فرنسا والمغرب: فصل جديد من العلاقات

الإنجازات الاقتصادية المحققة في الأقاليم الجنوبية خير دليل على أن عجلة التنمية تسير في سبيل تحقيق تطلعات سكان الجنوب وتفتح الباب للمزيد من الاعترافات بواقعية الطرح المغربي.
الاثنين 2024/08/12
قفوا.. إلى أين تأخذون الجزائر

تخطت رسالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الـ25 لتوليه العرش الملكي حاجز الرسائل البروتوكولية الودية التي دأب قصر الإليزيه على إرسالها من باب الحفاظ على التقاليد والأعراف الدبلوماسية، لتعلن عن موقف باريس الجديد بشأن قضية الصحراء، وتضع حدا لمواقف الضبابية والمناورة التي ميزت الخطاب الرسمي الفرنسي في السنوات السابقة، من باب الإبقاء على التوازن الإستراتيجي الذي تمليه ضرورة الحفاظ على قنوات التواصل مع النظام في الجزائر لاعتبارات ومصالح عديدة. لكن كلفة الحفاظ على ذلك التوازن ضيعت على فرنسا العديد من الفرص واستنفدت من الوقت ما كان يمكن استثماره في تحقيق منافع مشتركة مع المغرب في الصحراء.

لا تهمّ نوايا ماكرون بقدر ما يهم أن لعبة الشد والجذب قد انتهت بانضمام فرنسا إلى قائمة عريضة من الدول الوازنة التي تدعم الأطروحة المغربية، وترى بعين العقل أن الحلول الواقعية كفيلة بأن تتجاوز تعقيدات القرارات الأممية، التي تؤكد على مدار عقود أنها غير قادرة على التوصل إلى صيغة توافقية تنهي صراعا يأتي على حساب عشرات الآلاف من العالقين في مخيمات تندوف، يفتقدون فيه لشروط العيش الكريم.

يجمع المراقبون والعقلاء على أن قرار ماكرون بتعديل البوصلة نحو المغرب ما هو إلا فهم وإدراك فرنسي لضرورة الانخراط في علاقة بناءة ومتينة تحكمها المصالح المشتركة والمنافع الاقتصادية، بدل الرهان على علاقة مع نظام جزائري يعطل الحلول الواقعية في المنطقة، ويثبت من خلال تجارب عديدة أنه نظام يتعامل بالمزاجية ويربط كل شيء بمسألة دعم بوليساريو.

الجزائر تزداد عزلة كلما تقدم المغرب خطوة إلى الأمام، وكلما حصل على اعتراف جديد بمغربية صحرائه، ويزداد شعبها حسرة على هدر أموال طائلة كان بالإمكان أن تنفق في خدمة المصلحة العامة

خلافا لما اتسم به الموقف الجزائري من برود عندما حسمت دولة قطر موقفها بدعم الطرح المغربي كأساس موضوعي لأيّ حل واقعي ومستدام لهذه القضية، وتجاهل للموقف السعودي من خريطة المغرب الكاملة، شكل القرار الفرنسي الأخير حول مغربية الصحراء صدمة كبيرة للنظام في الجزائر، التي ردت بعد سويعات بسحب سفيرها من باريس، وهو ما يعني بشكل غير مباشر إلغاء زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى فرنسا، والتي وصفها في حديث مع الصحافة على أنها موعد مع التاريخ لا يجب التخلف عنه.

الإعلام الجزائري حاول أن يقلل من أثر الصدمة بالتقليل من شأن قرار ماكرون ومن التحول الكبير في الموقف الفرنسي، لكنه في نفس الوقت قدم صورة واضحة على الارتباك الحاصل بفعل هذا القرار، ودلائل إضافية بأن النظام في الجزائر يجعل من مسألة دعم جبهة بوليساريو قضية داخلية شبه مصيرية تحدد الخطوط العريضة لسياسته الخارجية ويوظف كل أوراقه من أجلها ومن أجل أن يستمر الصراع حتى وإن كان ذلك على حساب مصالح الجزائر الاقتصادية، وإن تطلب الأمر أن توقف تصدير الغاز والاستيراد والتصدير كوسيلة من وسائل الضغط، بدل أن تستخدم مواردها في زيادة مداخيل البلاد لتحسين الأوضاع الاجتماعية التي تزداد سوءا، رغم كل محاولات نفخ الأرقام الاقتصادية.

الاعتراف الفرنسي الحاسم والصريح بمغربية الصحراء هو نجاح للمسار الدبلوماسي الشاق الذي انتهجه المغرب في سبيل دعم قضيته. أما الإنجازات الاقتصادية المحققة في الأقاليم الجنوبية فهي خير دليل على أن عجلة التنمية تسير في سبيل تحقيق تطلّعات سكان الجنوب. كما تفتح الباب أيضا للمزيد من الاعترافات بواقعية الطرح المغربي الذي يجسد على أرض الميدان صورة لمستقبل واعد ينتظر صحراء المغرب وسكانها مع استمرار مسيرة البناء والتشييد.

في الجهة المقابلة تزداد الجزائر عزلة كلما تقدم المغرب خطوة إلى الأمام، وكلما حصل على اعتراف جديد بمغربية صحرائه، ويزداد شعبها حسرة على هدر أموال طائلة كان بالإمكان أن تنفق في خدمة المصلحة العامة عوض إنفاقها في شراء المواقف السياسية ودعم جماعة انفصالية لا تعنيهم من قريب ولا من بعيد.

دون الحاجة للنظر عن كثب، يكفي فقط تصفح اليوتيوب ومشاهدة مدينة العيون المغربية وجمال طرقاتها وتناسق بنائها وعمرانها، ثم إجراء مقارنة بمدن الصحراء الجزائرية الغنية بالبترول والغاز والذهب لتتضح الرؤية.

8