فشل "تقدم" في تشكيل تحالف مع حركات مناوئة للحرب في السودان

الحوار حول شكل الدولة المستقبلية في السودان أمر سابق لأوانه، ويرى فيه البعض نوعا من الترف، لأن المطلوب حاليا هو تحريك الوساطات لوقف الحرب. فالقوى المدنية تتعامل مع الحرب وكأنها غير موجودة، وتسعى لتأسيس واقع تكون فيه أكبر مستفيد.
الخرطوم - اختتمت الاجتماعات التي عقدتها القوى المدنية السودانية وعدد من الحركات المسلحة المناوئة للحرب في السودان أعمالها بالعاصمة الكينية نيروبي، دون التوصل إلى اتفاق يفضي لتشكيل جبهة مدنية عريضة تضغط باتجاه وقف الحرب.
وسيطرت الخلافات حول قضايا تتعلق بمستقبل الدولة ودستورها على النقاشات، وهو ما عزز بقاء القوى المدنية، على هامش الأطراف الفاعلة في الصراع القائم في السودان، في ظل خلافات تعاني منها بشأن المشاركة في تشكيل حكومة موازية. وأكد بيان صدر عن تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم) مساء الأربعاء على الدعوة إلى مواصلة المشاورات بنفس الروح من أجل التسريع بتشكيل جبهة واسعة تقصّر مدة الحرب، ما يعني أن الخلافات سادت بين الأطراف المختلفة.
وشاركت في اجتماعات نيروبي حركة جيش تحرير السودان، جناح عبدالواحد نور التي لها تواجد عسكري بمنطق جبل مرة بوسط دارفو، والحركة الشعبية شمال، جناح عبدالعزيز الحلو ولها تواجد عسكري في جبال النوبة بولاية كردفان، ومجموعة من الأحزاب الفاعلة في “تقدم” أبرزها حزب الأمة القومي، وحزب المؤتمر السوداني، وحزب البعث الذي يشارك لأول مرة في اجتماعات تهدف إلى توحيد جهود القوى المدنية، ونقابات مهنية مؤثرة في المشهد السوداني، ولجان المقاومة السودانية.
ويعد الاجتماع الأخير من بين أربعة اجتماعات عقدت في السابق بين حركتي الحلو ونور مع تنسيقية “تقدم” منذ أن جرى توقيع اتفاق يمهد لشراكة سياسية بين رئيسها عبداالله حمدوك مع قائدي الحركتين في مايو الماضي في نيروبي. ومنذ ذلك الحين لم تتوصل الأطراف إلى تفاهمات للتوافق حول رؤى يمكن الانطلاق منها لوقف الحرب والانتقال إلى مرحلة العملية السياسية برؤية مدنية موحدة.
وبدا أن أهداف القوى المدنية والحركتين المناوئتين لأطراف الصراع (الجيش والدعم السريع) متباعدة، فالحركات التي لم توقع بعد على اتفاق سلام مع الحكومة السودانية تريد أن تعزز حضورها العسكري بخلفية مدنية يمكن أن تمثلها قوى تنسيقية “تقدم”، والأخيرة تبحث عن قوة تشكل نفوذا عسكريا يدعم فكرة الضغط السياسي لوقف الحرب، والانطلاق نحو عملية سلام شاملة تجد فيها موضعا داخل السلطة.
وتتمثل الخلافات بين الطرفي في أن حركتي الحلو ونور لديهما أفكار ثابتة بشأن شكل الدولة وإمكانية تقرير المصير، وهو ما تراه القوى المدنية سابقا لأوانه ويضعها أمام نزاعات داخلية نتيجة عدم التوحد حول المسألتين. وعارض حزب الأمة القومي، ويمثل قوة داخل تنسيقية “تقدم”، هذا التوجه، كما أن الدخول في خلافات حول شكل الدولة مع استمرار الحرب لن يكون موضوعيا على المستوى الشعبي، مع تضرر المواطنين من مواصلة المعارك واتساع نطاقها.
◙ من غير الوارد حدوث تطور إيجابي مع وجود تباينات، أبرزها اعتراض حركتي نور والحلو على تشكيل حكومة موازية تعمق الأزمة
وقالت مصادر مطلعة كانت قريبة من اجتماعات نيروبي لـ”العرب” إن رئيس حركة تحرير السودان عبدالواحد نور طالب أن يكون حضور تنسيقية “تقدم” من خلال الأجسام والأحزاب فيها وليس من خلال التحالف، وهو اعترض عليه عبدالله حمدوك، لكنه قبل المشاركة بحثا عن الوصول إلى التوافق، كما اعترض أن حزب الأمة القومي على مسألة تحديد شكل الدولة ومبدأ فصل الدين عن الدولة، وهو ما عرقل الوصول إلى تفاهمات بشأن الإعلان عن جبهة مدنية عريضة.
وأوضح المصدر ذاته أن الأطراف اتفقت على استمرار المشاورات، لكن من غير الوارد حدوث تطور إيجابي مع وجود تباينات، أبرزها اعتراض حركتي نور والحلو على تشكيل حكومة موازية والانتظار إلى حين اتضاح الأوضاع الإقليمية على نحو أكبر بشأن التعامل مع الحرب الدائرة في السودان.
ولفت المصدر إلى أن القوى المدنية قدمت رؤيتها التي عبّرت فيها عن أن مسألة وصف الدولة السودانية باعتبارها مدنية أم علمانية استحوذ على أكثر من 50 عاما من النقاشات التي لم تفض إلى شيء، في حين أن حركتي نور والحلو رأتا بأن علمانية الدولة ممهد رئيسي للاتجاه نحو الضغط لوقف الحرب.
وتضمنت مطالب الحركة الشعبية لتحرير السودان، والتي سبق أن أعلن عنها قائدها عبدالعزيز الحلو، أن تتمتع الولايات بصلاحيات واسعة في انتخاب حكامها، وأهمية تحديد العلاقة مع المركز وفقا لنصوص يحددها الدستور، ما يعزز الحكم المحلي.
وجرى التوافق في نيروبي على أن تكون الأولوية لمعالجة الكارثة الإنسانية ووقف الحروب، وتأسيس الدولة عبر عملية سلام شاملة تعالج القضايا الأساسية بشكل عميق. وقال رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي إمام الحلو إن اجتماعات نيروبي توافقت على مجموعة من القضايا، لكن هناك أخرى مازالت معلقة مثل علاقة الدين بالدولة وأن الأسابيع المقبلة من المتوقع أن تشهد نقاشات جديدة.
وذكر لـ”العرب” أن رؤية حزب الأمة القومي تتمثل في الاستمرار على ما جرى الاتفاق عليه خلال اجتماعات باريس عام 2014 بين القوى المدنية والحركات المسلحة التي رسخت لتكون قضية الدين ضمن آلية نقاش جامعة وليس اتفاقا ثنائيا ومن الصعب وجود تفاهم حولها الآن من دون أن يسبق ذلك عمل جماعي لوقف الحرب والاتفاق على الترتيبات المستقبلية.
وأكد أن تفاهمات القوى المدنية والحركات لمواجهة نظام الرئيس السابق عمر البشير ثم النظر فيما بعد حول شكل الدولة يجب أن يتكرر حاليا في مواجهة الحرب الغاشمة وأن أولوية الحل السياسي لا بد أن يتفاهم عليها الجميع بلا دخول في تفريعات تقوض مسألة التفاهم بين القوى المختلفة.
وأوضح أن إجراء مشاورات مع حركتي نور والحلو أمر إيجابي ويساهم في بناء تجمع يضم أغلب القوى الرافضة للحرب، وحال تشكيل الجبهة يمكن التسريع في مجريات الأحداث عبر التنسيق الداخلي مع حركات لديها قوات وقوى المجتمع السوداني.
ولدى تنسيقية “تقدم” رؤية تقوم على تدشين تحالف مدني موسع والاستفادة من وجود حلحلة لبعض أزمات المنطقة بما يساعد المجتمع الدولي على فهم توجهات السودانيين ورغباتهم، وكسر الفجوة بين الفهم المحلي والوطني للسلام واحتياجاته وبين الفهم الدولي مع الحاجة لمحاسبة مرتكبي الجرائم بحق المدنيين وتحقيق العدالة الناجزة وسرعة وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها. وبادر رئيس حركة تحرير السودان عبدالواحد نور في نوفمبر الماضي بطرح فكرة تكوين جبهة مدنية عريضة من كل القوى السودانية للوقوف ضد الحرب في البلاد.