فشل الفنان في تطوير تجربته فخ يهدد عرش النجومية

يسقط الكثير من النجوم في فخ تقدم العمر بعد أن يفتقد الكثير من أدوارهم القبول والمنطق، بسبب فجوة السن بين الدور ومن يقوم أو تقوم به، ويبقى عدد قليل قادرا على مواكبة تغيرات الزمن، والتعايش مع دينامكية الأدوار حسب المطلوب، وهو تحدّ يتعثر فيه كثيرون، وكانت الفنانة وفاء عامر آخر الناجحات في هذه النوعية من الأدوار.
إنجي سمير- القاهرة- يحمل دائما سن الفنان تجربة قاسية على صاحبه، فقد يجبره التقدّم في السن على ترك بعض الأدوار التي لا تتناسب مع المرحلة العمرية، ويسقط الكثير من الفنانين ضحايا الفخ الخاص بالبحث عن الذات التمثيلية والحفاظ على النجومية التي صُنعت لعقود، مع الإبقاء على منطقية الدور وتناسقه مع التغيرات الفيزيولوجية التي تطرأ مع بلوغ الممثل أو الممثلة، خاصة، سنا متقدّما.
ويحاول البعض التحايل على تلك الفكرة وأحيانا إنكارها عبر تأدية الدور ذاته الذي لعبه (أو لعبته) منذ عدة أعوام دون تغير، فيصبح تأدية ممثل عمره تجاوز الخمسين عاما لطالب جامعي أو شاب يبحث عن زوجة أو زوج ما زال في الطور الأول من حياته، غير منطقي ويفقد العمل الكثير من أهميته.
أدوار مركبة
عدد قليل من النجمات تيقنّ أن العمر فخ تمثيلي يحتاج لمواءمة وإدراك من أجل البقاء على الساحة الفنية، ومع تقدّم العمر تحتاج الممثلة للمزيد من التطور والتغير في نمط الأدوار ونوعياتها لتتناسب مع سنها وتكون أكثر صدقا وقوة.
وبرزت الفنانة وفاء عامر من بين النجمات اللاتي نجحن في الخروج من نمطية بعض الأدوار إلى أكثر رحابة، عبر أدوارها في عدد من الأعمال الدرامية التي عرضت مؤخرا على الشاشة الفضية.
وتمتلك عامر قدرا كافيا من الموهبة، ما أهلها لتحتفظ لنفسها بمكانة خاصة في قلب المشاهد، وأحد أهم أسباب احتفاظها بهذه النجومية عدم التفاتها لمساحة الدور في العمل أو ترتيب اسمها على تتراته، كذلك قدرتها على توجيه دفة تمثيلها بحسب الشخصية وصعوبتها.
ونجحت عامر في التحول من أدوار الحبيبة والخادمة والطالبة والزوجة في أفلام مثل “الواد محروس بتاع الوزير” و”يا تحب يا تقب” وانتقلت إلى أدوار أخرى جديدة لم تقدّمها من قبل مثل دور الملكة في مسلسل “الملك فاروق” ودور الأم في مسلسل “نسر الصعيد”، والسيدة الشعبية في “السر”، وهو آخر عمل انتهت منه.
وقالت لـ”العرب”، إنها لم تمانع في الابتعاد عن نوعية الأدوار التي تحمل إثارة، بعد أن أشارت أصابع الاتهام لها باستغلال هذا النوع من أجل لفت نظر الجمهور، لتبدأ مرحلة جديدة في رحلتها الفنية تنوع فيها الأداء بين الشقيقة الكبرى، الحبيبة، الشريرة، والأم الذي برعت فيه.
ويرى البعض أن خطوات وفاء عامر في الأعمال الدرامية بطيئة بالمقارنة مع عدد كبير من أبناء جيلها، ومقارنة بممثلات سطعن معها، مثل غادة عبدالرازق التي نجحت في تقديم العديد من الأعمال التي تحمل اسمها، عكس وفاء التي لا تهتم كثيرا بهذه الفكرة، فتارة نجدها بطلة-راقصة لمسلسل “كاريوكا” عام 2012، وأخرى تقوم بأداء دور ثان، ونجحت في دور الأم باقتدار في مسلسل “جبل الحلال” مع الراحل محمود عبدالعزيز.
وأوضحت أنها لم تعر اهتماما للأدوار التي تظهر مفاتنها وجمالها كفنانة، وترى أنها استطاعت التغلب على كل ذلك بالظهور في دور الأم، عكس عدد كبير من الفنانات لم يفضلن ذلك، اعتقادا منهنّ أنه قد يحصرهنّ في مساحة أدوار محددة.
وأكدت وفاء في حوارها مع “العرب”، أنها تسير وراء الدور الجيد مهما كانت نسبة ومساحة الظهور فيه، ولن ترفض دورا يضعها في إطار الأم، لأن هذا ما يتناسب مع عمرها، فهي في الحقيقة أم، لذلك لا تمانع في الظهور بهذا الدور، كما أنها حقّقت نجاحا فيه إلى حد كبير. وشعرت بطعم النجاح في دور الأم، بعدما تعاطف المشاهد معها في العديد من مواقف مسلسل “نسر الصعيد” خاصة في المشاهد التي جمعتها مع زوجة ابنها.
وذكرت أنه من الضروري تغيير الملامح والأزياء مع تغير الشخصيات في المراحل العمرية المختلفة، وحرصت في مرحلة شباب الشخصية على وضع مكياج وارتداء جلباب ملون ليتناسب معها، أما عندما كبرت في السن وأصبحت أمّا، لم تضع المكياج وارتدت جلبابا أسود اعتادت على ارتدائه السيدات كبيرات السن في الصعيد، مع عدم إظهار شعرها، وأخذت في عين الاعتبار كل التفاصيل الصغيرة.
وفاء وفريد شوقي
تشبه وفاء عامر، مع مراعاة فرق الموهبة والشخصية والنوع، الفنان المصري الراحل فريد شوقي، والذي كان قادرا على التلون حسب الدور والمرحلة العمرية، وكان يجيد التحوّل من دور اللص إلى الرجل القوي، وصار نجما للكثير من أفلام الحركة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وبرع في دور الأب والموظف الحكومي والطبيب في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات.
انتقال وفاء عامر من دور الحبيبة لشخصية الأم كشف قدراتها الدرامية وحافظ على رصيدها الفني ونجاحها الجماهيري
وكشفت وفاء في حوارها مع “العرب”، أنها على مدار مشوارها الفني لم تشغلها فكرة البطولة المطلقة، وأن جودة الدور هو الذي يفرض نفسه والبطولة الحقيقية في تأثير الدور وانطباعات المشاهد عنه، ويكفيها أن تترك علامة في كل دور، سواء كانت أمّا أم لا، ولو بجملة تعلق مع الجمهور، حتى لو قالت “السلام عليكم يا باشا” فقد تبدو جملة سهلة وعادية إلاّ أن أداءها سيكون مختلفا بين المرأة الخادمة والأرستقراطية، والفتاة الصغيرة والأم الكبيرة، وهنا تكمن قوة الأداء والدور، بصرف النظر عن مساحته.
وأشارت عامر إلى أنها لا تتردد في التعلم من كل ما حولها ليكون دورها محكما ومقنعا، وفي دور الأم بالذات تحتاج المسألة للمزيد من الإتقان لإقناع الجمهور، وهي عملية لا ترتبط بالسن، فسواء كان الفنان صغيرا أم كبيرا، فهو مطالب أن يكون عند مستوى الشخصية التي يقوم بها.
واعترفت في حوارها مع “العرب”، أن حصر البطولة لأي فنانة في دور الأم، يتوقف على قرار المنتج وهو المتحكم الرئيسي، لأن الموهبة لا تكفي وحدها، بل لا بد من مراعاة رؤية عناصر كثيرة مثل المؤلف والمخرج، والمنتج الذي يجب أن يكون مقتنعا بهذه الموهبة وقدرتها على رسم الدور المطلوب، فالعمل الفني لا يعتمد على المضمون فحسب، بل هناك التسويق في التلفزيون والسينما، وإذا اكتملت العناصر يمكن إيجاد منظومة عمل فني ناجح.
وكشفت أنها مهتمة بالتنوع في الشخصيات التي تقدّمها، لعدم حصرها تماما في دور الأم، لأن لديها مهارات وطاقات كثيرة، لذلك خاضت تجربة مسلسل “السر” الذي سوف يتم عرضه قريبا، وتجسد فيه شخصية “غالية” بائعة الكبدة، الذكية والشجاعة، وتتعلم كيف تحصل على حقوقها ممّن حولها.
ومع أن وفاء عامر سبق وقدّمت دور المرأة الشعبية من خلال شخصية “نحمدُه” في فيلم “حين ميسرة”، إلاّ أنها تؤكد أن الدور الجديد له رؤية مختلفة ويحمل في طياته قضية البحث عن عمل شريف، وهذه القيمة من أهم المزايا التي يحملها أي عمل درامي.