فريدة الشوباشي كاتبة وبرلمانية تهوى مشاكسة الإخوان والسلفيين

الشوباشي كوكتيل سياسي مصري يسبح ضد التيار.
الثلاثاء 2021/12/07
من هواة المشاغبات

لا تكاد تنتهي الكاتبة والنائبة في البرلمان المصري فريدة الشوباشي من مشكلة إلا وتدخل أخرى لا تقل عنها حدة، وأصبحت في نظر البعض من هواة المشاغبات، فمنذ صغرها وهي تجيد السباحة ضد التيار، وتمتلك “كوكتيلا” سياسيا يساعدها على ذلك، وقد وضعتها جرأتها الشديدة في مطبات يتعمد البعض إساءة تفسير تصريحاتها أو تضخيمها بما يضاعف من صعوبة تصحيحها.

وجد سلفيون وإخوان ضالتهم للانتقام من الشوباشي التي لا تتوقف عن انتقاد رغبتهم في الهيمنة على مفاصل المجتمع عندما أشارت إلى أن صوت الأذان المرتفع في أوقات الصلاة يزعجها، وتعامل هؤلاء مع كلامها على طريقة ولا تقربوا الصلاة، إذ كانت شكواها أنها تسكن في حي قريب من منطقة شعبية بها نحو 15 مسجدا، يرتفع صوت الأذان في وقت واحد فتتداخل الأصوات ويصبح الموقف صاخبا.

في الحديث الذي تطرقت فيه إلى صوت الأذان لم تنكر إعجابها بصوت الشيخ الراحل عبدالباسط عبدالصمد، وكان من أهم قارئي القرآن في مصر، وأن سماعها له يجعل بدنها يقشعر، في دلالة على عدم رفضها للأذان واحترامها للدين الإسلامي.

اعتبر المتربصون بها أن هذه سقطة يصعب أن تغتفر وبدأوا التحريض ضدها لاغتيالها معنويا، خاصة أنها تمعن في معارضة من تصفهم بالمتأسلمين الذين يريدون الحجر على المرأة وسلب حريتها، ولها مواقف عديدة معهم خلال فترة صعود جماعة الإخوان سياسيا في مصر، ولا تزال تتمسك برفضها القاطع لخلط الدين بالسياسة.

تصفية للحسابات السياسية

كان يمكن أن تمر تصريحات الشوباشي بهدوء، فهناك كتّاب كثيرون لهم مواقف صارمة ضد الخطاب الذي يستخدمه التيار الإسلامي في المغالاة ضد المرأة وصياغة تصورات تريد الهيمنة على المجتمع وإخضاعه لتفسيرات مؤدلجة، لكن خصوصية الشوباشي تكمن في أن حياتها الشخصية والسياسية والإعلامية المتشابكة منحت خصومها فرصة للنيل منها وزيادة جرعات التشويش حولها.

السلفيون والإخوان يجدون فرصة جديدة للانتقام من الشوباشي التي لا تتوقف عن انتقاد رغبتهم في الهيمنة على مفاصل المجتمع عندما أشارت إلى أن صوت الأذان المرتفع في أوقات الصلاة يزعجها

كانت في مقدمة الصفوف التي أيدت عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، وتعتبر ثورة الثلاثين من يونيو 2013 وخروج الملايين فيها من المواطنين وأزاحت حكم الإخوان من العلامات الفارقة في التاريخ المصري، وتضعها في مرتبة مكملة لثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 التي أسست النظام الجمهوري في البلاد، فقد أزاحت كليهما طبقة سياسية كانت تمثل خطرا على الدولة، وفتحتا المجال لتخلص مصر من قيود كبلت حركتها.

تحرص على الوقوف في صف الدولة الوطنية، وترفض التقسيمات الدينية التي يعزف عليها التيار الإسلامي، وتعتقد أنه لا فرق بين مسلم ومسيحي في مصر، لأن هذه التفرقة من أسباب الفتن الطائفية التي تطل برأسها من وقت إلى آخر، وكرست جانبا من كتاباتها لعملية التنوير كوسيلة لمواجهة التخلف الذي يريد البعض فرضه على الوطن.

تعد فريدة الشوباشي من مناصرات حقوق المرأة في مصر، وترأس جمعية “حقوق المواطن”، وقد دخلت مجلس النواب الحالي بالانتخاب على قائمة الجيزة، وهي صوت داعم للتشريعات الخاصة بالمرأة في البرلمان، وتعكس شخصيتها المتنوعة صورة مصغرة لمصر المتسامحة.

طالبت بسن تشريع يمنع ارتداء السيدات للنقاب، فهو في نظرها “نوع من أنواع التخفي”، ورأست أولى جلسات مجلس النواب في بداية العام الجاري باعتبارها أكبر الأعضاء – العضوات سنا إلى حين إتمام عقد جلسة اختيار رئيس البرلمان الجديد (حنفي الجبالي)، في واحدة من المرات النادرة التي تجلس فيها المرأة على هذا المقعد.

يرى البعض أن الشوباشي تمعن في مزايداتها السياسية ضد التيار الإسلامي وتحدث ضجيجا كي يسمع صوتها في وسائل الإعلام، بينما يرى آخرون أن هذه قناعاتها التي لم تبدلها طوال حياتها، حيث تكره التطرف بأنواعه، وتدعم خط الدولة المدنية بلا هوادة، الأمر الذي ظهرت تجلياته في كتاباتها ومواقفها السياسية وقدرتها الكبيرة على مواجهة التحديات، وهو ما مكنها من تجاوز الكثير من الصعوبات.

ونفت فريدة الشوباشي في تصريح خاص لـ”العرب” أنها تتعمد الدخول في مواجهات مع الإخوان والسلفيين، وتعبر عن مشاعرها بصدق “وهو أمر لا يفهمه هؤلاء”.

تخطت إلى حد بعيد محنة المرض الخبيث التي مرت بها قبل سنوات دون أن تتخلى عن التزاماتها الإعلامية، ومكنتها إرادتها القوية من إحداث توازن بين الجانبين خلال الفترة الحرجة التي كان المرض متوحشا معها.

التنوع الخلاق

النقاب الذي تطالب الشوباشي بسن تشريع يمنع النساء من ارتدائه، هو في نظرها "نوع من أنواع التخفي"
النقاب الذي تطالب الشوباشي بسن تشريع يمنع النساء من ارتدائه، هو في نظرها "نوع من أنواع التخفي"

تنحدر الكاتبة فريدة الشوباشي من أسرة مسيحية واقترنت بالصحافي الراحل علي الشوباشي الذي استمدت اسمها الثاني منه، ثم أسلمت عام 1963، أي بعد خمس سنوات من دخولها مؤسسة الزواج، ما جلب لها مشاكل مختلفة، فأسرتها القبطية لم تتقبل فكرة زواجها من مسلم أصلا وازداد الغضب بعد أن أشهرت إسلامها، وأسرة زوجها المسلمة لم تستطع في البداية هضم زواج ابنها من مسيحية.

لم تكن مسألة الزواج المدني في مثل هذه الحالات مشكلة في ذلك الوقت بمصر، حيث كان المجتمع أشد تسامحا مما هو عليه الآن، وأكثر مرونة في هضم الآخر، مع ذلك يوحي تقبل فريدة اقتباس اسم الشوباشي بأنه دليل على هروبها من مواجهة ملامح تطرف وليس فقط حبا أو غراما وارتباطا بزوجها الذي لا تزال وفية لذكراه.

وأوضحت لـ”العرب” أنها لم تكشف عن اعتناقها للإسلام سوى في سنة 2010 ردا على ما قاله الرئيس الأسبق حسني مبارك من أنه حريص على عنصريٓ الأمة، وكتبت مقالا بعنوان “بل عنصر واحد”.

وقالت “تظاهرت ضد العدوان الثلاثي عام 1956 وأنا صبية مصرية قبطية وتظاهرت ضد العدوان الاسرائيلي على بلدي عام 1967 وأنا شابة مصرية مسلمة، وفي الحالتين أنا فريدة لم تتغير جيناتي وما تغير هو علاقتي بالخالق، وقد هاتفني يومها عدد من الشخصيات منهم الأستاذ (الصحافي الراحل) محمد حسنين هيكل والذين فوجئوا بأنني كنت مسيحية”.

ولفتت لـ”العرب” إلى أن هذا الموقف “ينفي مزاعم من البعض الذين روجوا بأنني اعتنقت الإسلام للزواج أو غير ذلك من افتراءات، وكل ما قالوه كذب، وأتحدى أن يجد لي أحد أي إشارة لعقيدتي الدينية قبل هذا المقال”.

يبدو ارتباطها قويا بابنها الوحيد الإعلامي نبيل علي الشوباشي، ويعمل في محطة فرنسا 24 وملامحه تشبه والده الراحل إلى حد بعيد، وتظهر ملامح الارتباط في تعليقاتها وصورها على صفحتها الشخصية على فيسبوك، ويجد أصدقاء الصفحة كلاما عاطفيا يؤكد أن قوتها في مواجهة خصومها لم تمنعها من الحياة الدافئة إنسانيا.

الشوباشي تعد من مناصرات حقوق المرأة في مصر، وهي صوت داعم للتشريعات الخاصة بالمرأة في البرلمان

اسمها الحقيقي فريدة ملك جورج ميخائيل، ومن مواليد عام 1938 في منطقة حلوان بجنوب القاهرة، نشأت وسط خمسة من الأخوة والأخوات: فريد، فايق، فايزة، فاتن، فادي، وهي تكبرهم، ودرست في مدارس أجنبية، وأجادت اللغة الفرنسية، وحاصلة على شهادة في القانون من جامعة القاهرة، وتشكل وعيها السياسي مبكرا مع العدوان الثلاثي الذي شنته إسرائيل وبريطانيا وفرنسا على مصر عام 1956، وازدهرت ميولها السياسية خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ما جعلها تتشبع بأفكاره.

اعترفت في حوارات سابقة أن زواجها من الصحافي علي الشوباشي الذي عمل فترة طويلة في وكالة الأنباء الفرنسية، جاء نتيجة قصة حب عنيفة بينهما، كللت بالزواج دون النظر إلى الديانة، ومنحها تحررها فرصة لكسر الكثير من القيود في مثل هذه الحالات، وانتماء زوجها إلى تيار سياسي يساري جعله متقبلا لفكرة الزواج منها.

حكت قصة إسلامها أكثر من مرة، وأكدت عدم وجود علاقة مباشرة بالزواج، إذ تم اعتناقها الإسلام وزوجها في السجن وقت أن اعتقل ضمن مجموعة من الكتاب والسياسيين الشيوعيين، وكانت تكتب خطاباتها له بالفرنسية لعدم إتقانها العربية جيدا.

 أشارت إلى أن إعجابها بعدالة الخليفة عمر بن الخطاب ونجاحها في استيعاب الدروس التي تنطوي عليها عبقريته في الجوانب الإنسانية منذ المئات من السنين قربها من الدين الإسلامي، بمعنى أنها لم تكن مجبرة على الدخول في الإسلام.

يشكك خصومها المتأسلمون في هذه الرواية بغرض تفريغ مواقفها العدائية لهم من مضمونها السياسي وهدم حججها التي تواجههم بها، ويوظفون تقديراتها السلبية من التصرفات التي يقوم بها رجال دين أو سياسيون محسوبون على الإخوان للنيل منها دون أن يجبرها ذلك على تغيير موقفها من الجماعة وفلولها.

وأكدت فريدة الشوباشي لـ”العرب” أنها في أثناء دراسة مادة الشريعة في كلية الحقوق بهرتها عدالة سيدنا عمر بن الخطاب وشعرت أنه فتح ذراعيه لها وقال لي “تعالي”.

انتقدت تصرف الشيخ محمد متولي الشعراوي بسبب اعترافه بأنه سجد لله شكرا على هزيمة مصر أمام إسرائيل في حرب يونيو عام 1967، وكتبت مقالا قالت فيه “إن الذي يسجد لله شكرا على هزيمة مصر فهو إنما بالضرورة يسجد لله شكرا على نصر إسرائيل”.

وذكرت لـ “العرب” أنها لم تهاجم الشيخ الشعراوي، وكانت تعبر فقط عن حزنها تجاه من يفرح في هزيمة الوطن، لأنه قال “سجدت لله شكرا وفرحت”.

انحيازات ناصرية

موقفها المتعاطف مع عبد الناصر والرافض لسياسات السادات كلفها فقدان وظيفتها في إذاعة مونت كارلو الفرنسية
موقفها المتعاطف مع عبد الناصر والرافض لسياسات السادات كلفها فقدان وظيفتها في إذاعة مونت كارلو الفرنسية

تبدو الشوباشي مؤيدة للكثير من سياسات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، ومدافعة عنه في مواجهة من ينكرون دوره العروبي، أو يقللون من أهمية انحيازاته الاجتماعية.

وشددت في تصريحاتها الخاصة لـ”العرب” على أنها من “أشد المؤمنين بنبل الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وقد ازدادت قناعتي بعظمته في أثناء عملي في فرنسا، حيث قرأت كل ما كتب عنه من الأصدقاء ومن الأعداء”.

وهي لا تنكر انحيازاتها لتوجهات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وفترة حكمه الثرية سياسيا وثقافيا، وتحافظ على هذا الولاء حتى الآن، وترى أن مشروعه القومي كان يمكن أن يغير وجه الحياة في مصر لو قدر له أن يكتمل.

كبّدها تعاطفها السياسي مع الرئيس عبدالناصر ورفضها لسياسات خلفه الرئيس أنور السادات فقدان وظيفتها في إذاعة مونت كارلو الفرنسية التي عملت فيها أكثر من عقدين، حيث رفضت إجراء حوار مع وزير الخارجية الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز، ولم تغير رأيها في رفض تصورات السادات نحو السلام مع إسرائيل.

وقالت لـ”العرب”، “رفضت تمرير سلمان رشدي مؤلف كتاب ‘آيات شيطانية’ في نشرة بانوراما التي كنت أقدمها في ذلك اليوم، لأنه سخر من آيات كريمة”.

وجرت مياه كثيرة في ملف العلاقات بين مصر وإسرائيل وفريدة الشوباشي على قناعة بأن العداء تاريخي وممتد ولن تتوافر له مساحة مواتية للتطبيع الذي تريده إسرائيل حيث تحتل أراضي عربية عدة، وتنكر على الشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية.

على الرغم من تراجع حديث التطبيع هذا، إيجابا أو سلبا، في الإعلام المصري، إلا تشبعها بالأفكار الناصرية جعل تحولها إلى تيار سياسي آخر صعبا، خاصة أنها تجد في تصورات النظام المصري الحالي جانبا من التماس مع الحنين المستمر لحقبتي الخمسينات والستينات وكانت فيهما القاهرة عنصرا في التفاعلات الإقليمية والدولية.

تقتنع أن المشروع التنموي الكبير الذي يتبناه الرئيس عبدالفتاح السيسي سوف يضع مصر في مكانة تستحقها، وتقف في الصفوف الأمامية لمؤيديه، لأن ما قام به الرجل في مواجهة تنظيم الإخوان خطوة حيوية خلصت البلاد من أحد الأمراض المزمنة، وفتحت الطريق لدول أخرى لكشف زيف جماعة أدمنت توظيف الدين لتحقيق أغراضها السياسية.

Thumbnail
12