فرنسا توصد أبواب المناورة أمام أردوغان بفتح ملف قمع الحريات

باريس - يرى مراقبون فرنسيون أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة إلى باريس تندرج ضمن الاستراتيجية التي تعتمدها فرنسا في ترشيق سياستها الخارجية منذ تبوء إيمانويل ماكرون الرئاسة في البلاد.
ويضيف هؤلاء أن فرنسا بقيادة ماكرون تقود الاتحاد الأوروبي لسبر أغوار سياسة خارجية جديدة تمنح أوروبا دورا مميزا ما بين الولايات المتحدة المتخبطة بسياسات الرئيس دونالد ترامب وروسيا التي تسعى لاحتلال دور متقدم بقيادة فلاديمير بوتين.
وكشفت مصادر فرنسية قريبة من الإليزيه أن ماكرون يخطط لفتح صفحة جديدة مع تركيا دون أن يتنازل عن المواقف الأوروبية المتشددة حيال الموقف من سلوكيات النظام في تركيا.
وكان الرئيس الفرنسي قد أكد أنه سيثير خلال اجتماعه مع نظيره التركي مسألة الصحافيين المسجونين في تركيا، إضافة إلى وضع حقوق الإنسان المتدهور.
وأكدت مصادر دبلوماسية أوروبية أن ماكرون سيقدم لأردوغان سلما للنزول عن الشجرة العالية التي صعد إليها في عدائه للاتحاد الأوروبي خدمة لأجندته السياسية، التي ظهرت فجاجتها أثناء حملة الاستفتاء على الإصلاحات الدستورية في تركيا.
|
وكان ماكرون أعرب في أكتوبر الماضي من ستراسبورغ عن أمله في أن “تحترم تركيا وروسيا، وكلتاهما وقعت على المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، الالتزامات المنصوص عليها في هذه المعاهدة وفي طليعتها تلك المتعلقة بحرية الصحافة”.
واعتبر وزير الدولة لدى وزير الشؤون الأوروبية جان باتيست ليموين، قبل يوم من وصول الرئيس التركي إلى باريس، أنه يتعين على تركيا القيام بـ”مبادرات ملموسة جدا” بشأن حقوق الإنسان، إذا كانت تريد إعطاء دفع لترشحها لعضوية الاتحاد الأوروبي.
وفي تعليقه على مسألة عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، قال الوزير “حاليا العملية مجمدة لأن هناك ترقبا من الدول الأوروبية بشأن الحريات الأساسية”. وأضاف “بالتالي يتعين أن تقوم تركيا بمبادرات ملموسة جدا ليمكن بحث بعض الملفات، وفي أي حال تم وسيتم إبلاغ الرسالة” أثناء زيارة أردوغان.
واختصر الوزير الفرنسي منهجية ماكرون في السياسة الخارجية أنه “يجب التحدث إلى الجميع وفي كل وقت، في هذه المنطقة المعقدة حيث تدور نزاعات متعددة على الحدود مع تركيا، ومن المهم الابقاء على الحوار مع كل الدول المهمة”، في إشارة خصوصا إلى الأزمة السورية.
ويقول محللون إن الرئيس التركي يحتاج إلى التعاون مع باريس لتعديل الاختلال في علاقة تركيا مع الغرب عموما، وأن إعادة تصويب العلاقة مع باريس قد تكون مدخلا لتصويب شامل مع الاتحاد الأوروبي.
وتعتبر باريس أن على الاتحاد الأوروبي أن يواصل الحوار مع تركيا بسبب حاجة أوروبا إلى عدم وقف التعاون مع أنقرة في ملفات الأمن والهجرة.
وكانت عمليات التطهير التي قامت بها أنقرة بعد محاولة الانقلاب قوبلت بانتقادات كثيرة وجهها شركاؤها الأوروبيون ولا سيما برلين، ما أدى إلى توقف المفاوضات المتصلة بترشيحها للانضمام إلى عضوية الكتلة الأوروبية.
وأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مطلع سبتمبر الماضي تأييدها وقف هذه المفاوضات، فيما دعا ماكرون إلى تجنب القطيعة مع تركيا معربا عن قلقه من الانحرافات” الخطيرة التي تتبعها.
وقال المؤرخ والعالم السياسي صميم أكغونول، إن الرئيس التركي يتوجه إلى باريس “لأنه لم يجد خيارا أفضل”، إذ أن أنقرة كانت تفضل زيارة إلى برلين لإعادة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
وأكد أكغونول أنه ليس متفائلا بإمكانية تهدئة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي خلال العام الجاري، مضيفا “يمكن أن نرى تغييرا في الخطاب لكنني أعتقد أن العلاقات لا يمكن أن تحرز تقدما جوهريا”. ويملك الرئيس الفرنسي، حسب محللين، هامش مناورة واسعا للتأثير على قرارات الكتلة الأوروبية بسبب الشلل الألماني المتعلق بالصعوبات التي تواجهها المستشارة الألمانية في تشكيل حكومة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة.