فشل صفقة الأسرى يضع معاناة غزة على كاهل مصر

القاهرة – لم تحقق سياسة فصل المسارات التي اتبعتها مصر في محادثاتها مع كل من إسرائيل وحركة حماس هدفها في تسهيل مهمتها لتحقيق اختراق في أي من القضايا الخلافية بينهما، فقد أخفقت في تحريك ملف الأسرى أو إعادة الإعمار والتفاهم حول التوصل إلى هدنة طويلة، ما يعني أن شبح الحرب لن يغادر قطاع غزة قريبا.
وقصفت طائرات إسرائيلية ليل الخميس الجمعة موقعا تابعا لحركة حماس في قطاع غزة ردا على إطلاق بالونات حارقة من القطاع، في رسالة من الحكومة الإسرائيلية الجديدة بأنها لن تتساهل مع أي اندفاعة من حماس.
وعلمت “العرب” أن الانسداد في المحادثات التي جرت الأيام الماضية في القاهرة بين الوفدين الإسرائيلي والحمساوي بشكل غير مباشر يضع مصر أمام مهمة توفيق أوضاعها للحفاظ على علاقة دافئة مع إسرائيل، ومنع خرق الهدوء في غزة ما يستلزم كبح جماح حماس التي تتعامل مع نتائج حرب غزة الأخيرة بصفة المنتصر.
ولدى حماس اعتقاد بأن الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة نفتالي بينيت خياراتها محدودة في ظل حداثة عهدها، وستكون مضطرة للتسليم بمطالبها، ولذلك أخذت تبالغ في تمنعها لإتمام صفقة الأسرى دون الاستجابة لقائمة طويلة من المطالب.
وفوجئت حماس بمغادرة الوفد الإسرائيلي القاهرة مساء الأربعاء، تاركا رسالة مهمة لها مع الوسيط المصري، فحواها أن التهدئة الطويلة مقابل صفقة الأسرى فقط، في محاولة لتعطيل ملف إعادة الإعمار الذي بدأ يمثل عنصر ضغط على حماس وأصبحت الحركة متهمة من شريحة كبيرة من المواطنين بأنها توظفه لحساب مصالحها.
من المتوقع القيام بتحركات حثيثة للضغط على الطرفين الفترة المقبلة، حيث تتولى واشنطن مهمة تليين موقف الحكومة الجديدة في إسرائيل لتعويمها سياسيا في المنطقة
وتأتي مشكلة الربط وما يحمله من مطبات سياسية في هذا الملف من أن الطرفين سيضعان في النهاية كرة غزة في الملعب المصري، فبعد تصدي القاهرة لوقف إطلاق النار وقيادة مفاوضات التهدئة واسترداد جزء من دورها الإقليمي، عليها أن تفك اللغز بين الجانبين، لأن عودة الأوضاع لما كانت عليه قبل الحرب لن تكون مقبولة بعد إعلان مصر فتح معبر رفح باستمرار والتعهد بتدشين عملية كبيرة لإعادة الإعمار.
ويقول مراقبون إن الوصول إلى هذه النقطة يضع القاهرة بين فكي رحى إسرائيل وحماس، ويضيف إليها كماشة قطاع غزة الذي أصبح بحاجة أكثر من أي وقت مضى لتسهيلات لتخفيف المعاناة عن سكانه، وبدلا من أن تتحملها إسرائيل تقع على مصر بحكم الجغرافيا السياسية.
وقام وفد إسرائيلي برئاسة منسق شؤون الأسرى والمفقودين يارون بلوم، والمسؤول الكبير في مجلس الأمن القومي نمرود غاز، بزيارة القاهرة أخيرا ضمن التحركات المبذولة لإنهاء صفقة الأسرى والمفقودين لدى حماس.
وذكر موقع “تايمز أوف إسرائيل” الثلاثاء أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعارض ربط مشروعات إعادة إعمار غزة بهذه الصفقة خوفا من انهيار المحادثات وتجدد المواجهات في القطاع وتتعقد مهمة القاهرة بالتنسيق مع واشنطن الرامية لوقف التصعيد المتبادل والتقاط الأنفاس للبت في مصير القضية الفلسطينية.
ومع أن إسرائيل وافقت على المشاركة في محادثات منفصلة وغير مباشرة مع حماس تتعلق بقضية تبادل الأسرى وإعادة الإعمار وتأمين هدنة طويلة الأمد، إلا أنها عادت واشترطت بأن طي ملف الأسرى سيكون المدخل لأي تقدم حقيقي مع حماس على جميع المستويات.
وقال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان الأحد الماضي “أي خطة لإعادة إعمار قطاع غزة يجب أن تشمل إعادة أبنائنا”، في إشارة إلى وضع ملف الإعمار على الرف بكل ما يحمله من أهمية لحماس وسكان القطاع والقاهرة.

وتسعى الحكومة الجديدة لتسريع وتيرة صفقة الأسرى فقط، والتي جرى التفاهم على غالبية خطوطها العريضة، لأجل توظيفها سياسيا في الداخل والخارج، والتأكيد على أنها نجحت في ما أخفقت فيه على مدار سنوات الحكومة السابقة بقيادة بنيامين نتنياهو دون تنازلات، وأن تشددها لا ينفي برغماتيتها وقدرتها على إدارة مفاوضات منتجة.
وأسرت حركة حماس في غزة مدنيين إسرائيليين، وتحتفظ بجثامين اثنين عسكريين، وخاضت محادثات غير مباشرة بشأنهم، ظلت متجمدة إلى أن جاءت حرب غزة وفتحت باب التفاوض من جديد، وبدأت إسرائيل تستثمر الإعمار لإجبار حماس على التوقيع بعد أن باتت مخنوقة من حصار تتجاوز رمزيته النواحي الاقتصادية.
وتتطلع الحركة إلى رفع الحصار في أقرب فرصة لأسباب سياسية، حيث وجدت أنها اكتسبت أرضا في الضفة الغربية مع نتائج الحرب وتراجع هيمنة السلطة الفلسطينية على رام الله، فضلا عن تصاعد الانقسامات في جسد حركة فتح، وكلها عوامل تجد فيها حماس وسيلة لتمديد نفوذها في الجهة المقابلة بدلا من حصر نفوذها في غزة.
وتسيطر إسرائيل على المعابر بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والتفاهم معها مطلوب لتدشين مشروعات إعادة الإعمار وروافدها المادية، لأن استخدام مصر لمعبر رفح يضع عليها أعباء معنوية كبيرة وينقل مسؤولية حصار غزة من إسرائيل إليها.
ومن المتوقع القيام بتحركات حثيثة للضغط على الطرفين الفترة المقبلة، حيث تتولى واشنطن مهمة تليين موقف الحكومة الجديدة في إسرائيل لتعويمها سياسيا في المنطقة، وتتولى القاهرة عملية تخفيض سقف طموحات حماس بما يتناسب مع توازنات القوى، لأن العودة للحرب مرة أخرى في غضون أسابيع قد تفضي لصعوبة السيطرة على تداعياتها الإقليمية، وخروج معادلة إنعاش غزة عن مسارها.