماما بمشاركة تلك الفصائل في مواجهة حزب العمّال بما لها من خبرة في حرب العصابات اكتسبتها من حربها ضدّ تنظيم داعش.

وأظهرت كثافة الاتّصالات التي أجراها المسؤولون الأتراك مؤخّرا مع نظرائهم العراقيين وجود حالة متنامية من الوفاق بين الجانبين التركي والعراقي لا يستبعد مراقبون أن تتطوّر إلى تفاهمات بشأن إقفال ملف وجود المقاتلين الأكراد المعارضين للنظام التركي على الأراضي العراقية، وذلك لفتح الطريق أمام تعاون اقتصادي أوسع بين البلدين يشمل إنجاز طريق يصل الخليج العربي بالبحر المتوسّط عبر الأراضي العراقية والتركية.

سعدي أحمد بيره: تركيا لم تحل مشكلاتها الأمنية في مدنها وتطالبنا بحلول
سعدي أحمد بيره: تركيا لم تحل مشكلاتها الأمنية في مدنها وتطالبنا بحلول

وبات التوافق بين تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن العديد من الملفات لاسيما الملف الأمني بمثابة تحصيل حاصل، وذلك على خلاف العلاقة الفاترة والمتوترة في بعض الأحيان بين أنقرة وحزب الاتّحاد الوطني الكردستاني.

ورفض الاتحاد مجدّدا الاتهامات التركية له بدعم حزب العمّال الكردستاني واستقبال مقاتليه داخل معاقله في محافظة السليمانية. وقال سعدي أحمد بيره المتحدث باسم الاتحاد الوطني إنّ الحزب لا يريد أن يشكل تهديدا لأي من دول الجوار، واصفا التهم التي توجه إليه بدعم حزب العمال الكردستاني بالباطلة ولا أساس لها.

وأوضح بيره في تصريحات أوردها موقع الاتّحاد على شبكة الإنترنت أنّ “حرب تركيا مع حزب العمال هي في حدود محافظة دهوك ولكن يتهم فيها الاتحاد الوطني جزافا”، متسائلا “تركيا لم تتمكن حتى الآن من حل مشكلاتها مع حزب العمال الكردستاني داخل مدنها، فكيف بها أن تطالب إقليم كردستان بحلول، مع امتلاكها قدرات مالية كبيرة وأسلحة متطورة”.

واتّهمت تركيا مرارا وتكرارا حزب الاتّحاد بفتح مناطق نفوذه في العراق أمام المعارضين المسلّحين الأكراد لنظامها، وقامت في وقت سابق بقصف مطار السليمانية على أساس أنّه يستخدم من قبل هؤلاء المقاتلين وقياداتهم، كما أوقفت الرحلات الجوية بين المطار والمطارات التركية. وقال الرئيس التركي أردوغان قبل أيام “وجهنا تحذيراتنا مرارا من النهج السلبي للسليمانية، وقلنا لهم نرى بعض الكيانات الجديدة والمختلفة فلا تعطوهم الفرصة، وإلا فسوف تبقون وحيدين”.

وقلّل المتحدّث باسم حزب الاتّحاد من شأن تصريحات أردوغان قائلا إنها ليست بالجديدة وسبق أنّ تمّ الردّ عليها، مؤكّدا أنّ الحزب “لم يَدْعُ حزب العمّال الكردستاني إلى إقليم كردستان”، وأنّه لم يرغب “في تواجد أي قوة تمارس نشاطات ضد دول الجوار انطلاقا من أراضي الإقليم” مشدّدا على اعتبار “الاقتتال والنزاع المسلح ليسا خيارا صائبا بالنسبة لتركيا، ويمكن لها أن تجد حلولا أخرى لمشكلاتها مع حزب العمال”.

وبشأن لقاء قوباد طالباني نائب رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مع هاكان فيدان وزير الخارجية التركية، قال بيره إنّ قوباد “أخبر وزير الخارجية التركي أننا مستعدون لحل المشكلات مع تركيا ولكنكم تطلبون منا شيئا لا علاقة لنا به، لأن حدودنا ومناطق نفوذنا بعيدة عن تركيا، والاتحاد الوطني الكردستاني ليست له أي مصلحة في معاداة تركيا”.

وقطعت تصريحات بيره وطالباني الشكّ باليقين بشأن عدم استعداد حزب الاتّحاد الوطني لتعديل مواقفه وفقا لما تطلبه أنقرة التي يبدو أنّ فشلها في الضغط على قيادات الاتّحاد جعلها تجرّب قناة الوساطة عن طريق “أصدقائها” في الحزب الديمقراطي الكردستاني. وتحدّثت مصادر عراقية عن مساعي بذلها رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني للتوسط لأجل إجراء اتّصالات مباشرة بين قيادة حزب الاتّحاد وكبار المسؤولين في الحكومة التركية.

وذكرت ذات المصادر أن بارزاني كان يأمل في عقد لقاء بين رئيس حزب الاتحاد الوطني بافل جلال طالباني ووزير الخارجية التركي على هامش مؤتمر ميونخ للأمن الذي انعقد مؤخّرا في المدينة الألمانية، وهو ما لم يُتح بسبب تباعد الرؤى بين الحزب وأنقرة. ولم يتضمّن بيان صدر عن المكتب الإعلامي لرئيس حزب الاتّحاد بشأن المشاركة في المؤتمر أي إشارة إلى اتّصالات مع تركيا أو تفاهمات أمنية معها.

واكتفى البيان بالقول إنّ الرئيس بافل “تمكن خلال المؤتمر من إيصال رسالة الاتحاد الوطني الكردستاني إلى الأصدقاء والحلفاء في العالم بشكل مباشر”، وأنّه أجرى “العديد من الاجتماعات الخاصة والرسمية مع رؤساء الحكومات والدبلوماسيين والسياسيين والخبراء العسكريين لإيصال الأوضاع الجدية الراهنة في العراق بشكل عام وكردستان بشكل خاص إلى الرؤساء والمسؤولين الكبار في العالم”، كما شدد “خلال الاجتماعات على حقيقة أن الحرب ضد منظمات الإرهابية لم تنته بعد، وسلّط الضوء على الأوضاع غير المستقرة التي تشهدها المنطقة بسبب الصراعات الإقليمية”.

ويشكّل موقف حزب الاتّحاد من إجراء اتصالات مع أنقرة بشأن المسائل الأمنية عقبة أخيرة أمام العملية العسكرية الواسعة التي تقول المصادر إنّ الجيش التركي يستعد لشنّها في مختلف مناطق كردستان العراق بما في ذلك محافظة السليمانية، وبالتعاون مع القوات العراقية والكردية.

وكان أردوغان أشار إلى ذلك عندما ردّ على سؤال صحفي حول تعاون إقليم كردستان والعراق مع أنقرة في شن هجوم مشترك على مقاتلي حزب العمال بالقول إنّ “تركيا صديق لصديقها”، مذكّرا بأن “وزير الخارجية هاكان فيدان ووزير الدفاع يشار غولر ورئيس جهاز المخابرات إبراهيم قالن قاموا بزيارات إلى العراق تمّت بتتابع سريع وشملت بغداد وأربيل، وأن تلك الزيارات خففت من الأجواء التي خلقتها التطورات السلبية في العراق”.

وازدادت نوايا تركيا في إشراك مختلف القوى العراقية في حملتها المرتقبة على حزب العمال وضوحا من خلال استقبالها قبل يومين رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض في أنقرة حيث التقى وزير الخارجية التركي وأجرى معه محادثات تمّ التكتّم على محتواها من الطرفين التركي والعراقي.

3