فرنسا تلوح بالتأشيرات للرد على توقيف الجزائر للكاتب بوعلام صنصال

تصعيد غير مسبوق بين الجزائر وفرنسا يضع علاقتهما على حافة الانهيار.
الخميس 2024/12/19
النقطة التي أفاضت الكأس

شهدت العلاقات الجزائرية – الفرنسية تصعيدا غير مسبوق، خصوصا بعد توقيف الكاتب بوعلام صنصال، حيث لوحت باريس بمراجعة التأشيرات الممنوحة للجزائريين، في خطوة يرى ملاحظون أنها تضع الروابط بين البلدين على حافة الانهيار.

الجزائر - كشف وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتاو عن مراجعة التأشيرات الممنوحة للجزائريين كواحد من الإجراءات المنتظرة من سلطات بلاده، على توقيف الكاتب بوعلام صنصال منذ نحو شهر، لتشتد بذلك القبضة بين البلدين، خاصة بعد عرض التلفزيون الحكومي لاعترافات شاب جندته الاستخبارات الفرنسية بالقيام بأعمال عدائية في الجزائر.

وصرح وزير الداخلية الفرنسي لوسائل إعلام محلية بأنه سيكون حازما جدا في هذه الأمور وانتهج سياسة الحزم دائما، في رد على سؤال حول ردّ السلطات الفرنسية على توقيف السلطات الجزائرية للكاتب الفرنسي – الجزائري بوعلام صنصال منذ منتصف الشهر الماضي، وإحالته على القضاء بعدما وجهت له تهما ثقيلة.

وألمح برونو ريتاو إلى أن ذلك يندرج في إطار حزمة من الإجراءات تلوح بها حكومة بلاده تجاه الجزائر، كشف منها أنه ستتم مراجعة مسألة التأشيرات الممنوحة للجزائريين، الأمر الذي سيضيق على حركة تنقل الأشخاص، وينتهك الاتفاقيات المبرمة بين البلدين.

وفي رده على سؤال حول فرضية اللجوء إلى ورقة التأشيرات للرد على السلطات الجزائرية، أكد بالقول “أنا حازم جدا في هذه الأمور وأنتهج سياسة الحزم دائما.”

وأضاف “التحفظ في مثل هذه القضايا هو الأكثر فعالية، ولهذا سأتحفظ ولن أفصح عن الكثير”، وهو ما يوحي بأن الحكومة الفرنسية تتهيأ لإطلاق حزمة إجراءات ضغط على الجزائر من أجل ثنيها على قرار توقيف الكاتب المذكور، والاستجابة لنداءات إطلاق سراحه التي رددتها عدة نخب سياسية وثقافية في فرنسا.

العلاقات الجزائرية - الفرنسية تراجعت بعد إعلان قصر الإليزي دعمه للطرح المغربي في معالجة ملف الصحراء المغربية

ويأتي هذا التصريح في سياق موجة تصعيد غير مسبوقة بين البلدين، خاصة بعد استدعاء الخارجية الجزائرية للسفير الفرنسي في الجزائر ستيفان روماتي لإبلاغه احتجاجا رسميا على ما أسمته بـ”ضلوع جهاز الأمن الخارجي الفرنسي في مخططات تستهدف ضرب الأمن والاستقرار في البلاد، عبر السعي لتجنيد خلايا متخصصة في إثارة الفوضى والاضطرابات”، وهو ما أكده وزير الخارجية الفرنسي جون نويل بارو لوسائل إعلام بلاده، ووصف التهم بـ”غير المؤسسة والخيالية”، وعاد إلى التذكير بأن رئيسي البلدين عبدالمجيد تبون وإيمانويل ماكرون، وضعا خارطة طريق لتسوية الخلافات بعيدا عن وسائل الإعلام، لكن يبدو أن الطرف الجزائري غير ملتزم بذلك.

ولم تصدر وزارة الخارجية الجزائرية أي بيان رسمي عن مسألة استدعاء السفير الفرنسي، وتم الاكتفاء بتسريب المعلومات إلى وسائل إعلام محلية حكومية وخاصة، أفرغت في تقاريرها شحنات الغضب الذي ينتاب القيادة السياسية، على غرار مفردات “للصبر حدود”، و”انتظروا الرد المناسب”، في إشارة إلى خطوات أخرى في الأفق.

وأشار وزير الداخلية الفرنسي إلى أنه “تواصل مع بوعلام صنصال أياما قبل توقيفه، من أجل تحديد موعد للقائه وتناول الفطور أو الغداء مع بعض، وأنه تأثر بشكل شخصي لتوقيف هذا الأخير.”

وتابع “تواصلت مع الرئيس الفرنسي مباشرة بعد تفجير قضية توقيف صنصال، وأن فرنسا تقوم بأقصى ما يمكن في هذا الشأن”، مما يوحي بأن العلاقات الجزائرية – الفرنسية مرشحة للمزيد من التأزيم، خاصة في ظل تلويح كل طرف بأوراق الضغط التي بحوزته.

ويتواجد الكاتب بوعلام صنصال منذ عدة أسابيع في المؤسسة العقابية بضاحية القليعة، غربي العاصمة، في ظروف صحية صعبة استدعت نقله إلى مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة، حسب ما أفاد محاميه الخاص، الذي منع بدوره من دخول التراب الجزائري بسبب عدم حصوله على التأشيرة الجزائرية.

بوعلام صنصال يتواجد منذ عدة أسابيع في المؤسسة العقابية بضاحية القليعة، غربي العاصمة، في ظروف صحية صعبة

وانحدرت العلاقات الجزائرية – الفرنسية إلى الحضيض منذ الصيف الماضي بعد إعلان قصر الإليزي دعمه للطرح المغربي في معالجة ملف الصحراء المغربية، والذي ردت عليه الجزائر بسحب سفيرها، وإصدار بيان قالت فيه إن “الفكر الاستعماري يتحالف ضد حق الصحراويين في تقرير المصير”.

ومنذاك تصاعد السجال بين البلدين في مناسبات عديدة على غرار تتويج الكاتب الفرنسي – الجزائري كمال داود بجائزة الغونكور، ثم توقيف زميله بوعلام صنصال في مطار الجزائر على خلفية تصريحات وصفت بـ”الخطيرة” و”المهددة للسيادة الوطنية”، بعدما صرح لإحدى المجلات الفرنسية بأن “أقاليم الغرب الجزائري هي أراض مغربية”، ولم يتوان في وصف ثوار جبهة التحرير الجزائرية بـ “إرهابيي داعش والقاعدة”. 

وعن مستقبل العلاقات الجزائرية – الفرنسية، أبرز وزير الداخلية الفرنسي أن باريس تسعى لتكريس مبدأ “المعاملة بالمثل مع كل الدول، وأنه إما أن تنسق معنا ونمنح لمواطنيها التأشيرات، وإذا رفضت التنسيق معنا فأنا مع وقف منح التأشيرات.”

وعاد إلى اتفاقية الهجرة المبرمة العام 1968 بين الجزائر وفرنسا، والتي تمنح مزايا خاصة للمهاجرين الجزائريين، ليعتبرها أنها “تتماشى مع حقبة الجنرال ديغول ولم يعد لها أي معنى الآن.”

وشدد المتحدث على أهمية تكريس المعاملة بالمثل، وعلى ضرورة الإفراج عن بوعلام صنصال قريبا، وإذا لم يحدث ذلك ستلجأ فرنسا إلى اتخاذ أسلوب جديد للرد.

وبث التلفزيون الجزائري اعترافات لشاب يدعى محمد أمين عيساوي (35 عاما) الذي جندته داعش في صفوفها على أراضي العراق وسوريا، ثم محاولات تجنيده من طرف جهاز الأمن الخارجي الفرنسي، تحت غطاء جمعية خيرية فرنسية تقوم بتأهيل الأشخاص في الوسط الاجتماعي، باعتباره فرنسي المولد وقد مر بتجربة مريرة مع التنظيمات الجهادية.

وقال “تكفلت جمعية فرنسية بإجراء الاتصالات بي، والتقيت بالعديد من الأشخاص يزعمون النشاط في صفوفها، وتدريجيا بدأت تتضح الأهداف والمطالب إلى درجة التكفل بتجنيد خلايا تقوم بإطلاق النار والتفجيرات في أماكن معينة، من أجل إثارة الفوضى والاضطرابات في البلاد، لكن تنسيقه الخفي مع مصالح الأمن الجزائري أجهض المخطط إلى غاية الكشف عن تفاصيله”. 

4